مواعظ شافية

من الشَّريعة حفظ النِّظام

يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾1

________________________________________
1- سورة المائدة، الآية: 48.

تمهيد

إنّ من يجيل نظره ويعمل فكره في هذا الكون المترامي الأطراف يرى النظام والدقّة والحكمة والعظمة فيه، يقول تعالى:﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾2ويقول سبحانه:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾3، وفي هذا الخلق تتكشّف لنا صفات الحكمة والعظمة والقوّة والقدرة في الخالق الّذي أبدعها وأنشأها. وعندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، سواءً في البعد الجسديّ أم فيما يتعلّق بالروح الإنسانيّة الّتي هي أكثر تعقيداً من الجسد، خلقه على أساس نظام دقيق جداً: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾4.

الإنسان يخضع لنظامين

كذلك من الواضح القول إنّ كلّ ما هو خارج إرادة الإنسان وقدرة الإنسان يسير ضمن نظام تكوينيّ قهريّ، وهو خاضع لسُنَن صارمة وقوانين حاسمة وقاطعة، وضعها الله سبحانه وتعالى في هذا الوجود وفي هذا الكون، يقول تعالى: ﴿سُنَّةَ

________________________________________
2- سورة الغاشية، الآيات: 17 20.
3- سورة آل عمران، الآية: 190.
4- سورة التين، الآية: 4.

اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾5.

كذلك وضع الله سبحانه وتعالى لحياة الإنسان نظاماً أمره باتّباعه، وهذا النظام نسمّيه الشريعة، يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾6.

والفرق بين النظامين أنَّ النظام الأوّل خارج عن إرادتنا واختيارنا ونحن خاضعون لسُنَنِه وقوانينه، لا نقدر على أن نفعل شيئاً، فحركة الشمس والأرض والكواكب خاضعة لقوانين كونيّة لا تقدر على الخروج عليها، يقول تعال: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾7.

النظام التشريعي

أمّا النظام الثاني فهو يتعلّق بالقضايا التشريعيّة، الّتي وضعها لنا الله سبحانه وتعالى وهو الأعلم بمصالحنا ومفاسدنا منّا، وقد أراد لنا من خلال الالتزام بها أن نصل إلى السعادة وإلى الحياة الطيّبة وذلك ضمن دائرة الاختيار لا الإجبار. وبأدنى تأمّل نجد أنّ روح التنظيم سارية في كلِّ الشريعة، في البعد العباديّ، والمعاملاتيّ والأخلاقيّ.

ولذلك نرى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في اللحظات الأخيرة من حياته، عندما جمع حوله الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام وبقيّة أولاده وأهله، قال لهم في ما قال من الوصيّة: “أوصيكما وجميع وُلدي وأهلي ومن بلغه كتابي

________________________________________5- سورة الأحزاب، الآية: 62.
6- سورة المائدة، الآية: 48.
7- سورة يس، الآية: 40.

شاهد أيضاً

مواعظ شافية

قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وإنّه اشترى بيعا، فجاؤوا إلى أبيه ...