الرئيسية / تقاريـــر / حزب الله.. المرجعية الإسلامية النقية – أحمد الشرقاوي

حزب الله.. المرجعية الإسلامية النقية – أحمد الشرقاوي

 كثيرة هي الكتابات التي تناولت ظاهرة حزب الله في الوطن العربي كل حسب المرجعية التي تصدر عنها..

فمنها من اعتبرته مقاومة وطنية لبنانية، ومنها من اعتبرته تنظيما قوميا عروبيا بمرجعية إسلامية وتوجهات اشتراكية، ومنها من صنفته في خانة الإسلام السياسي الأممي الذي يسعى لإقامة دولة “الولي الفقيه” الشيعية، ومنها من رفضت التسمية من أساسها لارتباطها بمفهوم قرآني شمولي لا يجوز احتكاره من قبل تنظيم معين، ومنها من اعتبرته حزبا سياسيا وعسكريا طائفيا يشكل امتدادا للهلال الشيعي في مواجهة القمر السني في المنطقة..

ومهما يكن من أمر، فمن يراجع أدبيات الحزب منذ التأسيس سنة 1982، ويتفحص بعضا من خطاباته وخصوصا تلك الصادرة عن أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله في أكثر من محطة ومناسبة، يخرج بخلاصة مغايرة لكل هذه التصنيفات البعيدة عن الموضوعية والمجانبة للصواب جملة وتفصيلا..

لأنه لا يمكن فهم ظاهرة حزب الله انطلاقا من قواعد التحليل السياسي، من دون الغوص عميقا في ما تعنيه التسمية بالمفهوم القرآني الدقيق والعميق..

وهنا يكمن اللغز الخفي الذي نحن بصدده بمناسبة هذا االمقال.

أدبيات حزب الله وخطاباته ومواقفه وانجازاته، تجعله يتموقع فوق من كل هذه التصنيفات التي تستند إلى الموروث التقافي الديني الأصولي والسياسي العروبي التقدمي معا، لأن ظاهرة الحزب ظاهرة جديدة لم يسبق لها مثيل في التاريخ العربي والإسلامي، وبالتالي، لا يمكن التعامل معها بمنطق الإسقاطات النمطية للمتداول في الثقافة العربية من نماذج مكرورة فقدت بريقها حين سقطت مصداقيتها على محك التجربة..

*** / ***

ما نعرفه يقينا، هو أن حزب الله تنظيم إسلامي، بعقيدة جهادية قرآنية، يمتح من مبادئ الأخلاق المحمدية الشريفة، وتقوم مرجعيته الثقافية على الفلسفة النبوية التي وضع أسسها المفاهيمية الإمام علي بن أبي طالب (ع).. فيما يستمد نهجه المقاوم من مدرسة التضحية والعزة والكرامة التي زرع بذورها الأولى في تربة الأمة الطيبة الإمام الحسين (ع) وسقاها بدمه ودم آل البيت الأطهار، فتحول بذلك إلى رمز للشهادة على المستوى الإنساني الكوني بانتصار الدم على السيف..

وبهذا المعنى، فحزب الله لا يدافع عن إديولوجيا بالمفهوم الإصطلاحي المذهبي، لأن المذاهب ظهرت بعد 180 سنة من وفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، بل يدافع عن قناعة راسخة بحقائق ربانية سامية لا تتبدل بتبدل الأزمان ولا تتغير بتغير الظروف ولا تتحول بتحول المسارات السياسية والتوجهات الفكرية..

صحيح أن حزب الله ظهر كنتيجة لإحتلال الإسرائيلي للبنان سنة 1982 بمساعدة إيران، ونجح الحزب بفضل عقيدته الجهادية الصافية في تحرير بلده في بضع سنين ولما يشتد عوده بعد (2000)، لكن التحرير لم يكتمل، كما أن انسحاب إسرائيل مهزومة تحت ضربات المقاومة لم يضع حدا لأطماعها في لبنان والمنطقة..

لكن، أمام عجز الدولة اللبنانية والنظام العربي الرسمي عن القيام بواجبه في تحرير الأرض العربية المغتصبة ومقدسات المسلمين المستباحة، والإطلاع بمسؤولياته السياسية والدينية والأخلاقية لحماية البلاد والعباد من عربدة الصهاينة وأطماعهم في مقدرات شعوب المنطقة، واستباحتهم للدم والعرض والكرامة العربية بلا حدود ولا قيود، اضطر الحزب لتطوير نفسه بما يؤهله لملء الفراغ بجدارة واقتدار..

وبالتالي، فالذين يطالبون الحزب بالتخلي عن سلاحه والإكتفاء بالعمل في إطار الدولة اللبنانية، إنما يمارسون الخديعة والتضليل، وهم يعرفون أن لا وجود لشيئ إسمه دولة لبنانية أو دولة عربية، هناك فقط سلطة في كل عاصمة عربية خاضعة للهيمنة الأمريكية، ويقتصر دورها على تدجين الناس كالقطيع بالإستبداد، وإتاحة المجال للشركات العابرة للقاراة لتمارس فسادها ونهبها وسلبها لخيرات البلاد ومقدرات العباد..

أما الذين يطالبونه من النخب العربية بأن يكون تنظيما سياسيا إسلاميا أو قوميا تقدميا ليدعموه كحركة مقاومة، فهم من حيث يدرون أو لا يدرون، يسعون لسرقـة انتصاراته الأسطورية ليغطوا بها فشل اديولوجياتهم الأصولية أو التقدمية سواء، في محاولة لبعث الروح في العظام الرميم..

حزب الله ليس حزبا لبنانيا يمينيا، ولا حزبا قوميا يساريا، ولا حزبا أمميا بمشروع سياسي على شاكلة “الإخوان” مثلا، هذه مفاهيم عتيقة جربت في الماضي وانتهت بكوارث لا يزال العرب يعانون من تداعياتها إلى يوم الناس هذا، دون أمل في تجاوزها، لأن التغيير لا يتم بالخطابات العصماء والشعارات الجوفاء، بل بالفعل المنتج الذي يحقق الإنجازات المدهشة التي يراها الناس واقعا ماثلا للعيان..

حزب الله هو طليعة لمشروع إسلامي لا شرقي ولا غربي، برؤية متكاملة بعيدة المدى تقول بضرورة قيامة وحدة الأمة التي أمر بها تعالى في قرآنه الكريم ووضع نواتها الأولى رسوله محمد عليه وعلى آله السلام، وهو المشروع الذي يستوعب كل مكونات الأمة على أساس الأخوة في الدين والإنسانية، وفق قاعدة التقوى والعدل دون تمييز أو إقصاء، بعيدا عن العنصرية الطبقية والعصبية الجاهلية، ويعطي الشعوب الحق الحصري في تقرير مصيرها وتحديد نظام الحكم الذي يناسبها واختيار من ينوب عنها في إدارة شؤونها وفق آلية الشورى بالمفهوم القرآني الواسع الذي جعله الله فرض عين حين وضعه مقترنا بفريضة الصلاة في الآية المرجعية..

لأن نظام الشورى بالمعنى القرآني الدقيق، هو نظام مدني يتعارض من أنموذج ديمقراطية روما الذي اعتمد إبان الخلافة الإسلامية حين احتكر شرفاء قريش السلطة باسم الخلافة.. ولا يقر بشرعية السيف لحكم الناس بالقهر نيابة عن الله الرحمن الرحيم كما فعل الخوارج قديما وسارت على مذهبهم الوهابية التلمودية وسليلتها الداعشية التكفيرية، استنادا إلى مقولة “طاعة أولي الأمر منكم” حتى لو كان فاسدا وفاسقا ما لم يكفر، حسب ما تقول به القاعدة الشرعية الذي ابتدعها فقهاء السلاطين الذين حولوا الدين إلى كهنوت حين أعادوا لفرعون السلطة التي نزعها عنه الكتاب لفائدة المستضعفين في الأرض.. كما وأن نظام الشورى لا يتوافق مع ديمقراطية الغرب التي هي عبارة عن ديكتاتورية الأحزاب وفق ضوابط تخدم جشع الطبقة الرأسمالية المهيمنة على السلطة والثروة، وتعتبر الشعوب مجرد زبناء لمنتوجاتها، ولها بعد ذلك أن تمارس حقها الدستوري بـ”ديمقراطية” فتختار إما اليمين أو اليسار، المحافظين أو العمال، الديمقراطيين أو الجمهوريين، حزب الفيل أو حزب الحمار.. لا خيار.

أما مشروع حزب الله، فمشروع حضاري لبناء الإنسان الكامل الذي خلقه الله ليعيش تجربته الأرضية بحرية ومسؤولية وكرامة، ملتزما بفضيلة الأخلاق التي هي أسمى قوانين الدستور الإلهي الجامع الذي أقر المساواة بين الناس، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وجعل الأكرم فيهم هو الأتقى، وجعل سره في أضعف خلقه حين وعد المستضعفين من الشعوب المظلومة بوارثة الأرض بعد إسقاط الفراعنة الطغاة من على عروشهم الواهية.. وهذا هو معنى أن إرادة الشعوب من إرادة الله، وأنها إذا أرادت التحرر والتحرير أراد الله.

