الرئيسية / تقاريـــر / التقارب الايراني المصري فزاعة للسعودية-إسلام أبو العز

التقارب الايراني المصري فزاعة للسعودية-إسلام أبو العز

عقب وفاة الملك السعودي السابق، عبد الله بن عبد العزيز، واستلام سلمان بن عبد العزيز وجناح السديريين سدة الحُكم، لزم مما لزم إعادة تقييم سياسة العلاقات بين الرياض والقاهرة واستمرارها، خاصة بعد تعديل سياسة الملك السابق، والذي كان رسم منذ 2013 خط دعم مفتوح لنظام ما بعد الثلاثين من يونيو/حزيران، ثم الرئيس عبد الفتاح السيسي، سياسياً وإعلامياً والأهم اقتصادياً. أساس هذا التعديل استدارة المنظومة السديرية بإيجابية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، عقب عام وأكثر من سياسة الملك السابق العدائية ضد الجماعة في مصر ومختلف الدول العربية، وذلك خشية تغوّل دور الجماعة وداعيمها الإقليميين؛ تركيا وقطر على نفوذ المملكة. ثم إن تعديل سياسة الرياض تجاه الجماعة أتى لحاجتها لحشد جهودها مع أنقرة والدوحة لمواجهة  محور المقاومة؛ في سوريا واليمن والعراق، وضم الجماعة إلى تكتل على أرضية طائفية يمثل سُنة المنطقة ضد شيعتها.

غني عن الذكر أن الاستدارة السابقة وترت العلاقة بين القاهرة والرياض، وحاول تيار الإخوان استغلال هذا التوتر واستثماره لصالحهم، بغية التأكيد على الانقسام الذي حدث في تحالف العاصمتين بعد الثلاثين من حزيران\يونيو والإطاحة بحكم الجماعة في مصر للوصول بهذا التوتر إلى حد الخلاف، الذي يعني للقاهرة أن حليفها الأساس والداعم الاقتصادي الأول للنظام الجديد قد سحب يده من تنفيذ تعهدات الملك السابق، وكذلك بحث الأخيرة عن بديل لهذا الحليف أو بالأحرى هوامش مناورة أخرى تجعل الرياض تفكر في عواقب تخليها عن تعهداتها وقبلها موقفها الجديد من الجماعة التي بنى النظام الجديد في مصر شرعيته وشعبيته على الإطاحة بها.

ايران ومصر

بين هذا وذاك، جاء التلويح بتقارب بين القاهرة وطهران من جديد ليصل ما تم قطعه بين الجماعة والرياض، حيث لجأ الإخوان مجدداً إلى ورقة تطبيع العلاقات بين مصر وإيران، كمحفز لزيادة الهوة بين النظامين المصري والسعودي، فعجت وسائل إعلام الجماعة والدول الداعمة لها إبان الأشهر الماضية بتسريبات وتصريحات وأخبار وتكهنات بنية النظام المصري تطوير علاقته مع إيران ومحور المقاومة، رداً على نكوص السعودية بالتزاماتها تجاه مصر وتجاوبها على حساب الأخيرة مع جماعة الإخوان، ووفر مصداقية هذه الحملة الإعلامية نجاح طهران في الاتفاق النووي، وترحيبها الدائم بخيارات الشعب المصري في 2011 و2013، وتهنئة السيسي بانتخابه رئيسا لمصر وتشديد مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي حضر حفل تنصيب السيسي كمندوب عن الرئيس الإيراني على أهمية بأن تكون العلاقات بينها وبين القاهرة على مستوى حجم وأهمية البلدين.

