الرئيسية / كلامكم نور / دراسات في نهج البلاغة

دراسات في نهج البلاغة

شخصية أمير المؤمنين في نهج البلاغة
أهداف الدرس

1- أنْ يتعرّف الطالب إلى شخصيّة أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة.
2- أنْ يتبيّن عصمة الإمام عليه السلام في نهج البلاغة.
3- أنْ يتعرّف إلى بعض صفات الإمام عليّ عليه السلام في نهج البلاغة.

تمهيد

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: “أمّا فضائله عليه السلام، فإنّها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معه التعرُّض لذكرها، والتصدّي لتفصيلها… وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يُمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنّه استولى بنو أميّة على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكلّ حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعّدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة، أو يرفع له ذكراً، حتّى حظروا أن يُسمّى أحدٌ باسمه، فما زاده ذلك إلّا رفعةً وسموّاً، وكان كالمسك كلّما سُتر انتشر عُرفه، وكلّما كُتم تضوّع نشره، وكالشمس لا تُستر بالراح، وكضوء النهار إن حُجبت عنه عين واحدة، أدركته عيون كثيرة!”1.

سنحاول في هذا الدرس التعرّف على بعض الصفات الّتي تحلّى بها أمير المؤمنين عليه السلام، عسى أن نبلغ بعضاً من هذه الصفات والمزايا، وهو الّذي لا يرقى إليه الطير ولا يبلغه السيل.

________________________________________
1- شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج 1, ص 16، 17.
إيمان الإمام عليّ عليه السلام بالله ورسوله

كان أمير المؤمنين أوّل الناس إيماناً بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يحذو حذو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كلّ أفعاله وخُطاه، وأنّه عليه السلام لم يُشرك بالله لحظة واحدة، ولم يسجد لصنم قطّ، ولذلك نجد أتباع مدرسة الخلفاء كلّما ذكروا اسمه عليه السلام أتبعوه بلفظ “كرّم الله وجهه” إشارة إلى هذه الكرامة، ومرادهم عدم سجوده لصنم أو عبادة غير الله تعالى.

يقول ابن أبي الحديد: “وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده، وكلّ من في الأرض يعبد الحجر، ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلّا السابق إلى كلّ خير، محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وذهب أكثر أهل الحديث إلى أنّه عليه السلام أوّل الناس اتّباعا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإيماناً به، ولم يُخالف في ذلك إلّا الأقلّون”. وقد قال هو عليه السلام: “أنا الصدّيق الأكبر، وأنا الفاروق الأوّل، أسلمت قبل إسلام الناس، وصلّيت قبل صلاتهم”2.

وقال عليه السلام أيضا: “وإنّي لعلى يقين من ربّي، وغير شبهة من ديني”3 .

وكيف لا يكون عليه السلام كما قال، وهو ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتلميذه الأوّل ووصيّه الأوحد، وقد قال عليه السلام في خطبته القاصعة 4 عن ملازمته للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ علماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ. وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ”5.

________________________________________
2- شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج 1, ص 30.
3- نهج البلاغة, خطب الإمام علي عليه السلام, ج 1, ص 60.
4- من قصع فلان فلاناً: أي حقّره لأنه عليه السلام حقّر فيها حال المتكبّرين، أو من قصع الماء عطشه إذا أزاله، لأنّ سامعها لو كان متكبّرا ذهب تأثيرها بكبره كما يذهب الماء بالعطش.
5- نهج البلاغة, ج 2, ص 157.

أمّا إسلام أمير المؤمنين عليه السلام فيكفي فيه قول الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم: “أنت أوّل الناس إسلاماً وأوّل الناس إيماناً وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى”6 ، كما مدحته الصحابة بذلك، وهم أبصر من غيرهم يوم كانوا يغترفون من مستقى العلم ومنبع الدِّين، وعلى هذا الأساس تضافر الثناء عليه من العلماء والمؤلّفين والشعراء وسائر طبقات الأمّة بأنّه أوّل من أسلم، إلّا أنّ بعض الناس حاول نسبة فضيلة السبق في الإسلام إلى غيره, بادّعاء أنّه كان أوّل من أسلم من الصبيان، وبالتّالي لم يكن مكلّفاً ولم يكن واعياً ومدرِكاً لأهميّة الإسلام وحقيقة التديّن. وما حصل منه ليس سوى انجرار عاطفيّ خلف ابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

غير أنّ الكثير من الروايات وأقوال العلماء فيه عليه السلام تؤكّد أنّه كان أوّل الناس إسلاماً، ولكن لو تنازلنا عن جميع ذلك، فمن قال إنّ الوعي والإدراك لا يكون في الصبيّ غير البالغ شرعاً، ثمّ إنّنا لا نحتاج في صحّة الإسلام إلى البلوغ بل يكفينا التمييز ويقبل إسلام المميّز، وهذا مسلَّم به للإمام عليّ عليه السلام، فكم من صبيّ غير بالغ شرعاً هو في مستوى عالٍ من الفهم والإدراك، ثُمَّ من أين علمنا أنّ اشتراط البلوغ في التكليف كان مشروعاً في أوّل البعثة؟ فلعلّه كبقيّة الأحكام التدريجيّة نزل الوحي به فيما بعد، ولقد حُكي عن بعض أعلام مدرسة الصحابة أنّ اشتراط الأحكام بالبلوغ نزل الوحي به بعد معركة أُحد، ففي السيرة الحلبيّة، باب أنّه أوّل الناس إيماناً: كان الصبيان مكلّفون وإنّما رفع القلم عن الصبيّ عام خيبر، وعن البيهقيّ أنّ الأحكام إنّما تعلّقت بالبلوغ في عام الخندق أو الحُديبيّة، وكانت قبل ذلك منوطة بالتمييز7.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...