الرئيسية / تقاريـــر / الإنسان في فلسفة الإمام علي (ع) – حسين علاوي

الإنسان في فلسفة الإمام علي (ع) – حسين علاوي

في سيرة وفكر الإمام علي (عليه السلام) ما يكشف لنا عن جوانب كثيرة من المبادئ العظيمة التي اكتسبها من معاني القرآن الكريم ومن تعاليم مربيه العظيم وابن عمه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذه المبادئ تظهر لنا عناصر الحكمة من جميع جوانبها المادية والمعنوية وهي متسمة بالعاطفة والاحساس المتطلع دائما الى الرحمة والرأفة والدفاع عن الحق والحرية والانسان.
فكان عليه السلام يهتم بتنمية الشخصية الانسانية ويركز على الجانب الفكري ويوليه مكانة خاصة انسجاما مع النهج القرآني الذي يؤكد على التفكير والتأمل ويرفض الجهل والتقليد.فمن اقواله التي تشيد بمقام العلم ودوره في تقويم شخصية الفرد: (لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب، ولا ظهير كالمشاورة..

قوام الدين والدنيا اربعة: عالم مستعمل لعلمه، وجاهل لا يستنكف ان يتعلم، وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه).. والعلم الذي يدعو اليه هو العلم المفيد النافع الذي يخدم الحضارة وينسجم مع الاخلاق والقيم (واعلم انه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه) وطبقات الناس العلمية (قيمة كل امرئ ما يحسنه) هذا هو المقياس الذي اعتمده الإمام علي عليه السلام واستخدمه في تصنيف الناس الى فئات ثلاثة: (عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح،

لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا الى ركن وثيق) والعلماء الربانيون هم المؤمنون الواعون الذين دعاهم ايمانهم ووعيهم الى ان ينذروا انفسهم لطلب العلم لينفتحوا على الله ويفتحون عيون الناس على الحق، والطلاب المتعلمون المؤمنون العاديون الذين انطلقوا نحو رحاب العلم ليأخذوا باسبابه فلاحقوا العلماء في مدارسهم وكتبهم واستفادوا من خيراتهم وتجاربهم، كل ذلك من اجل معرفة الحق ليأخذوا به ويعملوا له،

ومعرفة الباطل ليحذروا منه ويتجنبوا طريقه فيحققوا بذلك رضا الله في الدنيا ونجاتهم في الآخرة اما الهمج الرعاع وهم الجهلاء الذين يفتقدون العلم والوعي والثبات ولا يملكون الكفاءة الثقافية والعلمية التي تحولهم لاتخاذ مواقف ثابتة وموضوعية فهم مع التيار المنتصر مهمـا كانت طبيعـة أفكـاره واهـدافـه فـاذا ما انهـزم تركوه ليلحقـوا بمنتصـر آخـر قـد يخالفـه في الفكـر والهـدف.
الإمام علي عليه السلام يؤكد على المحبة من خلال النصائح الموجهة الى الحاكم السياسي (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم فانهم صنفان: اما اخ لك في الدين او نظيرك في الخلق).
ويدرك الإمام علي عليه السلام ان الانسان الذي ينشد التغيير الاجتماعي ويسعى له عليه ان يتمتع بخصائص تؤهله لذلك ومن اهمها: الحرية التي تنطلق من عبودية الفرد لله ليكون حرا في كل المواقع التي ارادها الله تعالى فيملك حق التصرف بنفسه وبما حوله متى شاء وكيف شاء على الشكل الذي رسمه الله وهو جلب المنافع المشروعة ودرء المفاسد الممنوعة (ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) وحتى تتأكد هذه الحرية يقدم الإمام علي عليه السلام الوسائل التربوية التي تساعد على ذلك: تحرير الداخل من كل العبوديات الارضية (المـال، الجـاه، السلطان، الغريزة) لينصرف الى عبادة الله الواحـد الذي منحه العقل ليهـذب الشهوة والحكمة لينظم الغـريزة والهـداية ويقـاوم الغوايـة..
(فلا يكن افضل ما قلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة اشفاء غيط ولكن اطفاء باطل او احياء حق) فالإمام علي عليه السلام يدعو الى التوازن والتكامل وهو ما تنادي به اليوم التربية الحديثة فالانسان بتكوينه جسد وعاطفة وروع وتكامل شخصيته يتم بتغذية كل منها بالعناصر الفعالة التي تساهم في تنميتها بالاتجاه السليم لان الفصل بينهما يولد انحرافا في الشخصية ونقصا في مكوناتها ومسارها الطبيعي وخطأ الفصل بين الروح والجسد افرز مشكلات لا نزال نعيش آثارها على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والخلقية

