الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني24

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني24

24)فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه الكمالات مفرّقة في العالم، وأن يكون كثيرٌ منها متداولاً على ألسنة الناس شائعاً بينهم حتى يصل إلى كلّ أحدٍ نصيبه ، ولهذا أمر بأن تقبل كلمة الحكمة ممن جاء بها كائناً من كان ، حتى قالوا عليهم السلام : خذ الحكمة ولو من أهل النفاق . البحار : 2/99 ..

 

 

وقالوا (ع) : خذوا العلم من أفواه الرجال . [ البحار : 2/105 ].. فلما أراد الشارع الحكيم لهذا العبد أن يستوفي نصيبه من الحكم والمعارف ، بذلها له في العالم حتى يتيسر وصولها إليه ، وأمره بقبولها ممن جاء بها ، فإن أهل البيت (ع) أمروا شيعتهم أن يعرفوا الرجال بالحق ، ولا يعرفوا الحق بالرجال ، فقال (ع): انظـر إلى مـا قال ولا تنظر إلى من قال . البحار : 1/355..

 

 

وقالوا: غريبتان: كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها ، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها . البحار : 2/44..

فالكمال كلّ الكمال إنما هو اكتسابٌ من أقوالٍ وأفعالٍ ، أو معاملاتٍ ، أو تجاربٍ ، حتى ورد عنهم (ع) : أنّ العقل حفظ للتجارب ، وخير ما جربت ما وعظك . [ البحار : 74/208 ] .. وأن التجربـة علمٌ مستفادٌ . غرر الحكم ..

فما انقدح في نفوس جملةٍ من الاخوان من الاقتصار على هذه العبادات المألوفة ، وقصر النظر عليها جرّبناه ، واختبرناه ، وتأمّلنا في الأحوال الماضية من أهل الأعصار السابقة ممن نُقل إلينا حاله ، فوجدناه مستلزماً للبلادة وقلّة الفطانة ، غير موصل صاحبه إلى الترقي ، واكتساب المقامات الرفيعة ، فأحببنا التنبيه على أنه من خدع الشيطان الرجيم (لعنه الله) التي يحبسه بها عن الانتقال إلى المقامات الرفيعة ، والرتب السنيّة.

ومم يُهتدى إليه باستسهال الشيء بالنسبة إلى ما فوقه ، استحقار الدنيا وشؤونها وأطوارها ، بنسبتها إلى أمور الآخرة وأحوالها وأطوارها.

 

 

فالواجب على من يريد الإقبال على الله أن يُخرج هموم الدنيا من قلبه ، فلا يفرح بشيء ٍمنها أتاه ، ولا يحزن على شيءٍ منها فاته ، بأن يتدبرها في نفسها ، وينظر في فنائها وزوالها ، وسرعة تقلّباتها ، وعدم دوامها على حال ، فالعاقل لايليق به أن يتوجّه إلى هذا الشيء الذي لا يستقرّ على حال ، بل هي في الحقيقة لا شيء.
وثانياً بأن هذه الدنيا إن فرضناها شيئاً – كما هو مقتضى تلبيس الشيطان (لعنه الله) الذي لبّس به على هذا الخلق ، بحيث أوهمهم بأنها في نفسها شيءٌ حسن – لكن لا ريب وبالضرورة لا نسبة لها إلى ما هو أحسن من ملاذ الآخرة التي اجتباها الله لأوليائه ، واختارها لأصفيائه.

 

 

فعلى فرض أن الدنيا فيها شيءٌ من الحسن ، فهو مضمحل عند نسبته إلى حسن الآخرة.
فإذا أدمت النظر وأحسنت الفكر ، انجلى لك أن من يتوجّه إلى شيءٍ من أمور الدنيا من حيث أنها دنيا – لا لأجل التوصّل إلى الآخرة – متوجّهٌ إلى العدم المحض والباطل الزائل. (7)

 
________________________________________
(7) إنّ الالتفات إلى فناء الدنيا وزوالها من الأسباب المهمة لقطع التعلق القلبي بها ، فإنّ المذموم هو حب شهواتها ، وإلا فإنّ ذات الدنيا مما لا تصف بحسنٍ ولا قبحٍ .. فإذا كان الله تعالى هو المزين لها فلا حقّ لأحدٍ في ذمّها ، فكيف وقد استنكر الله تعالى من حرّم زينتها .. وإذا كان المزين هو الشيطان حقّ للإنسان أن يحترز منها كما يحترز من الحيّة التي يلين مسّها وفي جوفها السمّ القاتل .ومن الضروري مخادعة النفس في هذا المجال فنمنّيها بالأجر الأعظم الأدوم لترفع اليد على الأقلّ المنصرم .. وقد روي عن علي (ع) انه قال : لو كانت الدنيا ذهبا والاخرة خزفا ، لأخذت خزف الآخرة على ذهب الدنيا ، فانه خزف باق وذهب الدنيا فان .. فكيف والآخرة ذهب باق والدنيا خزف فان ؟… شجرة طوبى 2-422 .( المحقق ________________________________________)

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني45

32)وهذا كله على تقدير تحقق الإساءة إليك من الغير ، وإلا فعلى تقدير أنك ظالم ...