الرئيسية / القرآن الكريم / مفاهيم القرآن الكريم

مفاهيم القرآن الكريم

نظرية الحكم عند النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم-
دلّت البحوث السابقة على أنّ الشورى والبيعة ليسا أساس الحكم، فحان البحث لبيان نظرية الحكم في كلمات النبيّ – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- .

والسبر في كلماته طيلة حياته من البعثة إلى الوفاة، يُثبت أنّ الاِمامة عنده كالنبوة أمر موكول إلى اللّه تبارك و تعالى وليس للاَُمّة حتى النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- فيها دور.

إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- وموقفه من قضية القيادة، تعرب عن أنّه كان يعتبر أمر القيادة وتعيين القائد مسألة إلهية وحقاً إلهياً، فاللّه سبحانه هو الذي له أن يعّين القائد و ينصب خليفة النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- بعد رحيله، نجد ذلك في كلماته بوفرة ولا نجد في كل ما نقل عن النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- ما يدل على إرجاع الاَمر إلى اختيار الاَُمّة ونظرها، أو آراء أهل الحلّ والعقد، وها نحن نذكر هنا شاهدين من كلمات الرسول يكشف الستار عن وجه الحقيقة.

1. لما عرض الرسول – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- نفسه على بني عامر الذين جاءوا إلى مكة في موسم الحجّودعاهم إلى الاِسلام. قال له كبيرهم: أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك اللّه على من خالفك أيكون لنا الاَمر من بعدك؟
——————————————————————————–

( 107 )
فقال النبي صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم: «الاَمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء».(1)

2. لما بعث النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- سليط بن عمرو العامري إلى ملك اليمامة(هوذة بن علي الحنفي) الذي كان نصرانياً، يدعوه إلى الاِسلام وقد كتب معه كتاباً، فقدم على هوذة، فأنزله وحباه وكتب إلى النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- يقول فيه: (ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي، وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الاَمر أتبعك).

فقدم سليط على النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- وأخبره بما قال هوذة، وقرأ كتابه، فقال النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : « لو سألني سيابة من الاَرض ما فعلت، باد وباد ما في يده».(2)

و نقل ابن الاَثير على نحو آخر، فقال: أرسل هوذة إلى النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- وفداً فيهم مُجاعةبن مرارة والرّجال بن عنفوة ، يقول له:

إن جعل الاَمر له من بعده أسلم وصار إليه ونصره، وإلاّقصد حربه.

فقال رسول اللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : «لا ولا كرامة، اللّهم اكفنيه»، فمات بعده بقليل.(3)

إنّ هذين النموذجين التاريخيين اللَّذين لم تمسّهما يد التحريف والتغيير يدلاّن بوضوح كامل على أنّ روَية النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- في مسألة الحكم والخلافة هي انّها أمر سماويّ خارج عن صلاحيته، فالاِرجاع إلى اللّه وضرب الصفح عن الشورى والبيعة أو الاستفتاء العام خير دليل على كونه منصباً إلهياً، والعجب انّه لم يكن هذا رُوَى النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- في مورد الحكم فقط بل كانت الصحابة بعد رحيله يسيرون على هذا النهج غير انّهم بدّلوا التنصيب الاِلهي بتنصيب الخليفة لمن يقوم مكانه بعده.
____________

(1)السيرة النبوية: 2|424ـ 425.

(2)الطبقات الكبرى:1|262.

(3) الكامل في التاريخ : 2|146.
——————————————————————————–

( 108 )
3. و هذا هو أبو بكر عيَّن عمر بن الخطاب للخلافة في عهد كتبه عثمان ابن عفان.(1)

4. كما أنّه تم استخلاف عثمان عن طريق الشورى الستة التي عيَّن اعضاءها عمر بن الخطاب.(2)

5. وقد كانت السيدة عائشة تتبنى نظرية التنصيب من جانب الخليفة، وقالت لعبد اللّه بن عمر: يا بني بلِّغ عمر سلامي، فقل له لا تدع أُمّة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً، فانّي أخشى عليهم الفتنة؛ فأتى عبد اللّه إلى أبيه فأعلمه.(3)

والعجب انّ أُمّ الموَمنين التفتت إلى أنَّ ترك الاَُمة هملاً يورث الفتنة، ولكن النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- حسب زعم القوم ـ لم يلتفت إلى تلك النكتة ـ فلقي اللّه سبحانه و ترك الاَُمّة هملاً !!!

6. انّ عبد اللّه بن عمر دخل على أبيه قُبيل وفاته، فقال: إنّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، وزعموا انّك غير مستخلف، وانّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيَّع، فرعاية الناس أشد.(4)

7. قدم معاوية المدينة ليأخذ من أهلها البيعة ليزيد، فاجتمع مع عدّة من الصحابة، وأرسل إلى ابن عمر فأتاه و خلا به، فكلّمه بكلام، قال: إنّي كرهت أن أدع أُمّة محمد بعدي كالضعن بلا راع لها.(5)
____________

(1)الاِمامة والخلافة: 18؛ الكامل في التاريخ:2|292؛ الطبقات الكبرى: 3|200.

(2) الكامل في التاريخ : 3|35.

(3)الاِمامة والسياسة:32.

(4) حلية الاَولياء:1|44.

(5)الاِمامة والسياسة:1|168
——————————————————————————–

( 109 )
هذه النصوص تدل بجلاء على أنّ انتخاب الخليفة عن طريق الاستفتاء الشعبي، أو بمراجعة أهل الحلّ والعقد، أو اتفاق الاَنصار والمهاجرين، أو بالشورى، أو بالبيعة كلها فروض اختلقها المتكلّمون بعد تمامية الخلافة للخلفاء، ولم يكن أي أثر من هذه العناوين بعد رحيل النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- إلاّ شيئاً لا يذكر عند محاجة علي – عليه السّلام- مع المتقمّصين منصَّة الخلافة.

