الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية – التآسي بالقدوة الصالحة وبالأسوة الحسنة

مواعظ قرآنية – التآسي بالقدوة الصالحة وبالأسوة الحسنة

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ 1

 

 

1- سورة الأحزاب، الآية: 21.

 

 

 

التأسّي أمر فطريٌّ في الإنسان

 

الأسوة هي القدوة، والتأسّي هو الاقتداء، وهو أمر فطريٌّ يميل إليه الإنسان ويبحث عنه تلقائياً، فهو يميل إلى أن يكون أمامه نموذج حيّ يقتدي به يُجسّد المفاهيم ويأخذ المواقف ويتبنّى القرارات ويجري عملياً على طبقها، بحسب ظروفها ومقتضياتها لفظاً، وعملاً، وموقفاً.

 

فمنذ الصغر تجد الطفل الصغير ينظر إلى أبيه ويحاول تقليده وكذلك الفتاة تحاول تقليد أمها، وذلك واضح في تصرّفات شتّى تظهر منذ السنوات الأولى لا تخفى على أحد.

 

وطبعاً هذه الأسوة قد تكون أسوة حسنة وقد تكون أسوة سيئة، فالإنسان وإن كان يطلب التأسّي بالشيء الحسن بحسب نظره ورؤيته، إلا أنّه قد يضلّ الطريق ويشتبه عليه الأمر، فيتوهّم ما هو سيّئ أنّه حسن وما هو شرّ أنّه خير، فتكون الأسوة في الواقع أسوة سيئة وليست أسوة حسنة.

 

  -الأسوة نظريّة وعمليّة

 

والأسوة نظريّة وعمليّة، فالنظريّة هي المبادئ والقوانين والسنن الّتي يتعلّمها الإنسان ويتبنّاها كمعتقدات وقناعات وهذا مهمّ، والأهمّ هو أن يكون هنالك شخص تتجسَّد فيه تلك المبادئ والقيم وتتحرّك معه في كلّ مواقفه، وهذا هو الأسوة العملية الّتي يراها الناس أمامهم تُجسّد النظرية عملاً وسلوكاً، وهي أبلغ وأدعى للتأسّي والاقتداء.

 

 فالأسوة العملية الحسنة هي الحقّ متحرّكاً ومتمثّلاً في شخصية متكاملة، متحرّكة أمامك ﴿ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ فالنبيّ أسوة عمليّة حسنة بتزكيةٍ وشهادة ربّانية.

 

وقد ورد في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه:”كان خُلُقه القرآن”2 ، أي أنّه جسّد القرآن الكريم عملياً في عمله وسلوكه حتّى أنّك إذا أردت أن ترى القرآن الكريم في قيمه ومفاهيمه وأخلاقه متجسّداً ومتحرّكاً أمامك تنظر إليه بعينيك فانظر إلى شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سلوكه وكلّ حركاته وسكناته، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة عمليّة حسنة في كلّ لفظ أو فعل أو موقف.

 

فهو صلى الله عليه وآله وسلم أسوة في الكلام ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ 3فكلامه معصوم عن الخطأ والزلل، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾4.

 

وهو أسوة صلى الله عليه وآله وسلم في الموقف والعمل ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾5.

 

وهو أسوة وحجّة حتّى في سكوته وتقريره، لذلك كانت العبارة الأصولية: “قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة”.

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف قربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “وكنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمه يرفع لي كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به”6.

 

وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام: “عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ”7. فعليٌّ إذاً عندما تراه ترى الحقّ متحرّكاً معه، لا يفترقان، فعليّ أسوة عملية حسنة.

 

 

2- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 800.

3- سورة النجم، الآية: 3.

4- سورة الحشر، الآية: 7.

5- سورة النجم، الآية: 2.

6- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157.

7- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 10، ص 432.

 

وفي الرواية عن الإمام السجّاد عليه السلام:”نحن الصراط المستقيم ” فكلّ أهل البيت عليهم السلام هم أسوة عملية حسنة للعباد، فإذا بصرتهم رأيت الاستقامة بعينها، فهم الصراط المستقيم”8 وهم الميزان، ففي الزيارة لأمير المؤمنين عليه السلام: “السلام على ميزان الأعمال”9.

 

وقد أكّد أهل البيت عليهم السلام على شيعتهم أن يكونوا أسوة وقدوة عملية لا فقط قولية تنظيرية عندما أوصوهم بتلك الوصايا:

 

– فعن الإمام عليّ عليه السلام: “..ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد”10.

 

– وعن الإمام الصادق عليه السلام: “كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم”11.

 

– وعنه عليه السلام: “كونوا لنا دعاة صامتين”12.

 

– وعن الإمام الرضا عليه السلام: “كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً”13.

 

– وعن الإمام العسكري عليه السلام: “إنّ أحدكم إذا صدق في حديثه وأدّى الأمانة قيل هذا شيعيّ فيسرّني ذلك”14 ، إلى غير ذلك.

شاهد أيضاً

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف شيخ الأزهر أعلن ...