والنفسية والروحية.اما التربية السياسية والمواقع المتقدمة في السلطة كما يفهمها الإمام علي عليه السلام فقد تميزت بأنها لم تعد حقا إلهيا يتولاه الحاكم نيابة عن الله وانما هي منوطة بارادة الجماهير توليها من تشاء بحسب اعتبارات تتعلق بمصلحة الجماعة (الزموا السواد الاعظم فان الله مع الجماعة) وهي ليست منعزلة عن الجماهير لتمارس سلطاتها من فوق بالقهر والعسف ولكنها مندمجة معهم تعاين امورهم عن كثب وتصنع الحلول السريعة لمشاكلهم (فان احتجاب الولادة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالامور) وهي ليست وسيلة للاثراء غير المشروع والتوسعة على الاهل والاقارب بغير حساب..
ولكنها انصاف للناس والعدل عليهم والمساواة بينهم (فلا يكن حظك في ولايتك مالا تستفيده وغيظا تشفيه ولكن امانة باطل واحياء حق) كما انها ليست حسبا تشاد عليه الامجاد وشرفا يدفع الى التكبر والتجبر اذ (لا حب كالتواضع) وليست استبدادا في الرأي ولا خداعا للجماهير لكسب المجد والسلطان ولكنها صراحة في القول ونزاهة في العمل وصدق في المعاملة.
تلك هي الخلافة كما حددها الإمام عليه السلام، فلا مظاهر كاذبة ولا القاب فارغة ولكنها خدمة للاسلام والمسلمين ومن انضوى تحت لوائهم من اهل الكتاب..
دون تمييز بين قريب وبعيد مسلم او ذمي..
فالحكم امانة في عنـق الحاكم وليس اداة للعبث والفسـاد.. ان شمول نظرة الإمام علي عليه السلام السياسية جعلت اهتمام الحكم غير مقصود على الانسان كفرد ولا على الجماعة دون الفرد.
فالانسان يمارس حقه في حدود المحافظة على حقوق الآخرين وبهـذا يحصل التوازن بين الفـرد والمجتمـع ذلك انهما متفـاعلان ولكـن بحـدود حسن السـيرة ومـوازيـن الحـق والعـدل..
من هنا نرى الإمام علي عليه السلام ينظر في حرية الفرد ومصلحة الجماعة نظرة موحدة شاملة فلا يغبن هذا ولا يؤذي ذاك بل يقيم بينهما انسجاما يجعل الفرد جديرا باستخدام حريته ويجعل الجماعة خليقة بالاستفادة من الاجتماع بل قل يجعل الفرد لجماعة والجماعة للفرد في نطاق الحرية الرحبة السمحة..
واذا حدث واختل التوازن بين الفرد والجماعة وكانت مصلحة احدهما على حساب مصلحة الآخـر فـان ديمقـراطية الإمام عليه السلام تأبى القيود الا بمصلحـة الاكثريـة لان (سخط العـامة يجحف برضا الخـاصة وان سخط الخاصـة يغتـفر مـع رضى العـامة).
ان فلسفة الإمام علي عليه السلام وعدالته تتلاقى مع عـدالة السماء التي لا تظلم بل تساوي بين الناس في الحقـوق والواجبات وترفض ان يكون لأحد أي تمييز على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

شاهد أيضاً

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

قال المولى جل وعلا في الآية (١٨٥)من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ...