الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية -بعض نماذج التأسّي السيّئ في مجتمعنا

مواعظ قرآنية -بعض نماذج التأسّي السيّئ في مجتمعنا

هذه بعض النماذج لأمور استفحلت في أجوائنا وبين شبابنا وفتياتنا إلى حدٍّ كبير، وقُلنا بعض النماذج لأنّ التأسّي السيّئ قد يكون مستشرياً في مجتمعاتنا في مناحٍ متعدِّدة وبأشكال وأساليب متنوّعة إلى درجة قد يصعب استقصاء نماذجها:

 

1ـ طريقة اللباس والتجديد للمقتنيات بحسب الموديلات

 

أوّلاً: يستلزم الاستهلاك المذهل الّذي يقوّي اقتصاد الغرب المستعمر وشركاتهم المصنّعة فهم المصمّمون والمنتجون ونحن المستهلكون لمنتجاتهم والمنفقون لبضائعهم. ولا خير في أمّة مستهلكة تُتلف وتُجدّد، أو حتّى تُجدّد من دون إتلاف بل فقط جرياً وهرولة وراء الموديلات الّتي هي فكرة ماكرة لترويج وبيع أكبر كمية ممكنة ممّا تُنتجه معاملهم ومصانعهم.

 

 

21- سورة الأحزاب، الآية: 21.

ثانياً: الخروج عن الكثير من عاداتنا ومبادئنا في اللباس وطريقته وشكله ولونه، وتطبيق ما صمّمه هؤلاء.

 

فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم علّمنا الأمور المستحبّة الحميدة فيما يتعلّق باللباس، والألوان، وطريقة اللّبس، ومقدار ما يُنفق عليه، وكيفيته بأن يكون محتشماً، إلى غير ذلك، وبالمقابل تجد اللّباس غير المحتشم للفتيات والشباب، بل وغير العقلائيّ كأن يكون البنطال ممزّقاً من أماكن محدّدة مثلاً، أو قد زال صبغه من بعض الأماكن دون بعضه الآخر، أو يُظهر قسماً من الظهر، أو طويلاً يجعل جزءاً من أسفله ملتقطاً لما يمرّ به من أوساخ الأرض..

 

أو يجعل الشعر بطريقة مقزّزة تُعيد الإنسان إلى العصر الحجريّ والقرون الوسطى. والرسول الأسوة صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “من اتّخذ شعراً فليحسن ولايته أو ليجزّه”22. وقال لأحدهم لم يمتشط ما مضمونه: أما عندك ممشاط! مستنكراً عليه أن يخرج إلى المجتمع من دون أن يُمشّط شعر رأسه.

 

2- التأسّي بالرياضيين وما يُسمّى بالفنّانين

 

وهذا لشدّة ما يروّج له إعلامياً يستلب الألباب عند شريحة عظمى من أبنائنا وبناتنا بل وحتى قسم من الكبار للأسف.

 

فترى فلاناً يُقلّد من يتّخذه المثل الأعلى له من الرياضيين أو ما يُسمّى بالفنّانين في لباسه وفي طريقة مشيه وكلامه وطريقة قصّه لشعره..الخ

 

ويُتلف الوقت والمال على تشجيع الفنّان، واقتناء صوره وما يتعلّق به ويرمز إليه، ويزهو بنفسه فخراً عندما يشتري سترة لا تُساوي فلسين بمبلغٍ من المال فقط لأنّها عليها اسمه أو تحمل صورته، ويدخل في المنازعات والخصومات لأجله. هل تجد أيّها العاقل تسخيفاً للعقول وتسفيهاً للأحلام أكثر من ذلك؟

 

 

22- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 2، ص 129.

 3- التأسّي بالعادات الاجتماعية أفراحاً وأتراحاً

 

طريقة العرس أو مناسبات الفرح وتفصيلاتها..

