الرئيسية / من / طرائف الحكم / آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ، ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه؛ فأحسنوا بالله الظنّ، وارغبوا إليه”24.
والإنسان إذا أحسن الظنّ بالله لم يطلب شيئاً من غير الله، ومن يطلب الحاجة من غير ربّه؛ فقد أساء الظنّ بالله:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “حسن الظنّ بالله: أن لا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك”25.
لقد ذمّ الله في آيات كتابه الكريم من الناس؛ مَنْ كان يظنّ السوء بالله؛ بأن يظنّه ظالماً، بخيلاً لا يعطي مَنْ يدعوه:
قال تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾26.
________________________________________
24- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الظنّ بالله، ح2، ص71-72.
25- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الظنّ بالله، ح4، ص72.
26- الفتح: 6.

وقفة تأملية
التدبّر في آثار فعل الغضب الصادر عن الإنسان:

عن الإمام الصادق عليه السلام: “أوحى الله عزّ وجلّ إلى بعض أنبيائه: يا ابن آدم اذكرني في غضبك؛ أذكرك في غضبي؛ لا أمحقك في من أمحق، وارض بي منتصراً؛ فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك”27.

وعنه عليه السلام -أيضاً-: “الغضب مفتاح كلّ شرّ”28.

وقد أشارت بعض الروايات إلى بعض الأمور العملية التي يمكن أن يحتكم إليها المرء في كبح جماح الغضب:
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: “إنّ الرجل ليغضب؛ فما يرضى أبداً حتى يدخل النار، فأيّما رجل غضب على قوم وهو قائم؛ فليجلس من فوره ذلك؛ فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان، وأيّما رجل غضب على ذي رحم؛ فليدن منه فليمسه؛ فإنّ الرحم إذا مست سكنت”29.

وعنه عليه السلام -أيضاً-: “إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان تُوقد في قلب ابن آدم. وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه؛ فليلزم الأرض؛ فإنّ رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك”30.
________________________________________
27- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح8، ص303-304.
28- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح3، ص303.
29- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح2، ص302.
30- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح12، ص304-305.

9- الرقابة الإلهيّة
اِلهى وَسَيِّدى فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتى قَدَّرْتَها، وَبِالْقَضِيَّةِ الَّتي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ اَجْرَيْتَها اَنْ تَهَبَ لى فى هذِهِ اللَّيْلَةِ وَفي هذِهِ السّاعَةِ كُلَّ جُرْم اَجْرَمْتُهُ، وَكُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ قَبِيح اَسْرَرْتُهُ، وَكُلَّ جَهْل عَمِلْتُهُ، كَتَمْتُهُ اَوْ اَعْلَنْتُهُ اَخْفَيْتُهُ اَوْ اَظْهَرْتُهُ، وَكُلَّ سَيِّئَة أمَرْتَ بِاِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنّي وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي، وَكُنْتَ اَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ، وَبِرَحْمَتِكَ اَخْفَيْتَهُ، وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ.

مفاهيم محوريّة:
• الاختيار ميّزة الإنسان.
• أصناف الذنوب.
• شهادة الملائكة على أعمال العباد.
• شهادة الجوارح.
• الشاهد الذي لا يخفى عليه شيء.
• الرحمة الإلهية خير ساتر للعباد.

المفردات:
قدّرتها: أصلها قَدَرَ: “القاف والدال والراء: أصل صحيح يدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته… والقدر قضاء الله تعالى الأشياء على مبالغها ونهاياتها التي أرادها لها”1.
حتمتها: أصلها حَتَمَ: “الحاء والتاء والميم: ليس عندي أصلاً، وأكثر ظنّي أنّه أيضاً
________________________________________
1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة”قَدَرَ”، ص62.

من باب إبدال التاء من الكاف؛ إلا أنّ الذي فيه من إحكام الشيء”2. و”قوله تعالى: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾(مريم: 71)؛ الحتم: الواجب المعزوم عليه… وحتم عليه الأمر حتماً: أوجبه جزماً.
وحتم الله الأمر: أوجبه. والحتم: إحكام الأمر. والحتم: إيجاب القضاء. والحتم: الأمر”3.
حكمتها: أصلها حَكَمَ: “الحاء والكاف والميم: أصل واحد؛ وهو المنع”4. “والحُكْم بالشيء: أن تقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا؛ سواء ألزمت ذلك غيره أم لم تلزمه، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾(النساء: 58)”5.
أجريتها: أصلها جَرَى: “الجيم والراء والياء: أصل واحد؛ وهو انسياح الشيء”6.
الرقيب: أصلها رَقَبَ: “الراء والقاف والباء: أصل واحد مطّرد؛ يدلّ على انتصاب لمراعاة شيء. من ذلك: الرقيب؛ وهو الحافظ”7.
الشاهد: أصلها شَهَدَ: “الشين والهاء والدال: أصل يدلّ على حضور وعلم وإعلام”8. و”الشُّهُودُ والشَّهَادَةُ: الحضور مع المشاهدة، إمّا بالبصر، وإمّا بالبصيرة، وقد يقال للحضور مفرداً. قال الله تعالى:﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾(السجدة: 6)، لكن الشهود بالحضور المجرّد أولى، والشّهادة مع المشاهدة أولى”9.
________________________________________
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة”حَتَمَ”، ص134.
3- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج6، مادّة”حَتَمَ”، ص32.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة”حَكَمَ”، ص91.
5- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”حَكَمَ”، ص248.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة”جَرَى”، ص448.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة”رَقَبَ”، ص427.
8- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة”شَهَدَ”، ص221.
9- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة”شَهَدَ”، ص465.

دلالة المقطع:
1- الاختيار ميّزة الإنسان:
ميّز الله عزّ وجلّ الإنسان عن سائر المخلوقات، بأن أعطاه العقل، والشهوة، وجعل له الاختيار، فالملائكة لا تتمكَّن من معصية الأوامر الإلهية؛ ولهذا وصفهم الله تعالى، بقوله:﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾10. والأنعام لا تملك العقل الذي يتحكَّم بتصرّفاتها، وأمّا الإنسان فهو الموجود المختار، وباختياره هذا قد يكون أفضل من الملائكة، وقد يكون أضلّ من الأنعام:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام – وقد سأله عبد الله بن سنان: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ – قال: “قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته؛ فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم”11.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...