الرئيسية / تقاريـــر / كيف تصنع الصورة “الوحش الداعشي”؟ – حسام مطر

كيف تصنع الصورة “الوحش الداعشي”؟ – حسام مطر

 

لماذا اتجه داعش نحو الخليج مؤخراً مهاجماً مساجد شيعية في السعودية والكويت؟ الإجابة تنطلق من مقدمتين ضروريتين:

المقدمة الأولى، أن الحاجة الأساسية لداعش هي في استقطاب مقاتلين جدد، لتعويض الاستنزاف البشري وللسعي إلى خوض معارك جديدة. الدلالة على هذه الحاجة تبرز فيما تشير إليه الدراسات مؤخراً في “قصر المدى الزمني للتجنيد”، أي التسامح في الإجراءات المسبقة والشروط المتوجبة لقبول مقاتلين جدد في داعش. ولذا الغالب في المقاتلين الجدد افتقاد المهارة القتالية، والإرباك الإيديولوجي، بعكس المتمرسين الأجانب في معظمهم.

المقدمة الثانية، تمر “السلفيات الجهادية” بلحظة تنافس داخلي شديد. تضخُم الجسم “السلفي الجهادي” وارتباطاته دفعت بظهور عدة مراكز قوى داخله تتصارع لتكريس بنية هرمية تتزعمها. ولذا ينشغل عقل هذه الجماعات بالسعي لجذب المجندين من الطرف المقابل أو المجندين الجدد الساعيين للإنخراط في هذا العالم. ما يعني أن جملة واسعة من سياسات هذه التنظيمات وأفعالها موجهة حصراً لهذا العالم الداخلي.

التوسع الميداني يجذب المجندين الذين يعتبرون وقودا لمزيد من التوسع، بهذه الدورة الكاملة تربو داعش وتنمو. أثبت تنظيم “داعش” أنه تنظيم “ِشديد السيولة” قادر على استغلال كل المسامات في جسم المنطقة للتمدد والتوسع. إلا أن التنظيم يواجه معضلة تتمثل في تجاوزه ذروته في “مناطق السماح” أي في العراق وسوريا، بل إنه يتراجع في كلا البلدين إما لملامسته خطوطاً حمراء فيهما، وإما لتماسك وصحوة خصومه. بلحاظ المقدمات أعلاه، يصبح داعش بحاجة ماسة لخلق فضاءات وخيارات جديدة للتوسع ليبقى حياً وجذاباً، ليعبِّىء العامة ويستقطب المتطرفين.

في ظل ضمور فرص داعش في العراق وسوريا، سيتجه التنظيم الإرهابي نحو العمق “السني العربي” باعتباره عمقاً رخواً بالمقارنة مع “مجتمعات الأقليات” التي خرجت من طور الصدمة والترويع الداعشية. هذه المقدمات تفسر الى حد بعيد بدء موجة الهجمات الانتحارية الأخيرة في الخليج، في السعودية والكويت بالتحديد. هذه الهجمات هي تأسيسية، أي لخلق ظروف مؤاتية لعمل التكفيريين داخل الخليج، من خلال التوتير المذهبي، شحن المتطرفين، فراغات أمنية وضمور لمشروعية السلطة، وثم الفوضى وهي التربة الأمثل لداعش.

يستفيد داعش من حركته داخل الخليج من “قبليات” متوافرة نتيجة وجود بنية تحتية ثقافية تكفيرية وخطاب إعلامي منفلت وقواعد معبأة وحاضرة نفسياً لتقبله. إلا أن هذه الظروف بحاجة لعوامل مساعدة كي تتفاعل في الشكل المطلوب وصولاً للفوضى. يراهن داعش أن استهداف الشيعة في الخليج سيضع السلطات في مأزق حقيقي، سواء قام الشيعة بردود فعل عنفية، أو قامت الدولة باسترضاء الشيعة، ففي كلا الحالتين ستتجه شرائح جديدة نحو التطرف وبالتالي نحو داعش.

كان الزرقاوي شديد الإعتماد على هذه المنهجية في العراق، إذ برر الهجمات الإنتحارية على مساجد وأسواق المناطق الشيعية بأنها ستدفع الشيعة نحو التطرف والرد العنفي على السنة بشكل عشوائي، بما يؤدي الى تطرف شرائح إضافية وإلتحاقها بجماعته. بالمقابل يطمح داعش الى إبراز ضعف الحكومات الخليجية عن حماية الشيعة بما قد يؤدي الى تصعيد التوتر في العلاقة المتبادلة وتقليص هيبة الدولة، وسعي الشيعة تالياً لكسر إحتكار السلطة للعنف والقيام بردود فعل وثم ردود فعل مضادة وتتضخم دورة العنف هذه وتغذي ذاتها بذاتها وصولاً للانفجار الكبير.

المعيار الأساسي في صدقية أنظمة الخليج في إيقاف هذه الهجمات وفي التزامها الجاد بأمن جميع مواطنيها هو في ضبط الخطاب التكفيري داخل الخليج، أي تجريم كل الأصوات الإعلامية والدينية والمنابر التي تدعو الى تكفير المذاهب الأخرى وتحرض على إبادتها. هذه الخطوة يمكن أن تكون رسالة جدية الى شعوبها – الشيعة منهم خصوصاً – إنها ملتزمة تجاه أمنهم وحقوقهم، وهم في غنى عن البحث عن بدائل. ثم تلي ذلك جملة خطوات تقر بحقوق المواطنة الكاملة لكل شرائح شعوب الخليج وإشراكهم التدريجي في القرارات المحلية والسياسية.

وفي موازاة سعي داعش لفضاءات أفقية جديدة للتمدد، يعمد أيضاً الى التمدد العمودي في الأذهان والتصورات من خلال الإكثار من بث مشاهد متقنة لإعدامات شديدة الوحشية. “حرب الصورة” المبالغ بها ضرورية لإشاعة إحساس دائم بالرعب والهلع عند الجمهور، إحساس يرفع داعش عن منزلة البشر العاديين، كائنات غير قابلة للقهر، كائنات لا تُعرف لها وجوه لإتاحة المجال للمتلقي لتخيل ملامح مرعبة لا تترك مجالاً للتفكير بداعش كبشر ذوي ضعف وثغرات ونقائص وأزمات وقلق، ولذا ربما نحن بحاجة الى “أنسنة” داعش وليس العكس.

نقلاً عن موقع العهد