الرئيسية / تقاريـــر / “اسرائيل” و”داعش” التوظيف المزدوج – محمد محمود مرتضى

“اسرائيل” و”داعش” التوظيف المزدوج – محمد محمود مرتضى

لم يسبق لتنظيم “داعش” أن تجرأ على مهاجمة الكيان الإسرائيلي، ورغم ان ادبياته، على غرار ادبيات التنظيمات المسماة “جهادية” تدعو بالويل والثبور وعظائم الامور تجاه “الصليببين” و”اليهود”، الا انه من جهة اخرى غالبا ما يقوم التنظيم بتصنيف “العدو القريب” بانه اشد خطرا من اليهود، فيما يبدو انه تبرير للابتعاد عن الدخول في اشتباك مع الكيان الاسرائيلي. ومع ذلك فقد اطلق “داعش” بعض الصواريخ على الاراضي الفلسطينية المحتلة من قطاع غزة.

ينتشر “داعش” بقوة في سيناء المصرية حيث يمتلك مئات العناصر، ومساحة جغرافية واسعة يعمل فيها مقابل الاراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك يتواجد في بعض المناطق في الجنوب السوري المحاذي للجولان، فيما يتواجد في غزة بشكل محدود جدا. ومع ذلك اختار التنظيم اطلاق النار من غزة بدلا من سيناء او الجولان، الا ان اسرائيل لم تقم بالرد على اطلاق الصواريخ.

لحدِّ الآن، لم يتم إدراج إسرائيل ضمن دائرة اهتمام تنظيم “داعش”، وهو يناور بذلك بالقول ان العدو القريب اولى بالقتال من البعيد، وأن قتال “اليهود” غير ممكن في ظل هذه الانظمة. قد يبدو هذا الشعار جاذبا، لكن التنظيم لا يستهدف الانظمة بقدر ما يستهدف الشعوب. ومع ذلك فتبدو اهدافه منتقاة، فالاردن مثلا من اكثر الانظمة التي تربطها علاقات استخبارية مع الكيان الاسرائيلي ومع ذلك يبتعد التنظيم عنه مع استثناء حادثة اعدام الطيار الاردني معاذ الكساسبة لاسباب تتعلق باشتراك الاردن في التحالف، ومع ذلك فان الكساسبة سقط اسيرا لا ان التنظيم استهدفه في داخل الاردن. كما ان للتنظيم علاقات وطيدة مع تركيا، امنية واقتصادية، رغم العلاقات الاستراتيجية بين تركيا واسرائيل، فضلا عن الفكر الاخواني الذي يحمله حزب العدالة والتنمية والذي هو فكر ضال وكافر وفق التصنيف الـ”داعشي”. كما أن هذا التنظيم لم يدعم القضية الفلسطينية، بل يكفر كل حركات المقاومة فيها كلٌّ لاسباب خاصة، فضلا عن انه لم يدع لمحاربة “الدولة العبرية”، مدعيًا أن “القرآن، لم يأمرنا الله بمحاربة إسرائيل أو اليهود إلا بعد قتل المرتدين والمنافقين”.

اذن، يركز “داعش” على ضرورة “أسلمة” أراضي المسلمين، ويفضل أن يبدأ ذلك مع الدول الضعيفة.

ولعل اكثر ما يغامر به “داعش” هو نشاطه في مصر، وتحديدا في سيناء، عبر مهاجمة الجيش المصري والقيام بعملية عسكرية واسعة النطاق، اذ ان التنظيم يخاطر بدفع إسرائيل للخروج عن الاكتفاء بالمشاهدة، على الاقل على الساحة المصرية. فخلال هذه العملية العسكرية التي تم التخطيط لها بإحكام مع استعمال معدات عسكرية متمثلة في قاذفات صواريخ ورشاشات ثقيلة وعشرات السيارات رباعية الدفع، كان رد الجيش المصري باستعمال طائرات الأباتشي والطائرات المقاتلة F-16. وكانت الخسائر في هذه المواجهة كبيرة من الطرفين.

دفعت الانتكاسات التي عرفها تنظيم “داعش” على الأراضي السورية إلى التماس النصر في أماكن جديدة. فقد تمكن المقاتلون الأكراد من طرد ارهابيي “داعش” من بلدة تل أبيض السورية على الحدود مع تركيا، بعد أن احتلوها لأكثر من عام. وعلاوة على ذلك، فقد خسر تنظيم “داعش” 26٪ من الأراضي الخاضعة لسيطرته.

ومع تراجع حجم الاستقطاب، يسعى التنظيم لتسجيل انتصارات جديدة تمكنه من حشد القوات العناصر، والعودة الى صدارة المشهد. ويأمل “داعش” من خلال فتح جبهة جديدة، في دخول الساحة المصرية واستقطاب قواعد الاخوان المسلمين المصابين “بالحنق” جراء اقصائهم، وكذلك استقطاب القواعد السلفية فيها.

ويمكن الملاحظة ان الإسرائيليين لم يتدخلوا في سيناء رغم خطورة ما يجري هناك على نظام حليف لهم، او على اقل التقادير مسالم، ومع ذلك، فهم يوفرون معلومات من الأقمار الصناعية التي بحوزتهم، كما سمحوا لمصر بإدخال المزيد من القوات في شبه جزيرة سيناء مع المعدات الثقيلة، والتي سبق تحديدها في اتفاق سنة 1979. وهذا ما لم تفعله “اسرائيل” في مناطق اخرى، بل على العكس تقدم دعما لوجستياً لهذه الجماعات في الجنوب السوري دون ان تفرق بين “النصرة” و”داعش” و”الجيش الحر”.

تراقب “إسرائيل” الأحداث وتلعب لعبة مزدوجة: تقدم الدعم لمصر رغم عدم قيام “داعش” باستفزازها، كما تستغل الاوضاع في سيناء لابتزاز النظام المصري في اكثر من ملف، لكنها «تضبط» النفس مع “داعش” في غزة رغم اطلاقه الصواريخ باتجاهها. تعلن تضامنها مع الغرب والاستعداد لتقديم العون ضد الهجمات الارهابية، لكنها تقدم العون لهم في الجنوب السوري واينما امكن طالما انه في وجه الجيش السوري وحزب الله.

بهذه اللعبة المزدوجة تظهر اسرائيل كلاعب اساس في تحركات تنظيم “داعش” واعماله ونشاطاته التي تسعى من خلالها لتوظيفه في اطار صراعها الكبير مع خط المقاومة في المنطقة.

نقلاً عن موقع العهد