الرئيسية / القرآن الكريم / دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم في المركز الاسلامي في انجلترا

دروس اجتماعية في تفسير القرآن الكريم في المركز الاسلامي في انجلترا

دروس  اجتماعية في تفسير القرآن الكريم  في المركز الاسلامي في انجلترا  يلقيها الدكتور علي رمضان الأوسي
 ومن أظلم ممّن افترى على الله كذباً .
 (وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ، وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ، وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)([1]).
>
> كانت هناك جماعة من اليهود سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحقاً أنزل الله عليك قرآناً؟ وقد انكروا ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقيل نزلت في المشركين.
>
> هذه الدعوى المفتراة لا تناسب تعظيم الله، وتكشف عن جهل بمعرفة الله سبحانه (وما قدروا الله حق قدره).
>
>
>
> تداعيات هذه الدعوى:
>
> لقد أطلق ذلك الحبر اليهودي (مالك بن الضيف) دعواه: (اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء) فلم تتردد جماعته بلعنه والتبرؤ منه لأنه بذلك ينفي كل الوان الوحي وينسف النبوات ومنها نبوة موسى (عليه السلام) وحقيقة التوراة، ثم ان هذه الدعوى تعني ان الله خلق الخلق وتركهم من غير هدى لتعمهم الفوضى وعبث الحياة وهذه مخالفة لصريح الوحي: (سبح اسم ربك الاعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى)([2])، فهل يُعقل أن هذا التدبير الالهي يترك الانسان في فوضى التشريع؟
>
> إضاءات قرآنية:
>
> 1-رداً على تلك الدعوى المفتراة، قل لهم يا رسول الله (من انزل الكتاب الذي جاء به موسى) وهو كتاب التوراة المنزلة بما هو عليه من نور وهدى.
>
> 2-لماذا تجعلون كتاب التوراة (قراطيس) اوراقاً مفرّقة ومقطعة وصحائف متناثرة؟ بخلاف القرآن الكريم ان ذلك التفريق يعينهم على إظهار بعض الاحكام التي لا تضرّ مصالحهم (وتخفون كثيراً) من الاحكام والبشارة بالنبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) وغيرها.
>
> 3-(وعُلّمتم ما لم تعلموا) وقد علّمكم الله بالتوراة والقرآن أشياء لم تعلموها من قبل انتم ولا آباؤكم، وهذا فضل من الله يشير الى دحض هذه الدعوى.
>
> 4-الجواب على: قل من أنزل الكتاب؟ هو الله سبحانه الذي أنزل الكتاب على موسى (عليه السلام)، من جهة أخرى يوجّه القرآن الكريم النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بذكر الله وبعد ذلك ترك هؤلاء اللاعبين اللاهين في خوضهم الباطل (قل الله ثم ذرهم في خضوهم يلعبون) انهم لم يتخذوا دينهم كما أراد الله سبحانه وانما غلبتهم النفوس اللاعبة وعدم الجدّ في أخذ الكتاب.
>
> 5-ثم صرّحت الآية (92) من هذه السورة بالقرآن الكريم كما صرحت بالتوراة من قبل. فهذا القرآن كتاب منزل من الله مبارك وهو مصدر الخير وفيه نفع كثير ومصدّق للتوراة والانجيل قبل التحريف، وكذلك للانذار به. فكل تلك المؤشرات الصريحة ترد على الدعوى المفتراة.
>
>
>
> أم القرى:
>
> جاء الانذار بالقرآن الكريم لأهل مكة بشكل مباشر ثم الناس جميعاً (ومن حولها) وقد اعتبرت مكة أم القرى لدحو الأرض من تحتها أو لأنها أعظم القرى شأناً، ثم تعود الآية المباركة لتذكر بأن الايمان بالآخرة يوجد وازعاً ايمانياً يدفع الى الايمان بالقرآن الكريم (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به)، وعلة أولئك النفاة للوحي ان لديهم مشكلة تقوّض ايمانهم وعقيدتهم بالآخرة وبالتالي تهجم عليهم الشكوك بما أنزل الله من كتاب. بعكس المؤمنين بالآخرة الذين نعتتهم الآية بسمةِ (وهم على صلاتهم يحافظون) يؤدونها في وقتها ويتدبرون معانيها وهي هوية المؤمنين التي تعرِّف بهم.
>
>
>
> عالمية الرسالة:
>
> (لتنذر أم القرى ومن حولها) باعتبار مكة أمّاً ومركزاً فلتنطلق منها الى (من حولها) وهم الانسانية التي تعيش في الارض، فان اعترض معترض وادّعى محدودية (ومن حولها) فان ذلك يعارض قوله تعالى: (ان هو إلا ذكر للعالمين)([3])، وقوله تعالى: (قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعاً)([4])، وقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)([5])، وإنّ استخدام القرآن الكريم للقرية لا يعني المناطق الريفية الصغيرة المعروفة لذا جاء في القرآن الكريم: (ولو أن اهل القرى آمنوا واتقوا)([6]) فالقرى مطلقة غير مقيدة كبيرة كانت أو صغيرة.
