الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية -قال الطبرسيّ في مجمع البيان

مواعظ قرآنية -قال الطبرسيّ في مجمع البيان

“المعنى: لما قدّم سبحانه نهي اليهود عن السحر، عقّبه بالنهي عن إطلاق هذه اللفظة، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾ .كان المسلمون يقولون: يا رسول الله ! راعنا أي: استمع منّا. فحرّفت اليهود هذه اللفظة، فقالوا: يا محمد، ! راعنا، وهم يلحدون إلى الرعونة، يريدون به النقيصة والوقيعة. فلما عوتبوا قالوا: نقول كما يقول المسلمون، فنهى الله عن ذلك بقوله ﴿ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا ﴾ ﴿وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾ . وقال قتادة: إنّها كلمة كانت تقولها اليهود على وجه الإستهزاء. وقال عطا: هي كلمة كانت الأنصار تقولها في الجاهلية، فنهوا عنها في الإسلام.. وقال الباقر عليه السلام: هذه الكلمة سبٌّ بالعبرانية إليه كانوا يذهبون..ومعنى انظرنا: يحتمل وجوهاً أحدها: انتظرنا نفهم ونتبيّن ما تعلّمنا، والآخر: فقِّهنا وبيّن لنا يا محمّد، والثالث: أقبل علينا. ويجوز أن يكون معناه: انظر إلينا”19.

 

نقول: ولأهميّة الأسوة في الحياة وشدّة تأثيرها على المجتمع والحياة فإنّ أعداء الإسلام قد عمدوا إلى استبدال الأسوة الحسنة بالأسوة السيّئة وابتكروا أشياء توافق الأهواء وروّجوا لها على أنّها نماذج الكمال والجمال، وبذلوا قصارى الجهد ليُقنعوا أمّتنا بذلك من خلال أساليب الدعاية المختلفة، وهذا طبعاً يجعل فرص الاشتباه في اختيار الأسوة الحسنة كبيرة، وبالفعل نجد الكثير من شباب أمّتنا الإسلامية الّتي هي خير أمّة أخرجت للناس تسير نحو الأسوة السيّئة.

 

وهذا الاختيار الخاطئ للأسوة تعمل أجهزةٌ منظّمة جهنميّة لتسويقه بين شعوبنا الإسلامية وبثّه فيهم وخاصة بين شبابهم الّذين يمثّلون عصب الأمّة وقوّتها وطاقتها، وإظهاره بمظاهر المثل العليا، بعناوين متعدِّدة كالجمال والأناقة، والتجدُّد باتّباع الموديلات الّتي لا تقف عند حدّ، والبطولات الوهمية، ويقيمون المسابقات على مدار أيّام السنة بعناوين مختلفة رياضية وغيرها، فيُصبح البطل هو من يُسدِّد الكرة لتدخل

 

 

19- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 335.

 

 في المرمى لا من يدافع عن كرامته وشرفه، وعزّة أمّته، وقيمها، وذلك لإلهاء شعوبنا عن القضايا الكبرى والوصول بذلك إلى استعبادهم بعد استنزاف مقدّراتهم الّتي مَنَّ الله بها عليهم.

 

وقد نجح أعداء الدِّين والإنسانية في تسويق هذه الأسوة السيّئة الضالّة المضِلّة كأمور مهمّة تجري المنافسة على حيازتها ويكون الفرد اللامع فيها هو من يُنظر إليه كأنموذج تنشدّ إليه الأنظار وترمقه بطرفها متمنية بشوق ولهفة الوصول إلى ما وصل ونيل ما نال، وتقف الناس إجلالاً له وتتجمهر عندما يحضر، ويأتون إليه بأشياء ليتبرّكوا من تواقيعه عليها، وتُجعل صوره على المنتجات الاستهلاكية كالألبسة وشبهها وعلى الدفاتر المدرسية والكتب، ويروِّجون له حتّى وأنت تسير في سيارتك تراه في الإعلانات والملصقات..

 

والكلام في ذلك يطول، وما كان مُعاشاً كفتنا رؤيته بالعين مؤونة وصفه والحديث عن تفاصيله..

 

أيّها الشباب..

 

إنّ واجبكم الشرعيّ والإنسانيّ أن تعوا وتتنبّهوا لمخاطر هذه المخطّطات الشيطانية الّتي يُمارسها أعداء الله وأعداء القيم الّذين لا يؤمنون إلا بجشعهم وحبّهم الأعمى لاستعباد الشعوب وإذلالهم لكي يكونوا عبيداً لهم بأسماء ابتدعوها وجمّلوها وزخرفوها كالحرية والديمقراطية..

 

وبأساليب ترويجية لأمور ليس وراءها مضمون ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان ﴾ٍ20 , ليتلهّى أفراد الأمّة عن القيم الحقّة والمطالبة بها وتُستنزف طاقاتهم في قضايا ليست هي بقضايا وإنّما هي أشبه بخيال وانعكاس في المرايا، وأقرب ما تكون من ألعاب الصبيان. فتنبّهوا أيّها الشبّان

 

 

20- سورة النجم، الآية: 23.

 

ولا تكونوا في الأمّة الغربان الّتي تنعق بانحلالها ودمارها، بل تبنّوا قيمها وكونوا مدافعين عنها وعن بنيانها الشامخ الّذي شيّد صرحَه المؤمنون بعرقهم، وعمّده الشهداء بدمائهم، وغذّته آلام الأسرى وآهاتهم في زنازينهم، وقوّاه صبر الثكالى ودموع اليتامى وأنّات الجرحى..

 

اهجروا التقليد والتأسّي بكلّ ما يكون له نوع ارتباط بالغرب الكافر وارجعوا الى مبادئنا ومفاهيمنا..ارجعوا إلى الأسوة الحسنة.. ارجعوا إلى الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين..

 

ارجعوا إلى محمّد وآل بيته الأطهار عليهم السلام..

 

فإنّ ربّكم وهو أولى بكم قد اختار لكم أسوة حسنة، أفتختارون غير ما اختار لكم الله ربّ العالمين، حيث قال عزّ من قائل: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر﴾َ21