الرئيسية / الاسلام والحياة / في صفات المؤمنين – الحسن بن ابي الحسن الديلمي

في صفات المؤمنين – الحسن بن ابي الحسن الديلمي

19

ومن كلام له في المعنى :
قاله لذعلب اليماني ، وقد سأله : هل رأيت ربك ؟ فقال . أفأعبد من (1)لا أرى؟ ! قال : وكيف تراه ، قال : لاتدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين متكلم لا بروية، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لايوصف بالخفاء، كبير لايوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لايوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته ، وتوجل (2) القلوب من مخافته (3).
الذي (4) لم يسبق له حال حالا، فيكون أولا قبل أن يكون اخرا، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطناً كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه مابعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام ، وكل ظاهرغيره غير باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور، ولا شريك مكاثر(5)، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء فيقال : هوفيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ماذرأ، ولاوقف به عجزعما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر وقضى ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وأمر مبرم ، المأمول مع النقم ، المرهوب مع النعم (6).
____________
1 ـ في النهج : ما.
2 ـ في النهج: وتجب .
3 ـ نهج البلاغة 2 : 120 | 174 .
4 ـ في النهج : الحمد لله الذي.
5 ـ في النهج : مكابر.
6 ـ نهج البلاغة 1: 107 | 62 . وفيه من : الذي لم يسبق .

ومن كلام له عليه السلام في التوحيد :
عن مقدام (1) بن شريح بن هانىء ، عن أبيه قال : إن أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين ، أتقول ان اللّه واحد؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي ، أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب !؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هوالذي نريده من القوم» .
[ثم ](2) قال : «يا أعرابي ، إن القول في أن اللّه واحد، على أربعة أقسام : فوجهان منها لايجوزان على اللّه تعالى، ووجهان يثبتان فيه .
فأما اللذان لايجوزان عليه : فقول القائل : واحد، يقصد به باب الاعداد، فهذا مالا يجوز، لأن مالا ثاني له لايدخل في باب الم لاعداد، أما ترى أنه كفرمن قال : ثالث ثلاثة! وقول القائل : هوواحد، يريد به النوع من الجنس ، فهذا مالا يجوز، لأنه تشبيه ، جل ربنا عن ذلك وتعالى .
وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه : فقول القائل : هو واحد ، يريد به ليس له في الأشياء شبه ولا مثل ، كذلك اللّه ربنا. وقول القائل : انه تعالى واحد، يريد أنه أحدي المعنى، يعني أنه لاينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك اللّه ربنا عزوجل »(3) .
وروى أن رجلا قال له : يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال : «بفسخ العزم ونقض الهم ، لما ان هممت فحال بيني وبين همي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، علمت أن المدبرلي غيري» .
قال : فبماذا شكرت نعماءه ؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرفه عني وابلى به غيري ، وإحسان شملني به ، فعلمت أنه قد أباه علي فشكرته» .
قال : فبماذا أحببت لقاءه ؟ قال : «رآيتة قد اختار لي دين ملائكته ورسله ،
____________
1 – في الأصل : مقداد، وما أثبتناه هو ألصواب ، وهو المقدام بن شريح بن هانىء بن يزيد الحارثي الكوفي ، روى عن أبيه، وعنه اسرائيل . «تهذيب التهذيب 10 : 287 | 504 ، تقريب التهذيب 2 : 272 | 1349 » .
2- أثبتناه من التوحيد.
3 – رواه الصدوق في التوحيد 83: 3، والخصال 2 : 1 ، ومعاني الأخبار5 : 2 .
===============

 

فعلمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحبيت لقاءه »(1).
ومن خطبه له عليه السلام في التوحيد:
الحمد للّه الذي لاتدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولاتحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه ، وبحدوث خلقه على وجود، ، وباشباههم على أن لا شبه له، الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدل عليهم في حكمه، مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته ، وبما وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه .
واحد لابعدد ، ودائم لابأمد، وقائم لابعمد ، تتلقاه الأذهان لابمشاعرة، وتشهد له المرائي لابمحاضرة، لم تحط به الاوهام ، بلى تجلى لها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها، ليس بذي كبرامتدت به النهايات فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً، بل كبرشأناً وعظم سلطاناً.
و أشهد أن محمداً عبده المصطفى، وأمينه الرضي صلى اللّه عليه [ واله ] وسلم ، أرسله بوجوب الحجج ، وظهور الفلج ، وإيضاح المنهج ، فبلغ الرسالة صادعا بها، وحمل على المحجة دالاً عليها، وأقام اعلام الاهتداء ومنار الضياء، وجعل امراس الاسلام متينة، وعرى الإيمان وثيقة (2).
وقال عليه السلام:
من عبداللّه تعالى بالوهم ان يكون صورة أوجسماً فقد كفر، ومن عبد الاسم دون المعنى فقد عبد غير اللّه ، ومن عبدالمعنى دون الإسم فقد دل على غائب ، ومن عبدالاسم والمعنى فقد أشرك وعبد إثنين ، ومن عبد المعنى بوقوع الإسم عليه ، يعقد به قلبه ، وينطق به لسانه ، فذلك في ديني حقاً ودين آبائي.
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، أبومحمد الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، أعانه اللّه على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته ، وحشره مع أئمته : إن ذات اللّه تعالى معروفة بالعلم ، غيرمدركة بالإحاطة، ولامرئية بالأبصار، فهي ثابتة في العقول من غير حد ولا إحاطة ولا حلول ، قد حجب سبحانه الخلق أن يعرفوا له كنه ذات ، ودلهم
____________
1 – رواه الصدوق في التوحيد: 288 | 6.
2 – نهج ألبلاغة 2 : 137 | 180 .

شاهد أيضاً

في صفات المؤمنين – الحسن بن ابي الحسن الديلمي

21 تفسير سورة الإخلاص (قل هواللّه أحد) معناه أنه غيرمبعض ، ولا مُجَزّأ، ولا موهم ...