الرئيسية / الاسلام والحياة / التقوى في القرآن الكريم – بين العصمة والعدالة

التقوى في القرآن الكريم – بين العصمة والعدالة

وبهذا تمتاز العصمة عن العدالة، فإنّهما معاً وإن كانا يمنعان من صدور المعصية لكن العصمة يمتنع معها الصدور بخلاف العدالة، والسبب في ذلك يرجع إلى سنخ العلم والمعرفة التي يملكها المعصوم، فهو يختلف عن سائر العلوم والادراكات المتعارفة التي تقبل الاكتساب والتعلّم. من هنا قلنا في بحث سابق : إنّ الفرق بين الطبقة الاولى وبين الطبقتين الاخريين، في نحو العلم والادراك، دون قوّته وضعفه وتأثيره وعدمه.
بيانه: «أنّ القوى الشعورية المختلفة في الانسان، يوجب بعضها ذهوله عن حكم البعض الآخر، وضعف التفاته إليه، كما أنّ صاحب ملكة التقوى ما دام شاعراً بفضيلة تقواه، لا يميل إلى اتباع الشهوة غير المرْضيّة، ويجري على مقتضى تقواه، غير أنّ اشتعال نار الشهوة وانجذاب نفسه إلى هذا النحو من الشعور، ربّما حجبه عن تذكّر فضيلة التقوى أو ضعّف شعور التقوى، فلا يلبث دون أن يرتكب ما لا يرتضيه التقوى، ويختار سفاسف الشره، وعلى هذا السبيل سائر الاسباب الشعورية في الانسان، وإلاّ فالانسان لا يحيد عن حكم سبب من هذه الاسباب ما دام السبب قائماً على ساق، ولا مانع يمنع من تأثيره، فجميع هذه التخلّفات تستند إلى مغالبة التقوى والاسباب، وتغلّب بعضها على بعض.
إلاّ أنّ الموهبة التي نسمّيها قوّة العصمة، هي نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلوم في أنّه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها، وكذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً»( [435]).
ربما كان هذا العلم الذي يورث الانسان هذه المناعة أمام أي خروج عن زيّ العبودية لله تعالى، هو الذي عبّر عنه الاصطلاح القرآني باليقين، قال تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)( [436])، حيث ذكر القرآن أنّ من خواص هذا العلم انكشاف ما وراء ستر الحسّ من حقائق الكون، قال تعالى: (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)( [437]). وقد أوضحنا هذه الحقيقة في كتابي «العصمة»( [438]) و«بحث حول الامامة»( [439]).
ممّا تقدّم اتضح عدم تمامية ما ذكرته بعض الكتابات المعاصرة، حيث ذهبت إلى «أنّ التقوى والعدالة هما مرتبتان من مراتب العصمة، والعصمة المطلقة هي عبارة عن شدّة ملكة التقوى والعدالة هذه»( [440]).

شاهد أيضاً

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...