الرئيسية / الاسلام والحياة / القدوة الاهمية وتحولات الدور

القدوة الاهمية وتحولات الدور

لم تترك القدوة الإنسان وحيداً. فما ان يتفتح وعيه منذ سنواته الأولى حتى يجد أمامه قدوة هي الوالدين ينشدّ إليها ويتأثر بها ويعتقد أنها أفضل ما يراه وما يبحث عنه. ومن خلال هذه القدوة تتشكل الصور الأولى للطفل عن العالم فيراه هانئاً منسجماً أو قاسياً مضطرباً. لذا توافقت كل الدراسات التربوية والنفسية على أهمية وجود الأسرة بالنسبة إلى الإنسان ،في حين تقدم الإسلام خطوة إضافية في هذا المجال عندما أكد على ربط وجود هذه الأسرة بشروط اختيار الزوجين،وليس كيفما اتفق، (تخيروا لنطفكم..إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه…).

ولا يختلف الباحثون حول أهمية الأسرة وأهمية ما يجري فيها وتأثيراته القوية على شخصية الإنسان اللاحقة. لكن قدوة الوالدين المهمة جداًبالنسبة إلى الطفل،لا تبقى غالباً على حالها في مراحل العمر اللاحقة.

________________________________________
1- أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية.

فمن المؤكد أن الإنسان عندما يصبح اكبر سناًً وأكثر تجربة وأوسع اطلاعاًً ستتغير نظرته إلى القدوة، والى شروطها ومواصفاتها، التي كان يتطلع إليها. فالطفل الذي يتخذ والديه أول قدوة له في سنوات عمره الأولى سينتقل لاحقاًً إلى قدوة أخرى قد تكون معلم المدرسة أو رفيق الصف، أو أي شخصية أخرى رياضية أو سياسية وفقاًً للبيئة التي سيعيش فيها أو يتأثر بها…كما أن هذا الاختيار قد يتغير أيضاًً في مراحل “النضجًً الأخرى بحيث تصبح القدوة فكرة أو عقيدة، أو حزباًً ينتمي إليه الإنسان… ما يزيد من أهمية “القدوةًً ومن ضرورة متابعة تحولاتها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان في مراحل عمره المختلفة وفي أدواره المتعددة في المجتمع.مع الالتفات إلى أهمية هذه القدوة والى أهمية تأثيراتها بحسب كل مرحلة من مراحل العمر.

ولذا لا يمكن أن يقتصر الاهتمام بالقدوة كما يحصل عادة على البعد التربوي فقط على الرغم من أهمية هذا البعد خصوصاًً في طفولة الإنسان …بل يفترض أن يكون هذا الاهتمام أكثر اتساعاًً وشمولاًً من خلال الدراسات الدينية والسياسية والاجتماعية والفلسفية والثقافية والانتروبولوجية التي يمكن أن تقدم زوايا نظر مختلفة ومهمة ومتعددة لدور القدوة ولتأثيراتها على مستوى بناء الفرد التربوي وعلى مستوى تشكيل اتجاهاته الفكرية والاجتماعية والسياسية… وصولاًً إلى أدوارها المحتملة على بنية المجتمع وتأثيرها على مصادر قوته وتماسكه…
تشترك معظم الدراسات الغربية التي تناولت موضوع القدوة ومعها الأدبيات العربية المترجمة عنها أو المتأثرة بها،في أهمية القدوة وفي تأثيراتها على الإنسان خصوصاًً في مرحلتي الطفولة والمراهقة. لكن قلة هي الدراسات التي التفتت إلى شروط القدوة ومواصفاتها.ويكاد هذا الأمر يقتصر على الاتجاه الديني الذي اهتم كثيراًً بالجوانب الاخلاقية للقدوة منذ مراحل العمر الأولى.لذا دعا الاسلام على سبيل المثال الى تجنب رفاق السوء والابتعاد عن مواضع التهم ومصاحبة اهل العلم خصوصاًً في مرحلة الشباب انطلاقاًً من المعرفة الأكيدة بصعوبة تغيير ما نكتسبه في هذه المرحلة.ولذا نلاحظ ان معظم العلماء وخصوصاًً اهل العرفان منهم يؤكدون على التمسك المبكر بالفضائل وعلى الابتعاد عن المعاصي حتى الصغيرة والبسيطة وعلى عدم تأجيل هذا الأمر الى المراحل اللاحقة من العمر لأن القدرة على تغيير العادات والسلوك تصبح أكثر صعوبة نظراًً لتمكن هذه العادات من نفوسنا وطباعنا … اي ان المنظور الاسلامي للقدوة لا يكتفي بالحض على بعدها الايجابي فقط، بل يريد في الوقت نفسه ان نتجنب السلبيات التي قد تنجم عن القدوة السيئة.لأن الانسان بحسب الرؤية القرآنية المعروفة هو على استعداد للانحراف مثل ما هو على استعداد للرقي والتكامل. وهذا الأمر منوط بالبيئة التي يعيش فيها وبالتربية التي يتلقاها فإما ان تأخذه هذه التربية ومعها القدوة المرتبطة بها بعيداًً نحو الانحراف واما ان تدفعه قدماًً نحو الرقي والتقدم والتكامل…

شاهد أيضاً

“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله”

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه ...