الرئيسية / تقاريـــر / فيينا.. والانهيار الخليجي

فيينا.. والانهيار الخليجي

مع ان الاتفاق النووي لن ينفذ بمجرد الاعلان عنه، لانه سيحال الى الكونغرس في أميركا والمجلس الاعلى للأمن القومي ومن ثم مجلس الشورى الاسلامي في ايران، وان تأثيراته المادية قد تتأخر فيما يتعلق بالعقوبات ضد طهران خاصة، الّا انه سيترك آثاره على المنطقة مع وجود لاعب ايراني ذكي يحسن استغلال الفرص ولديه مسارات استراتيجية واضحة وأهداف مشروعة تنسجم مع تطلعات الشعوب والجماهير.

سأبدأ من تصريحات أحد الظرفاء الخليجيين، الذي يخرج علينا بين فينة وأخرى بدعابة تذكرنا بالراحل معمر القذافي الذي صرنا نفتقده في كل مؤتمر قمة عربية.. والتي نصح فيها ايران بتوقيع الاتفاق النووي مع الغرب!

مثل هذه التصريحات تثير القلق.. على قاعدة ألف عدو عاقل خير من صديق مجنون.. فكيف اذا كان هذا المجنون عدو وجار في الوقت ذاته؟! وبصراحة امثال هذا المعتوه يجعلنا في حالة يأس من مستقبل اشقائنا العرب اذا كانت نخبتهم بهذا المستوى وعلى هذا الغرار.

يظهر ان الايرانيين سيأخذون بنصيحة جارهم الظريف وسيوقع “ظريفهم” مع الاختلاف في الظرافة.. اتفاق القرن كما تسميه بعض قنوات الاعلام مع الشيطان الاكبر ومجموعته في 1+5.

لن اتحدث هنا عما كسبه الايرانيون وما سيفقدونه في اتفاقهم، وهل انه اتفاق سئ لايران والمنطقة والعالم، ام انه جيد، يؤمن مطالب ايران ويوفر مستلزمات المضي في استراتجياتها الداخلية والخارجية ومسيرة البناء الحضاري والانتاج العلمي والتطور الاقتصادي الذي بدأته في ظل عقوبات غبية احياناً و”ذكية” احياناً اخرى.. وعدم حديثي سببه ان مجرد انفعال الكيان الغاصب للقدس وبعض الانظمة الرجعية هو خير دليل على محصلة الاتفاق لصالح ايران وصحة المسار الذي تمضي فيه الجمهورية الاسلامية.. ولا اعتقد ان عاقلاً يختلف في هذا الشأن.

لكني سأتحدث عن تداعيات الاتفاق على المنطقة وعلى محور المقاومة وعلى دول الارتهان العربي.. لكن قبل ذلك اشير الى نقطة غاية الأهمية، وهي ان الهزيمة النفسية التي بدأت تظهر بين معسكر حلفاء اميركا في المنطقة والذين افضل تسميتهم بـ “الايتام”، ستكون كبيرة للغاية، فهم في حالة من الهستيريا والضياع رغم كل الجهود الأميركية والغربية والصهيونية للملمتهم وتضميد جراحهم والحيلولة دون انهياراتهم.. نعم الهزيمة النفسية بدأت تظهر في اكثر من موقع وبشكل مطرّد مع تقدم المفاوضات في فيينا.. وهذا الحبل النفسي الذي يلتف اليوم على اعناقهم هم الذي حاكوه من خلال “تغويل” ايران وتصويرها بأنها المارد والطوفان الذي سيقتلع انظمتهم السياسية والاجتماعية.. وعلى نفسها جنت براقش!

ومع ان الاتفاق النووي لن ينفذ بمجرد الاعلان عنه، لانه سيحال الى الكونغرس في أميركا والمجلس الاعلى للأمن القومي ومن ثم مجلس الشورى الاسلامي في ايران، وان تأثيراته المادية قد تتأخر فيما يتعلق بالعقوبات ضد طهران خاصة، الّا انه سيترك آثاره على المنطقة مع وجود لاعب ايراني ذكي يحسن استغلال الفرص ولديه مسارات استراتيجية واضحة وأهداف مشروعة تنسجم مع تطلعات الشعوب والجماهير.

لذلك ليس من باب الصدفة ان تبدأ معركة تحرير الانبار والهجوم على معقل الارهاب والجريمة (الفلوجة) تزامناً مع الحديث عن الاتفاق، كما انه ليس من المصادفة ان تسلم أميركا مجموعة من طائرات الـ (اف 16) الى العراق في نفس الوقت…

وكما ان الانتصارات التي سجلها الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية في القلمون وفي الزبداني وفي افشال ما سمي بـ “عاصفة الجنوب”، وقوات حماية الشعب الكردي في الحسكة، ليست اعتباطية من حيث التوقيت.. فأن تدمير العدوان السعودي لهدنة “شهر رمضان” التي اعلنتها الأمم المتحدة والتمادي في القصف الوحشي للمدنيين في اليمن والتصعيد الذي يقوم به مسلحو “جيش الفتح” الذي هو نتاج التنسيق المخابراتي التركي ـ القطري ـ السعودي واشياعهم واتباعهم، ليس مصادفة، بل يعبر عن صراع بين ارادتين، ارادة بناء والمقاومة وتقديم الحلول السلمية على النزاعات المسلحة، وارادة التدمير والتكفير والعمالة القادمة من الصحراء.

والمؤكد هو ان ايران بدون عقوبات ستكون اقوى والمؤكد ايضا هو ان اعدائها بعد الاتفاق سيكونون أضعف، وفي حين يضطر فيه السعودي لسحب 65 مليار دولار من صندوقه السيادي لسد العجز في ميزانيته وتغطية نفقاته الحربية التي تجاوزت الى الآن 50 مليار دولار، فان نحو 150 مليار دولار ستعود الى الخزينة الايرانية مع التوقيع على الاتفاق.. ناهيك عن ما سيتركه الاتفاق من تأثير على الداخل الايراني وأهم ما فيه تعزيز الثقة بالذات والتلاحم بين جماهير الشعب والقيادة…

قد تكون معركة الفلوجة (الانبار) هي تباشير انفراجة في فيينا، تحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمفاوض الايراني اكثر من مرّة.. حتى لو كابر الاميركيون والفرنسيون على جراحهم وأبوا ان يتحدثوا عنها!

وعلى حدود الانبار مع سوريا سيتبين الخيط الابيض من الفجر.. وان غداً لناظره قريب.