الرئيسية / الاسلام والحياة / القدوة الاهمية وتحولات الدور

القدوة الاهمية وتحولات الدور

 البيئة المعرفية الإسلامية

والمفاهيم الوافدة

 

رؤية في المفهوم القدوة

 

إذا كان الصراع قد احتدم بين مدرستين تبنّت إحداهما القول بأصالة الفرد والأخرى القول بأصالة المجتمع فإن الإسلام نادى بأصالتهما معا.

 

وهذا الصراع المرتبط بمعرفة الإنسان له تأثيراته على النظرة التي يملكها صاحب الرؤية عن دور الإنسان ومكانته في هذه الأرض وعن العوامل المكونة لهذا الإنسان. ونسعى في هذه الدراسة لتقويم دور المفاهيم لا سيما تلك التي تتحول إلى شعار تنادي به طائفة من الناس في داخل المجتمع

1-باحث وأستاذ في الحوزة العلمية


1- في بناء الشخصية الإنسانية ولنعالج الخطر الذي يحدق بالإنسان المسلم جراء بعض المفاهيم الوافدة إلى مجتمعاتنا الإسلامية.

 

العوامل المكوِّنة للشخصية الإنسانية

 

لا يسع لإنسان أن ينكر أن هذه الشخصية الإنسانية والتي لها وجودها الحقيقي في الخارج هي وليدة عوامل عديدة تؤدي إلى خروجها بالصورة التي هي عليه.

نعم ما نؤكّد عليه هو أن هذه العوامل لا تسلب الإنسان حرية الاختيار او فقل لا تبرر له فراره من المسؤولية التي ألقاها الله عز وجل عليه وامره بأدائها وحدد له العقوبة او الثواب على ما يقوم به في سبيل ذلك.

 

إن نظرية الجبر الاجتماعي او غير الاجتماعي هي نظرية مرفوضة ومردودة في أبحاث العقيدة الإسلامية عندما أسس الكلام الإسلامي لحرية الاختيار الإنساني مؤكدا بالأدلة والبراهين على أن المحيط الاجتماعي بل وسائر العوامل المؤسسة للشخصية الإنسانية لا تصل في تأثيرها ولا في تأسيسها إلى درجة سلب الإنسان اختياره او حريته.

 

البيئة المعرفية كعامل مولد للشخصية الإنسانية

 

من العوامل المكونة للشخصية الاجتماعية ما يطلق عليه تسمية البيئة المعرفية. ونقصد من البيئة المعرفية هي مجموعة المفاهيم التي تحيط بهذا الإنسان والتي تتردد على الألسن المحيطة به فيؤدي ذلك إلى ولادة نسيج

 


معرفي يكون له تأثيره المباشر او غير المباشر على سلوك الإنسان وعلى تصرفاته وعلى مواقفه وعلى آرائه وعلى مختلف ما يرتبط بحياته.

 

وتشتد أهمية هذه البيئة المعرفية ويعظم خطرها وتأثيرها متى ارتبطت بموضوع مصيري كتلك البيئة المعرفية المرتبطة بالرؤية الكونية أي النظرة إلى الكون وإلى الحياة وإلى وجود الإنسان نفسه والغاية من وجوده.

 

المفاهيم ودورها في تأسيس البيئة المعرفية

 

إذا كانت البيئة المعرفية هي عبارة عن مجموعة من المفاهيم المكونة لشخصية الإنسان فإن خطر هذه المفاهيم وأهميتها تظهر بملاحظة أهمية وخطر البيئة المعرفية.

 

والمفهوم وإن كان التعبير عنه يأخذ أكثر أنواع الاختصار ولكنه يختزن في داخله كما هائلا من المضامين المعرفية التي تحكي عن الإطار النظري للفكر الذي تنتمي إليه، يشهد لذلك الدلالات الكثيرة التي يحويها المفهوم على بساطته في التعبير بنحو يلتفت المتلقي لهذا المفهوم إلى هذه الدلالات بشعور منه او بغير شعور.

 

وتكمن أهمية المفهوم بأنّه يصبح القائد الذي تسير خلفه الناس، تتأثر به وتخضع له، وأهمية أي قائد لأي مجتمع ما تنبع من مدى قدرته على استخدام هذه المفاهيم في التأثير على الناس، وجعلها تسير خلفه، وتعلن الطاعة له.

 


وهذه المفاهيم المكونة للبيئة المعرفية اعتنى بها الاجتماع الإسلامي فسعى إلى الترويج لما يطلق عليه في المصطلح بـ (الشعائر) ووظيفة هذه الشعائر هي فرض هذه الحالة العامة من التعلق بالبيئة المعرفية للإسلام من خلال التأثير على عقلية الإنسان الذي يعيش في مجتمع المسلم بحيث يتقولب الفرد في هذا المجتمع ضمن ما تؤدي إليه هذه المفاهيم.

