الرئيسية / من / طرائف الحكم / آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

آمال العارفين – في شرح دعاء كميل

– مجاورة الله وأهل الإيمان:
حدّد القرآن الكريم والسنّة الشريفة مواصفات الذين هم جيران الله عزّ وجلّ في الآخرة؛ وهم المتّقون الذي وصف الله مكان إقامتهم في الجنّة؛ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾26.
وهؤلاء لم يُدرِكوا ذلك؛ إلا من خلال ما بذلوه من جُهد في هذه الدنيا؛ حتى وصلوا إلى هذا المقام:
روي عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد، وينادي مُناد من عند الله…: أين أهل الصبر؟… ثمّ ينادي منادٍ آخر… أين أهل الفضل؟… ثمّ ينادي منادٍ من عند الله عزّ وجلّ؛ يسمع آخرهم كما يسمع أولهم، فيقول: أين جيران الله جلّ جلاله في داره؟ فيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ماذا كان عملكم في دار الدنيا؛ فصرتم به اليوم جيران الله تعالى في داره؟ فيقولون: كنّا نتحابّ في الله عزّ وجلّ، ونتباذل في الله، ونتوازر في الله، فينادي مناد من عند الله: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم؛ لينطلقوا إلى جوار الله في الجنّة بغير حساب”27.
فالخيار بيد الإنسان في هذه الدنيا؛ إن أراد أن يصل إلى جوار الله؛ فعن الإمام علي عليه السلام: “جوار الله مبذول؛ لمن أطاعه، وتجنّب مخالفته”28.
________________________________________
26- القمر: 55.
27- الطوسي، الأمالي، م.س، المجلس4، ح12، ص102-103.
28- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص222.

وقفة تأملية
التدبّر في صفات أحبّ الخلق إلى الله تعالى:

عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: “عِبَادَ الله! إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ الله إِلَيْه عَبْداً أَعَانَه الله عَلَى نَفْسِه فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ، فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِه، وأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِه النَّازِلِ بِه، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِه الْبَعِيدَ، وهَوَّنَ الشَّدِيدَ، نَظَرَ؛ فَأَبْصَرَ، وذَكَرَ، فَاسْتَكْثَرَ، وارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَه مَوَارِدُه، فَشَرِبَ نَهَلًا، وسَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً، قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ، وتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ، إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِه، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى، ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى، قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَه، وسَلَكَ سَبِيلَه، وعَرَفَ مَنَارَه، وقَطَعَ غِمَارَه، واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، ومِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا؛ فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَه لِلَّه سُبْحَانَه فِي أَرْفَعِ الأُمُورِ، مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْه، وتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِه، مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ، كَشَّافُ عَشَوَاتٍ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ؛ يَقُولُ فَيُفْهِمُ، ويَسْكُتُ؛ فَيَسْلَمُ، قَدْ أَخْلَصَ لِلَّه؛ فَاسْتَخْلَصَه، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِه، وأَوْتَادِ أَرْضِه، قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَه الْعَدْلَ؛ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِه نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِه، يَصِفُ الْحَقَّ، ويَعْمَلُ به، لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا، ولَا مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا، قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِه، فَهُوَ قَائِدُه، وإِمَامُه؛ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُه، ويَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُه”29.
________________________________________
29- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج1، الخطبة87، ص151-153.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...