حزب الله أيها السادة لا يمكن اختزاله في هوية غير الهوية الإسلامية الجامعة، لأنه حزب الله الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو بالتالي عابر للهويات والأوطان وفوق الثقافة والإديولوجيا وكل دكاكين الساسة وزواريب السياسة.. إنه باختصار طليعة لشعلة متقدة واعدة، لحقيقة إلهية خالدة، تنير للناس درب الخلاص، ليهبوا جميعا لطرد الخوف من قلوبهم وللخروج من ظلمة جحورهم، وطرد الحهل من عقولهم، والسعي لمعانقة النور الرباني في آخر النفق حيث الحرية والمحبة والجمال.. فمن شاء قبل بهذه الحقيقة وحمد الله وشكره عليها، ومن شاء رفضها وكفر بها وناصب الحزب العداء، لأن من يعيش في الظلام كمصاص الدماء لا يتحمل رؤية النور الذي في بزوغه نهايته الحتمية..

وبهذا المعنى، فحزب الله لا يدين بولائه لأحد غير الله ورسوله والذين آمنوا، ولا يمكن بحال من الأحوال أن ينخرط في مشروع غير مشروع الله الذي اختاره لعباده في الأرض، وجعل شرط إقامته هدم مشروع فرعون ونزع الشرعية عنه وإعادتها لأصحابها الحقيقيين الذين اختارهم تعالى ليكونوا عبادا مخلصين له لا عبيدا للطغاة الفاسدين.

وهذا هو معنى الجهاد المقدس الذي يتبناه حزب الله من أجل تحرير الأرض من الإحتلال وتحرير الإنسان من الهيمنة الأمريكية المفروضة عليه بأدوات القهر العربية التي تدين بولائها للصهيونية العالمية بدل الولاء لله ورسوله والذين آمنوا.

*** / ***

ولهذا السبب أيها الأعزاء، يناصب الصهاينة العرب ومن يدور في فلكهم من الساسة المنافقين والإعلاميين المرتزقة والكتبة تجار الحرف العداء لحزب الله، ويعملون بكل ما أوتوا من قوة وإمكانات مادية مهولة لمحاصرته من خلال اتهامه بالإرهاب، وتنشط امبارطوريات إعلامهم العاهر ليل نهار لتشويه سمعته والتشكيك في عقيدته الدينية وولائه، وبلغ بهم الجهل مبلغه حين كفروه في تطاول سافر على شأن من شؤون الله دون سواه، ووصفوه بحزب الشيطان برغم من أنه يعلن العداء لـ”الشيطان الأكبر”، ويواجه أقنعته الثلاثة الممثلة في “إسرائيل” أولا، والإرهاب التكفيري ثانيا، والداعشية السياسية التي تروج لها مملكة القهر والشر “السعودية” في المنطقة ثالثا..

والسبب في كل هذا الحقد والحنق والعداء يا سادة يا كرام، هو أن حزب الله ارتكب جريمة العصر وكل العصور، حين أحدث ثورة في العالم العربي والإسلامي على مستوى العقيدة والمفاهيم الثقافية السائدة، فلامس بذلك حدود الممنوع الخوض فيه بالسياسة، والمحظور الحديث عنه في الإعلام، والمسكوت عنه في الدين..

ومن حيث يدري أو لا يدري، أثار حزب الله عداء الغرب والأنظمة العربية العميلة، حين تحول بخطابه الصادق وانجازاته المدهشة إلى خطر جسيم يهدد منظومة المصالح المافيوزية للسلطات الرجعية القائمة، ومنظومة العلاقات الدولية السياسية والإقتصادية المبنية على ضوابط التبعية والإستغلال، ومنظومة القيم العنصرية والرجعية التي تحكم العلاقة بين الشعوب والحكام العرب..

وبهذا المعنى، فالزلزال الكبير الذي أحدثه حزب الله على مستوى الوعي، اعتبر ثورة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، غيرت المشهد في العالم العربي بالكامل، وشكلت تحولا نوعيا في الحياة السياسية والثقافية والدينية للشعوب المدجنة المقهورة، إيذانا بنهاية مرحلة قديمة مظلمة طبعها الخنوع والإستسلام والذل والهزيمة، وبداية مرحلة جديدة مشرقة وواعدة مفعمة بالأمل والثقة في النفس ومبشرة بالإنتصارات النوعية العظيمة..