 

وهذا أيضاً لا يقلّ عن أضرابه ممّا ذكرنا، فإنّك تقضي عجباً من إنسان يعدّ نفسه في المجتمع من المثقفين، أو من المحسوبين على التديّن والمتدينين، يُصبح فجأة في موقف من المواقف الاجتماعية مرهوناً لبروتوكولات وعادات لا يُدرى مصدرها قد تعارف جملة من الناس على فعلها وتطبيقها حرفاً بحرف، وإن لم يقم بها بل وإن أخلّ بحلقة من حلقاتها فإنّه يخاف أن يُصبّ الويل والثبور عليه من الآخرين بأنّ عرسه أو مناسبته لم تكن بالمستوى المطلوب، فيجد نفسه سجين قضبان التأسّي الفارغ سواء أقنع نفسه به أم أقدم عليه خوفاً من دون اقتناع.

أليس الحريّ بالمؤمن الّذي يحترم مبادئه وقيمه أن ييمّم وجهه شطر كتاب الله وسنّة رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، فيستخرج الدرر منها ويجري على مقتضاها الّذي هو أصل الفطرة الّتي فطر الله الناس عليها، فيكتسب البركة ويجني رضا الله تعالى ويكون قد احترم نفسه وتقاليده وقيمه ولم يُقلّد تقليداً أعمى ولم يذهب إلى أسوة سيّئة؟

 

4- التأسّي بالمناسبات والأعياد

 

إنّ ديننا دين القيم والشفافية والوجدانيات والعواطف المقدّسة، دين الرقّة والأحاسيس الّتي لا تتنافى مع حكم العقل والشرع. وقد جُعلت مناسبات للتعبير عن هذه المشاعر الإنسانية الراقية الّتي ترقى فيها المعاني والمضامين السامية، فليس عندنا نقص ولا جدب ولا جفاف في مناسباتنا المعبِّرة الّتي تربطنا بالمعاني المقدّسة حتّى نستمدّ ونسترفد ونستورد من الآخرين مناسبات وتعبيرات.

 

فلماذا نُقلّد بمناسبة قد أسموها باسم يُعبِّر عن الحبّ “عيد العشّاق”؟ أليس قد

 ورد عن المعصومين عليهم السلام “وهل الدِّين إلا الحبّ”23 ، وكم هي مناسباتنا كثيرة الّتي يُمكن أن نُعبّر فيها عن حبّنا العفيف تجاه من نحبّ.

 

وليس الحبّ الّذي في عقيدتنا إلا العفاف والطهر بين أطراف تجمعهم علاقات شرعية بخلاف ما وضع من قبل الآخرين، فإنّهم لم يُقيموا وزناً للعقد الشرعيّ فشمل الحبّ عندهم العلاقة غير الشرعية، نستجير بالله. فكيف تتبنّى أيّها المؤمن هكذا مناسبة موضوعة من هكذا أناس لتُعبِّر فيها عن حبّك الّذي هو الطهر بعينه؟

 

وكذلك فيما يُسمّى بعيد رأس السنة أو أعياد الميلاد، فما الخلفية المقدّسة للسنة الميلادية كي أتخذ ليلة رأس السنة ليلة متميّزة، أحسب لها الحساب قبل مدّة من الزمن؟ هل فقط لأنّ الكثيرين في العالَم يُحيونها فأنا عليّ أن لا أكون غيرهم؟!

 

هذا المنطق عجيب. فلو أنّ لهؤلاء عيداً للفاحشة هل كنت لتقول أنا عليّ أن لا أنفرد عنهم! هذا منطق الغوغاء من الناس الّذين أعاروا تفكيرهم للآخرين ولم يحترموا إنسانيتهم.

وبالفعل إنّ رأس السنة هو عيد الفواحش يكثر فيه الزنا وشرب الخمر ولعلّ أكثر ليلة يُعصى فيها الله تعالى هي تلك الليلة !

 

أخيراً نقول: إنّ الّذي يقبل شيئاً من دون تفكير فقد بخس الشيء الّذي أكرمه الله به وفضّله لأجله على جميع المخلوقات وهو التفكير والتعقُّل، فكما أنّ ادّعاء شيء بلا دليل قبيح وليس له قيمة، فكذلك أخذ شيء وتبنّيه من دون دليل فهو تسخيف للعقل وللإنسان.

 

 

23- الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 80.