الرئيسية / تقاريـــر / العرب وفرنسا كالمستجير من الرمضاء بالنار؟ – علاء الرضائي

العرب وفرنسا كالمستجير من الرمضاء بالنار؟ – علاء الرضائي

قد يتصور البعض ان الحراك الشرق أوسطي الفرنسي الجديد، هدفه الضغط او الانتقام من الولايات المتحدة او التعويض عن الانكماش البريطاني، لكن ذلك مجرد ضرب من “الخيال” العربي الذي يحاول التعويض عن “خيبته” التي يتهم بها أميركا من خلال “الحلم” الفرنسي.

هذا الكلام يجرنا الى سبب “خيبة” العرب او بالتحديد الخليجيين من أميركا، وماذا تغيير في أميركا حتى خاب ظنهم بها؟!
فالولايات المتحدة هي هي منذ ان قامت وعُرفت: رأسمالية، امبريالية، استعمارية، متآمرة، تبحث عن مصالحها حتى لو كان بقيمة ابادة شعوب وبلدان باكملها، ولا اعتقد انها ايضا تقول غير ذلك!

أما حكاية الخيبة واسطوانة التخلي عن الحلفاء، فهي مجرد تعبير عن خيبة داخلية لا تعجز عن فهم أميركا بقدر ما تفتقد لقرار مستقل بالخروج من شرنقتها وشدة الخوف منها.. لان مسالة التخلي تلك لم تعد جديدة لكي يصدم ويفاجأ بها البعض، على الاقل لنا تجربة في منطقتنا تعود لما يقرب اربعة عقود، عندما تركوا شاه ايران بعد ان انتصرت الثورة في ايران (1979) ومنعوه حتى من دخول اراضيهم للعلاج من السرطان الذي كان قد استشرى بجسمه!

ومن الغباء ان يتصور العرب والخليجيون خاصة ان فرنسا او المانيا او ايطاليا او اليابان وغيرها من الانظمة الرأسمالية سوف تشذّ عن القاعدة التي تلتزم بها أميركية وانها لابد أن تستميت في الدفاع عن حلفائها او تجاري كل ما يدور في تصوراتهم وتطمح اليه نفوسهم.. ففيما يتعلق بفرنسا التي يتصور البعض أنها تشكل البديل للتخلي الأميركي ازاء التزاماته بحمايتهم (واعلان الحرب على “اعدائهم”)، يكفي ان نذكر بعلاقات فرنسا مع نظام بن علي في تونس والصداقة والشراكة بين ساركوزي والقذافي (ليبيا)، ثم ما كان موقفها من الاحداث التي عصفت بالنظامين وكيف كانت في مقدمة من ألبّ عليهما، وهل نحتاج الى التذكير بأن الطائرات الفرنسية هي التي قادت الناتو لاسقاط نظام القذافي ممول حملة ساركوزي الرئاسية!

أقول هذا ليعي الخليجيون السكارى بخمرة صفقات السلاح الفرنسي وكؤوس الدم اليمني والتصريحات النارية الـ”هولاندية” والتي يؤكدها بـ”عزم” وزير خارجيته فابيوس.. أن هدف فرنسا هو الخروج من أزمتها الاقتصادية وتحريك عجلة مصانعها العسكرية والحد من معدلات البطالة التي بلغت 10.6%، اي بواقع 3.51 مليون عاطل، وهي مرشحة للتصاعد حسب تقرير نشر في 28/4/2015.. هذه المشاكل التي كان لأميركا وحلفائها الاقليميين دور كبير في تاجيجها من خلال احتلال العراق كأهم شريك شرق اوسطي لفرنسا وضرب استقرار سوريا والعقوبات ضد ايران وبالنهاية العقوبات ضد روسيا على خلقية الازمة الاوكرانية.

وقد تسببت المشاكل الاقتصادية بما سمته صحف اليسار ومنها (ليبراسيون) واليمين وفي مقدمتها (لوفيغارو) على حد سواء بـ”أزمة نظام” في أواخر 2014.. الأمر الذي جعل وزير الدفاع الفرنسي، لودريان، يتحدث في 3 أيار/ مايو الجاري عن ان مبيعاتهم العسكرية تجاوزت للعام الجاري (2015) الـ 15 مليار يورو، ويؤكد ـ بنشوة ـ ان هذا يعني 30 ألف وظيفة جديدة في قطاع الصناعات العسكرية.

اذن، اطلاق التهديدات ومداعبة مشاعر السعودية وشقيقاتها التي لاتزال تعاني من “الخيبة” الأميركية و”الخذلان” الباكستاني والتركي ـ وحتى المصري ـ، انما هدفه المزيد من صفقات السلاح والحصول على حصة من السوق السعودية والخليجية التي ظلت لفترة طويلة محتكرة نسبيا من قبل أميركا وبريطانيا والمانيا، وقبل ان تنضب الصناديق السيادية لتدني سعر النفط وارتفاع معدلات الانفاق بسبب الحروب والصراعات المستشرية في الدول العربية والممولة خليجيا في معظمها.

لكن هذه الاندفاعة الفرنسية ومحاولة لعب دور أكبر في ساحة التجاذبات الاقليمية ـ ان صح التعبير عنها ـ مؤطرة بمعوقات ومحسوبة من الخارج في الوقت ذاته.. أما المعوقات فتتلخص بما يلي:
1. تاريخ فرنسا الاستعماري الهمجي الذي لاتزال تعاني منه البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، حتى المختلفون والمتصارعون مذهبيا في المنطقة يتفقون على ان سايكس ـ بيكو (البريطانية ـ الفرنسية) تتحمل الجزء الاكبر من الصراع القائم وفق معطيات عرقية ومذهبية في المنطقة اليوم.. اذن، لا تزال فرنسا حاضرة في ذاكرة الألم العربي والاسلامي.
2. علاقتها التاريخية والمتقدمة مع الكيان الاسرائيلي المحتل لعروس العروبة والاسلام (القدس) وقوة اللوبي الصهيوني فيها، يضاف الى ذلك مشاركاتها المتكررة في الحروب والعدوان على المنطقة وحركات التحرر الوطني والقومي فيها.. فضلا عن انها من زود “اسرائيل” بالتقنية النووية العسكرية وهي من وضع لبنة الترسانة النووية الاسرائيلية، فيما عدى مساعداتها الاخرى العسكرية والاقتصادية والتقنية للعدو.
3. عدم امتلاكها رؤية خاصة بها بالنسبة للمنطقة، فعلى مدى العقود الاخيرة تذبذبت فرنسا بين حالتين: أما انها لعبت دور المشاغب في السياسات الأميركية للحصول على امتيازات في مواجهة منافسيها الاوروبيين، او كانت جزءا اساسيا ضمن المشروع الأميركي ـ الغربي ويكفي التذكير بمواقفها ازاء العدوان على غزة واحتلال العراق والعقوبات ضد ايران وروسيا والعدوان الاخير على اليمن.

أما كونها محسوبة ومدفوعة من الخارج (أميركا على وجه التحديد).. فأرى انها استجابة للسياسة الأميركية الجديدة بالحدّ من المباشرة الأميركية والتدخل الاحادي في الملفات الساخنة والاهتمام بالملفات الاستراتيجية، والدفع بالحلفاء لتولي مصالحهم بانفسم والمشاركة في تكاليف التدخل، وبالطبع لا يخلو ذلك من منافع للقوى المستجيبة.

الولايات المتحدة تريد لفرنسا ان لا تنأى بنفسها عن صراعات الشرق الأوسط، بل تحاول توريطها في أكثر من مستنقع رغم الحذر الفرنسي الذي جعل همه الأوّل انقاذ اقتصاده المتردي بدولارات النفط الخليجية، علما ان فرنسا وبفضل تاريخها الاستعماري من أكثر دول العالم معرفة بخبايا الشرق الأوسط وشمال افريقيا وفي الاخيرة تتقدم على بريطانيا ايضا.

لكن.. ما هي الاضافة التي ستأتي بها فرنسا للعرب والخليجيين بالتحديد.. فلا الفرنسيين خارج السيطرة الأميركية ولا العرب باستطاعتهم ادارة الظهر لأميركا، سوى انهم كمن تغازل صديق عشيقها لتثير “غيرته”.. فيما الاثنان (العشيق والصديق) لاغيرة لهما!

 

شاهد أيضاً

الذكرى الـ97 لمؤتمر “وادي الحجير”: التاريخ يعيد نفسه

  الوقت– كثيرة هي التواريخ والأحداث المهمة في حياه اللبنانيين، كبقيّة شعوب العالم. إلا أن ما ...