وعليه، فمن يعتقد أن الربيع العربي قد انتهى بانتشار الإرهاب الوهابي التكفيري لتقسيم المنطقة، إنما يقرأ الواقع وتطورات الأحداث من زاوية ضيقة، لأن الربيع العربي الذي تفجر في الشوارع تمت سرقته والركوب عليه لتحويل أهدافه عن مسارها الحقيقي، لكنه لما ينتهي بعد، لأن الزلازل لا زالت تضرب في كل مكان وبقوة، وقد تتعثر ثورات الشعوب في بعض المحطات، لكن الطوفان قادم لا محالة وإن تأخر بعض الوقت، في انتظار أن تنهار دول وتسقط أنظمة وتتفكك جيوش وأجهزة وتتمزق شعوب وتندثر قبائل، لأن التقسيم الجيوسياسي الذي قام على المصالح الإستعمارية زمن ‘سايكس وبيكو’ قد انتهى، وهم يحاولون اليوم إقامة خرائط جيديدة على أساس فدراليات طائفية ومذهبية لإضعاف العرب والمسلمين والحؤول دون إقامة وحدة إسلامية بمشروع حضاري كوني منافس لمشروع الغرب الإستعماري..

هذا هو سبب التقسيم القائم اليوم على قدم وساق في المنطقة، لكن سنة الله في الكون والخلق تأبى ذلك وفقا لنظرية “الزيادة والنقصان” القرآنية التي تعني سقوط حضارات وصعود أخرى كما شرحها إخوان الصفا وخلان الوفا قبل ابن خلدون بـ 400 سنة..

هذه النظرية التي تقوم على التدافع بين الناس، ها نحن نراها اليوم تتجلى واضحة للعيان في ما يقوم به حزب الله ومحور المقاومة، لأنه لو دفاع هذا المحور المجاهد عن الأمة لسقطت حدود وتفككت دول وتمزقت شعوب وضاعت حقوق وانهارت قيم.. وما دام محور المقاومة ثابت وصامد يجاهد ويقدم التضحيات الجسام ليجنب الأمة السقوط المريع، فسيولد من رحم الدم والنار والمعاناة عالم عربي وإسلامي جديد، لأن الناس تتعلم من الحروب والنكبات أكثر كثيرا مما تتعلم من الكتب، هكذا كان حال أوروبا مثلا، ومن رحم الدم والخراب ولد العالم الجديد كما نعرفه اليوم..

*** / ***

والقطبة المخفية في ما يمكن أن نسميه اليوم بـ”أسطورة” حزب الله، هو أنه نجح في ما فشلت فيه كل الأنظمة العربية الأصولية منها والتقدمية، بشعاراتها الحماسية، ومشاريعها الثورية والنهضوية الوهمية، وجيوشها الكرتونية التي أقامها الإستعمار لحماية عروشها لا للدفاع عن الأوطان وقضايا الأمة المصيرية..

والحقيقة أنه ما كان ليحدث ما حدث اليوم لولا نجاح الحزب بعد التحرير، في أسقاط مشروع الشرق الأوسط الجديد بهزيمته للجيش الصهيوني في حرب تموز/آب 2006، التي نحيي اليوم ذكراها المجيدة، وهو الجيش الجبان الذي روج له الخطاب الرسمي العربي بأنه لا يقهر، فأثبت حزب الله للعرب والعالم أجمع أنه أهون من بيت العنكبوت..

هذا الإنتصار لم يكن عسكريا فحسب، بل كانت له أبعاد سياسية وإعلامية وثقافية ودينية كبيرة وخطيرة بلا مبالغة، جعلت المواطن العربي يتساءل باستغراب، عن سر نجاح المقاومة الإسلامية في ما فشلت فيه كل الأنظمة العربية..

هنا بدأت أجراس الخطر تدق في الشرق والغرب.. الصهاينة مرتعبون، يراجعون خططهم ويعيدون حساباتهم القديمة فلا يجدون حلا لمعظلتهم الجديدة.. يستنجدون بالصهيونية العالمية والغرب الأطلسي وفي مركز اهتمامهم ورأس أولوياتهم خلاصة نهائية حاسمة تقول، لقد تغيرت التوازنات وتبدلت المعادلات في المنطقة، ولم تعد الرؤية القديمة للصراع بالإستراتيجيات الكلاسيكية تنفع، لأن العدو اليوم هو غير الجيوش العربية المهزومة، إنها منظمة صغيرة بأعداد قليلة وإمكانيات متواضعة أحدثت انقلابا على مستوى العلم والفهم العسكري، فأغيثونا قبل أن نستفيق يوما على هولوكوست جديد في فلسطين، ومنهم من بشر بقرب قدوم يوم الله الأكبر وفق الرؤية التوراتية المعلومة..