 

والذي يشهد بوضوح على دور المفاهيم في تكوين البيئة المعرفية ودور تبدل المفاهيم في تبدل الشخصية الإنسانية رواية فريدة في مضمونها ودلالاتها ومشهورة على الألسن وهي قول رسول الله في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ؟ فقيل له : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ فقال : نعم وشر من ذلك ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ فقيل له : يا رسول الله ويكون ذلك ؟ قال : نعم وشر من ذلك ، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا1 .

 

إذا تغير مفاهيم المعروف والمنكر أي تبدل البيئة المعرفية للإنسان سوف يؤدي بوضوح إلى تغير سلوكه الاجتماعي في تعامله مع الظواهر وتصرفه وموقفه اتجاهها وهو ما تشير إليه الرواية بوضوح.

 

1- وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 16 ص 122


كيف تبنى المفاهيم

 

لو أردنا أن نسبر غور المفاهيم الموجودة في مجتمع ما فإننا نجد أن هذه المفاهيم على نوعين:

 

1ـ المفاهيم الوليدة: وهي عبارة عن المفاهيم التي تنشأ نتيجة المعرفة التي يملكها الإنسان، فإن تبني الإنسان للإسلام كدين سوف يفرض على الإنسان المسلم التعامل مع مجموعة من المفاهيم التي هي وليدة تلك العقيدة التي يحملها.

 

وخصوصية هذه المفاهيم هي أنها وليدة للاعتقاد الذي يحمله هذا الإنسان.

 

2ـ المفاهيم المستولدة: وهي عبارة عن المفاهيم التي لا تنشأ من اعتقاد مسبق وإنما هي مفاهيم تستولدها جماعات من الناس عن قصد ويراد منه أن تؤثر على فكر الإنسان لتقوم بعملية تغيير فيه بنحو يؤدي إلى تغيير سلوكه او موقفه او طريقة تعامله مع أي ظاهرة من الظواهر.

 

فهذه المفاهيم تسبق الفكرة في ذهن الإنسان، وهي في الغالب تكون مفاهيم مصممة عن سبق تصور للهدف الذي ترمي إليه من قبل صناعها.

 

المفاهيم القدوة

 

إذا كانت المفاهيم المستولدة ذات تأثير على شخصية الإنسان فإن هذه المفاهيم سوف تلعب دور القدوة في تحريك الإنسان ودفعه باتجاه محدد.

 


نعم ليس كل مفهوم يتحول ليشكل قدوة للسلوك الإنساني والاجتماعي، ولكن ثمة من المفاهيم ما يصبح شعارا يتم التداول به في المحيط الاجتماعي ويراد له أن يكون قدوة يستحضره الإنسان في كل سلوك يقوم به او موقف يسعى لاتّخاذه.

 

نماذج من المفاهيم القدوة قرآنيا

 

تعرض القرآن الكريم لمجموعة من المفاهيم التي كانت تشكل قدوة لبعض الأفراد جعلوها شعارا لهم في تبرير اتجاههم الذي يسيرون عليه ومن هذه المفاهيم ما تعرض له القرآن كنموذج سلبي ومنها ما تعرض له كنموذج إيجابي.

 

أ ـ اتباع الآباء أو السنن القومية

 

تتحدث آيات القرآن الكريم عن حجة المشركين في رفضهم لدعوة التوحيد التي جاءهم بها الأنبياء، وهذه الحجة كانت تقليد الآباء، او ما يطلق عليه اليوم في عنوانه الجديد (السنن القومية).

 

قال تعالى: ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الزخرف، 21).

 

وهذا المفهوم ـ الشعار شكل في لغة كل أمة ترفض دعوة الأنبياء أساسا لتبرير رفض هذه الدعوة، بل واعتبر أساسا في نشر حالة الرفض بين الناس.

 

وهذا المفهوم الذي سعى الكفار لبثّه في مجتمعهم في سعيهم لثني الناس عن اتباع دعوة الأنبياء هو نفس شعار السنن القومية التي ينادي

 


بها بعضهم اليوم لأجل مواجهة دعوة الإسلام التي تأتي ممن لا يرتبط بالقومية التي يصطلحون عليها2 .

 

والقرآن يتحدث عن هذا كقاعدة عامة يتبعها الناس في كل أمة يرسل إليها رسول ليهديها إلى الحق ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ (الزخرف، 23).

 

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...