الواقع أن الإخوان غاب عنهم كغيرهم أن العلاقات بين السعودية ومصر علاقة عضوية بحكم الجغرافيا بالحد الأدنى، وأن تاريخ العلاقة بينهما يقول أن في أشد مراحل تدهور العلاقات بينهما في الستينيات إبان حرب اليمن الأولى لم تصل العلاقات إلى حد القطيعة، ولذلك وأكثر لم يكن حضور ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان حفل تخرج الكليات العسكرية بدعوة رسمية من السيسي سوى إعلان أن العلاقات بين البلدين وبين النظامين جيدة وإلى تطور وتعاون وتلاقي بينهما في شتى الملفات الإقليمية، بما فيها ملف الأزمة السورية، التي قيل أيضاً في فترة التوتر بين القاهرة والرياض أن السيسي يخالف المسعى السعودي ويذهب منفرداً بحثاً عن حل سياسي للأزمة السورية باستضافته لأطياف المعارضة السورية في القاهرة منذ بداية العام الجاري، ليتضح الأمر بعد دوران المبادرة الروسية الأخيرة، أن بين مصر والسعودية توزيع أدوار، وإن وجد تباين لدى كل منهما خاصة بما يتعلق بعقيدة الأمن القومي المصري، حيث تقسيم سوريا وانهيار الدولة هناك خطراً على أمن مصر.

هنا يبرز سؤال بديهي: ما أساس دخول إيران في معادلة العلاقات المصرية-السعودية؟..

الواقع أن المتغير الرئيس في معادلة العلاقة بين البلدين منذ بداية العام لم يكن إيران، بل كان جماعة الإخوان المسلمين، كما كانت أيضاً المتغير الأهم عقب الثلاثين من يونيو والإطاحة بها. ناهيك عن أن إيران لم تكن عاملا رئيسا في المعادلة سابقة الذكر في أي وقت من تاريخ العلاقة بين القاهرة والرياض، بل أن بعد الثورة الإسلامية في إيران وما حدث بعدها من استضافة السادات للشاه واستعداء الأول للثورة هناك جاء بتأثير النفوذ الأميركي على نظام السادات عشية كامب ديفيد وذهاب القاهرة تحت قيادته إلى تبعية قرار واشنطن – ما يشي بأن علاقة جيدة بين الجمهورية الإسلامية ومصر خط أحمر أميركي – وهو ما استمر حتى الإطاحة بنظام مبارك، الذي شهدت آخر سنوات عهده تلاقي مع الرياض ضد طهران، كمحصل بديهي لدول “الاعتدال” على ضوء السياسات الأميركية المستكبرة في المنطقة، ولكن حتى هذا لم يكن إلا على هامش العلاقة بين السعودية ومصر وليس في متنها.

وللإجابة عن التساؤل السابق ينبغي الرجوع إلى عشية ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، وموقف السعودية منها، وصعود الإخوان ووصولهم إلى السلطة وكيفية استغلالهم لورقة تحسين العلاقات مع إيران وتطبيعها كورقة مساومة مع السعودية المناهضة لهم -ولثورة يناير- والمتضررة من تصاعد نفوذ تركيا وقطر في المنطقة على إثر “الربيع العربي” الذي أوصل جماعة حليفة لهم لحكم دولة محورية كمصر ظلت تشكل في الثلاثة عقود الأخيرة مع السعودية حلفاً لصيقاً، وبالتالي فإن مفاقمة هذا إلى الحد الذي تطبع فيه مصر تحت حكم الإخوان علاقتها مع الخصم الأول للمملكة مثل كابوساً سياسياً لآل سعود، وهو ما قد يفسر إصرار الملك عبدالله ومنظومته في شهورها الأخيرة على دعم كل مجهود إقليمي يرمي  للإطاحة بالإخوان ونفوذهم.

لكن هل كانت جماعة الإخوان جادة في وضع العلاقات المصرية-الإيرانية في مسارها الطبيعي؟ خاصة وأن طهران كانت منذ 2011 ترغب في تطوير العلاقات مع مصر ولكن ليس بغية حلها محل السعودية كما صور الإخوان بذلك بعد الثلاثين من يونيو. يجيب على ذلك مسلك وسلوك الجماعة منذ توليها السلطة وحتى الإطاحة بها فيما يخص العلاقات مع إيران والتناقض بين الإدعاء بتطويرها والممارسة التي أثبتت عكس ذلك، حيث البداية بالتلويح بتطبيع العلاقات مع إيران كفزاعة للسعودية لجلب الدعم أو كف المناهضة، والتأكيد للقاعدة الشعبية للإخوان والتي تكونت وقتها من تيارات سلفية طائفية أن ذلك لبحث “نجدة أهل السُنة في سوريا” مروراً إلى اعتماد المعزول محمد مرسي لخطاب طائفي في كلمته بقمة دول عدم الانحياز التي عُقدت في طهران 2012، وصولاً إلى كارثة مؤتمر “نًصرة سوريا” الذي عُقد عقب انتصارات القُصير وقبل الإطاحة بمرسي بأيام، والذي حُشد له من قاعدة الإخوان الشعبية سابقة الذكر، والذي بالبداهة لا يعبر عن أي تقارب بين القاهرة وطهران. بل أن حتى هذه الفزاعة انقلبت عليهم وجعلت السعودية تمضي في دعمها للإطاحة بالإخوان حتى بعد قبول الجماعة ضمناً وتصريحاً بالمشاركة في المخطط الأميركي-الخليجي لشن حرب على سوريا في صيف 2013.

 

تفسير وإيضاح السابق يكمن في أن ورقة تحسين العلاقات بين مصر وإيران كانت ضمن عدة أوراق مناورة اُستخدمت في الصراع بين السعودية وقطر وتركيا وجماعة الإخوان منذ “الربيع العربي”، وما لبث أن استمرت بعد الثلاثين من يونيو بين محوري مصر-السعودية-الإمارات و قطر-تركيا- فلول الجماعة وتبدل ذلك بعد وفاة الملك عبدالله ثم عودة الأمور إلى ما كانت بعد المبادرة الروسية وحاجة السعودية لمصر كوسيط مقبول، فكل ذلك كان ولا يزال بمعزل عن محور المقاومة الذي إن اهتم بشيء من السابق خلال السنوات الثلاث الماضية خارج معركته في سوريا والعراق، كان هذا الشيء هو قطاع غزة الذي وقع بين المحاور المتصارعة، وتجلى ذلك إبان العدوان الإسرائيلي الأخير، فدور محور المقاومة وقتها كما جاء على لسان السيد حسن نصر الله في حديثة لصحيفة الأخبار اللبنانية في أغسطس/آب العام الماضي من أجل غزة، حيث قال سماحته أن غزة وقعت بين محورين متصارعين، وأنه اقترح على الإيرانيين إجراء اتصالات مع مصر وتركيا وقطر لحلحلة موقف الوساطة المتأزم وقتها. وهو ما يعني أن إيران تحديداً ومحور المقاومة بشكل خاص لا يتلهف إلى التدخل في هذا الصراع بين المحورين سابقي الذكر، وأن مسألة فتح قنوات اتصال مع طرف من هذا المحور أو ذاك لا تحدث إلا خدمة لقضايا محور المقاومة الأساسية وعلى رأسها فلسطين.

الخلاصة أن إرهاصات التقارب المصري الإيراني التي بدأت منذ 2012، لم تكن إلا لغرض المناورة والمساومة وليست إرادة حقيقة لم يكتب لها حتى الآن أن تنفذ على أرض الواقع، بل وعلى أثر التغيرات العاصفة في المنطقة فإنها مسألة مؤجلة إن لم تكن مستبعدة تماماً بسبب نفوذ الرياض وقبلها واشنطن على القاهرة، وإن صدى هذه الإرهاصات غير النافذة أتى من جانب جماعة الإخوان والدول الداعمة لها بغية زيادة الفجوة والجفوة الطارئة منذ وفاة الملك عبدالله بين مصر والسعودية، والتي تعني زيادة التقارب بينهم وبين المملكة التي بدل السديريين سياستها الخارجية على النحو السابق ذكره.

باختصار كان أمام مصر إزاء الضغط السديري بالمصالحة مع الإخوان أوراق مناورة ليس من ضمنها الانفتاح على إيران بالدرجة التي صورتها جماعة الإخوان، بل يمكن القول في هذه اللحظة أن سوء العلاقات بين مصر السيسي والسعودية أنما يصب في عكس مصلحة إيران، حيث يقابل ذلك انسجام تام بين الرياض وتيار الإخوان في المنطقة يرسخ من فكرة الصراع الطائفي لا السياسي بين السعودية وإيران. ولكن هل ينفي ذلك أن هناك دواعي وربما حاجة لتقارب بين القاهرة وطهران وإرادة إنفاذ ذلك؟ بالطبع لا ولكن يفرد لذلك مقال منفصل.

 

المصدر – موقع العهد