ثارت ثائرة الأنظمة الرجعية العربية بدورها، لأن المصيبة عامة حلت بالجميع، فبدأ الحكام الخونة يتحسسون رؤوسهم وكراسي عروشهم مخافة أن يتحول الجواب عن السؤال الذي استبد بعقول الناس إلى سلاح حاسم في يد الشعوب، خصوصا بعد أن بدأت النخب الشريفة تتحدث عن أن انتصار حزب الله على “إسرائيل” برغم قوة الكيان وجبروته ودعم أمريكا والغرب الأطلسي والأنظمة الرجعية العربية له.. لا يمكن تفسيره على أساس أن حزب الله كان أقوى عتادا وعديدا وتكنولوجيا.. بل ما حدث له معنى واحد لا ثاني له، وهو أن السماء كانت تقاتل مع الحزب ولذلك انتصر، بدليل أنك ما ضربت إذ ضربت ولكن الله ضرب، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى… وإلا، فأي نظرية عسكرية غبية يمكنها أن تفسر هذا الإنجاز المعجزة برغم الإختلال الكبير في موازين القوى واكراهات الجغرافيا؟.. هذا لا يستقيم بمقاييس العقل وقوانين المنطق أبدا..

وهذا بالضبط هو ما أعلنه سماحة السيد بمناسبة الإنتصار العظيم يوم 14 آب 2006 حين قال بجملة صادقة مختصرة ومفيدة: «إنه نصر إلهي عظيم”.. مبشرا العرب والمسلمين بأن “زمن الهزائم ولى وجاء زمن الإنتصارات”..

هنا فهمت الشعوب العربية أن عصر المعجزات لم ينتهي، وأن اتصال السماء بالأرض لم ينقطع بانقطاع الرسل والأنبياء، وأن لله في الأرض أولياء شرفاء يوحي لهم بما يشاء ويدعمهم لأنه اصطفاهم من بين عباده المخلصين، وأن الله رحم العرب أخيرا حين بعث فيهم قائدا مجاهدا عظيما، بعقل استراتيجي جبار، وخطاب صادق يثق فيه العدو قبل الصديق، رجل أمين، شريف، صبور، ومحب، يشع نور الإيمان من وجهه، ويفيض كلامه بالحماسة التي يرتعد لها القلب، فتحيي العزائم وتشحد الهمم وتصقل الإرادة وتثير في عروق الشرفاء دماء الخيول العربية الأصيلة..

قائد جمع أسمى مواصفات القيادة، وتجلت فيه أخلاق جده المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام، مكن له تعالى في الأرض ليمد للشعوب جسور الإنتقال من ظلام الإحتلال والعبودية والذل والإهانة إلى نور الحرية والتحرر والعيش بعزة وكرامة، فجعله بذلك حجة على العرب والمسلمين وشاهدا عليهم يوم القيامة..

فحمدا لله على هذه النعمة العظيمة، وشكرا لحزب الله الذي أذاقنا طعم الإنتصار وأشعرنا بالعزة والكرامة، والخلود لشهدائنا العظام، وألف سلام وتحية لسماحة السيد إمام المقاومة الذي بعث فينا الأمل بعد اليأس، وأيقضنا من سباتنا الطويل، وأنار لنا الطريق حين طرد من عقولنا عتمات الجهل القديم، ومكننا من أن نكون شهودا على عصر جديد عاصف (وعسى أن تكرهوا…)، ستولد من مخاضه حتما أمة حرة عزيزة كريمة، سلاحها العلم والمعرفة، وغايتها أن يعم العدل والسلام بين الناس..

هذه هي أمة الأخلاق المحمدية الراقية، لا شرقية ولا غربية، ليس فيها هلال منير ولا قمر مظلم، بل فقط كوكب ذري يشع بنور ربه يُضِيءُ الكون محبة وجمالا..

شاهد أيضاً

موسوعة شهداء العراق فيلق بدر – 32 أبوآمنة الخفاجي

الشهيد محمد صادق عزيۣزٛ فاضل السالم  من مواليد 1968م، محافظة البصرة قضاء المدينة، أطل على ...