>
>
>
> من هم المفترون على الله؟
>
> الآية 93 من هذه السورة تشير الى هذه النماذج من المفترين على الله سبحانه وهؤلاء أشد ظلماً من غيرهم:
>
> 1-النموذج السابق هم من نفوا نزول الكتاب وقد مرّ بيانه.
>
> 2-(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً) قيل نزلت في عبد الله بن أبي سرح وكان من كتاب الوحي وكان يغيّر فيما يملي عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهاه فطرده حتى عاد بعد فتح مكة وكان من الطلقاء.
>
> 3-(او قال أوحي إليّ ولم يوح اليه شيء) نزلت في مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وقد ظهر في اواخر حياة الرسول (صلى الله عليه وآله).
>
> 4-(ومن قال سأنزل مثل ما  أنزل الله) واولئك ممن زعم انه يأتي بمثل آيات القرآن الكريم فعجز عن ذلك.
>
> وقال أحدهم ممن أملى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية قرآنية ليكتبها قال: لئن كان محمد صادقاً فلقد أوحي اليه. ولئن كان كان كاذباً فلقد قلتُ كما قال.
>
>
>
> المورد لا يخصص الوارد:
>
> في ضوء هذه القاعدة الأصولية والمستفادة كذلك من معطيات القرآن الكريم لا يتوقف النص القرآني على سبب النزول فهذه النماذج من المفترين قد تتكرر بصيغ أخرى في ادعاء التحدي او القيام بتحريف القرآن الكريم وحتى الكذب الظالم على الله سبحانه، ومن خلال ذلك يمنهجون للأمة ويرسمون طرائق لها ويتحكمون في مصائر الناس ظلماً وعلوّاً فقد ولجوا لذلك من خلال الافتراءات الظالمة على الله سبحانه الخالق والمشرع والهادي.
>
>
>
>
>
>
>
> عاقبة وجزاء:
>
> ما أشد عذابهم هي صورة تجسدها الآيتان 93-94 من هذه السورة فجزاؤهم في جواب (لو) الشرطية بمعنى: لو تراهم لرأيتهم في أشد العذاب، تراهم يغرقون في شدائد الموت عند النزع كما يغمر الماء الغريق فلا قدرة لديهم على دفع الموت، وينظر اليهم الملائكة وقد بسطوا أيديهم ليعذبوهم وليس لخلاصهم من غمرات الموت وبمزيد من الأذلال ينادونهم:
>
> 1-(أخرجوا أنفسكم) من أجسادكم ولكنهم لا يقدرون على ذلك فالأمر لله الواحد القهار.
>
> 2-(اليوم تجزون عذاب الهون) وهذا استحقاقهم لهذا النوع من العذاب الذي فيه الضعف والذلة والهوان جسدياً ونفسياً وتعلل الآية المباركة ذلك بأمرين:
>
> أ-(بما كنتم تقولون على الله غير الحق) وهو الافتراء العظيم والتحريف والتحدي الفارغ.
>
> ب-(وكنتم عن آياته تستكبرون) فقد استكبروا على الدلائل والبراهين الالهية ولم يخضعوا لأحكام الله وأوامره، والاستكبار هنا أشد من المعصية العادية حين يعصي الانسان عن لا مبالاة احياناً.
>
> 3-فرادى لا يشفع لهم أحد (وهو خطاب الهي لهم)
>
> ايها الظالمون انتم اليوم بدون مال ولا مدافع جئتمونا كما خلقناكم في الدنيا، اما الآن فقد تركتم ما أعطيناكم في الدنيا من أسباب القوة المادية كالعشيرة والاموال والسلطة والاصنام والجاه وقوة البدن وغيرها وتركتموها وراء ظهوركم وانتم مقبلون على العقوبة في عوالم ما بعد الدنيا: البرزخ ويوم القيامة من غير شفعاء يشفعون لكم رداً على النضر الذي قال: سوف يشفع لي اللات والعزى. حيث كانوا يزعمون انهم شركاء لله سبحانه في الخلق والرزق والتدبير والشفاعة.
>
> لكنكم اليوم تبدد وصلكم فيما بينكم وبين شركائكم وانقطعتم عنهم وضل عنكم وضاع ما كنتم تزعمون من الالهة والشركاء الذين لا يجلبون نفعاً لكم ولا يدفعون عنكم ضراً. فلا يشفعون لكم اليوم، فما أشده من ذل وهوان وعذاب دائم.
>
>
>
> دروس اجتماعية مستفادة:
>
> 1-(والذي قدر فهدى) كيف تقرأ الآية في معطياتها الاجتماعية؟
>
> 2-واقعية الحوار القرآني من خلال ما يثيره هذا المقطع القرآني على هذه الشبهات.
>
> 3-عالمية الاسلام رسالةً وحاكميةً ما أدلة ذلك من القرآن والسنة المشرفة؟
>
> 4-كيف نواجه اليوم ظاهرة الافتراء على الله وما هي صور ذلك الافتراء هذه الأيام؟
>
> 5-كيف تنظر الى العذاب النفسي الذي يحيط بالظالمين ممن افتروا على الله كذباً.
>
>
>
> ([1]) سورة الانعام: 91-94.
>
> ([2]) سورة الاعلى: 1-3.
>
> ([3] ) سورة الانعام: 90.
>
> ([4] ) سورة الاعراف: 158.
>
> ([5] ) سورة الانبياء: 107.
>
> ([6] ) سورة الاعراف: 96.

شاهد أيضاً

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

11- « يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن ...