الرئيسية / تقاريـــر / الزجاجة المغلقة – نزار عبدالستار

الزجاجة المغلقة – نزار عبدالستار

 على مدى اربعة عقود لم تتشكل هوية فنية في جنس الرواية و يصعب العثور على عمل روائي مهندس بطريقة يمكن لها كسب اعجاب سبعة اشخاص لا تربطهم بالمؤلف رابطة مصلحة او صداقة، ولا يعلوهم في مراتب التوظيف والحظوة السلطوية، كما يصعب الجزم بان احدا قرأ رواية عراقية وجرته معها الى الصفحة الاربعين دون انقطاع او
ملل .
والشيء الملفت للنظر ان الروايات العراقية تفتقر الى العلاقات العضوية ويستحيل التجانس والاندماج معها؛ فهي لا تمثل سوى صاحبها، وصاحبها هو الوحيد الذي يملك سرها وهو المروج لبضاعته في حيز قرائي لا يتعدى المقهى. ولاخفاء عيوب الخلل الفني جرى اصطناع التعقيد اللغوي وجرنا ذلك الى اشكالية قرائية تتمثل في جهد ازاحة اثقال اللغة عن المعنى ، وفي النهاية صار لنا عشرات الكتاب ليست لهم القدرة على كتابة صفحة بقياس 24 سم بوضوح وانسيابية وبعلاقات
منطقية.
هذه الحصيلة لاتخرج عن كونها اخطر افرازات القهر الفكري، وفرضيات المجتمع النظيف التي جاء بها النظام الشمولي، الا ان هذا الخلل لا يرتبط، قطعا، بهذه الاسباب فقط ؛ فادب المهجر العراقي لم يعط في الرواية شيئا يفوق منجز الداخل، وبقي، هو الاخر، اسير الدعاية وسلطة المعارضة، وهذا معناه ان العقل العراقي عاجز عن تفكيك العقدة وانضاج فن الرواية. ولمعالجة ذلك يتطلب اعادة النظر في بنية الثقافة العراقية والاعتراف بوجود ازمة ابداع من منطلق ان الجميع اختنق في الزجاجة المغلقة وان الكتابة تحتاج الى مناخ حر يجب ترسيخه بالشكل السليم على ان يأخذ مداه الزمني المطلوب وان نبدأ بحسم علاقة الادب
بالسلطة.
ان انجازات العالم الحديثة في مجال الرواية تبقينا في شك مستمر من ادعاءات على قدر من الخطورة بان احدا في العراق كتب رواية مقبولة، ذلك لان الجميع يقع في شرك الخلط بين القصة الطويلة والرواية وبين اليوميات والبناء الروائي كما ان النقد، عندنا، اكثر تخلفا من النص الادبي . والنص الادبي لا ينبع من المعاش ولا يمكن ان يحسب ايضا لمرجعيات فنية او خيالية او فكرية او
معرفية.
لاشك ان العقول الكبيرة هي التي تكتب الروايات الكبيرة؛ فالرواية منظومة علاقات تنمو في بنى مختلفة، وتكتسب حيويتها من صلتها الوثيقة بالحياة .