هذه الكلمات تعرب عن أنّنظرية التنصيب هي التي كانت مهيمنة على الاَفكار والعقول.

*بلاغات غير رسمية

لقد بلّغ رسول اللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- خلافة علي – عليه السّلام- بصورة رسمية في غدير خم كما سيوافيك، ولكن لم يكن ذلك البلاغ بصورة عفوية بل هيّأ النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- أرضيته منذ أن صدع بالنبوّة في مواقف مختلفة نذكر منها:

1. دعوة الاَقربين وتنصيب علي للخلافة

يقول المفسرون: لمّا نزل قوله سبحانه: (وَأَنْذِرْعَشيِرَتَكَ الاَقْرَبيِنَ* وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبعَكَ مِنَ المُوَْمِنِين)(1)أمر رسول اللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- عليّ بن أبي طالب – عليه السّلام- أن يعد طعاماً ولبناً ، فدعا خمسةًً وأربعين رجلاً من وجوه بني هاشم، ولما فرغوا من الطعام تكلم رسول اللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- ، فقال: «إنّ الرائد لا يكذب أهله؛ واللّه الذي لاإله إلاّ هو إنّي رسول اللّه إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، واللّه لتموتُنّ كما تنامون، ولتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبُنَّ بما تعملون، وإنّها الجنّة أبداً أو النار أبداً.
____________

(1)الشعراء: 214 ـ 215.
——————————————————————————–

( 110 )
ثمّ قال:

يا بني عبد المطلب إنّي واللّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قدجئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه عزّوجلّ أن أدعوكم إليه فأيُّكم يوَمن بي ويوَازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟

ولمّا بلغ النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- إلى هذه النقطة ، و بينما أمسك القوم وسكتوا عن آخرهم وأخذوا يفكّرون مليّاً في ما يوَول إليه هذاالاَمر العظيم، وما يكتنفه من أخطار قام علي – عليه السّلام- فجأة، وهو آنذاك في الثالثة أو الخامسة عشرة من عمره، وقال وهو يخترق بكلماته الشجاعة جدار الصمت والذهول:

أنا يا رسول اللّه أكون وزيرك على ما بعثك اللّه.

فقال له رسول اللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : اجلس، ثمّ كرّر دعوته ثانية وثالثة وفي كلّ مرة يحجم القوم عن تلبية دعوته، ويقوم علي ويعلن عن استعداده لموَازرة النبي، ويأمره رسول اللّه بالجلوس حتى إذا كانت المرة الثالثة أخذ رسول اللّه بيده والتفت إلى الحاضرين من عشيرته الاَقربين، وقال:

إنّ هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

فقام القوم يضحكون ويقولون لاَبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع وجعله عليك أميراً.(1)

هذا موجز ما ذكره المفسرون والمحدّثون حول الآية، وفي صحاحهم ومسانيدهم.
____________

(1)تاريخ الطبري: 2|62ـ 63، الكامل في التاريخ: 2|40ـ 41، مسند أحمد:1|111، شرح نهج البلاغة: 13|210ـ 211.
——————————————————————————–

( 111 )
وهناك من حرّف الكلم عن مواضعه، أو حرّفها المستنسخون في كتبهم:

1. منهم محمد بن جرير الطبري (المتوفّى عام 310هـ) حيث ذكر في تاريخه حديث بدء الدعوة كما نقلناه غير أنّه حرف الكلم في موضعين:

أحدهما: قول النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : «على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي» وضع في مكانه قوله: «على أن يكون كذا وكذا».

ثانيهما: قول النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : إنّهذا أخي ووصيي وخليفتي» حيث حرّفه إلى قوله:إنّ هذا أخي وكذا وكذا.

ونحن لا نتَّهم الطبري شخصاً بالتحريف، ولكن يحتمل تطرق التحريف إلى تفسيره من جانب النُّسّاخ، بشهادة سرد الواقعة في تاريخه برمّتها دون أدنى تحريف.

2. منهم ابن كثير(المتوفّى عام 774هـ): فقد حرف الكلم عن مواضعه في تفسيره وتاريخه ولم يقتنع بالتحريف في مكان واحد.(1)

ولا نستبعد أن يكون التحريف مستنداً إلى نفس الموَلف لاَنَّ له مواقف معادية من أهل بيت النبوة – عليهم السّلام- .

ومما يثير الاستغراب أن تصدر تلك الهفوة من وزير المعارف المصرية «حسنين هيكل» الاَسبق فقد أثبت في الطبعة الاَُولى من كتابه «حياة محمد» قول النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : أيُّكم يوَازرني على أن يكون أخي و وصيي وخليفتي، ولم يذكر خطاب النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- لعلي – عليه السّلام- عند ما أعلن موَازرته له و هو قوله : إنّهذا أخي ووصيّي وخليفتي.

ولكنّه ارتكب في الطبعات الاَُخرى جناية كبيرة بحذفه كلتا الجملتين من
____________

(1)انظر البداية والنهاية :2|40، تفسير ابن كثير:3|351.
——————————————————————————–

( 112 )
رأس وكأنّ النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- لم يتفوه بها وكأنّ الكاتب لم يذكر إحدى الجملتين في الطبعة الاَُولى، وبذلك أسقط كتابه عن أيَّة قيمة علمية.

فلو كان هذا هو الميزان في ضبط الحقائق لثبت أنّ كثيراً من فضائل آل البيت – عليهم السّلام- لعبت بها يد التحريف الجانية وما بقي ليس إلاّفلتات التاريخ .

2. آية الولاية وخلافة علي

لم تزل الشيعة عن بكرة أبيهم يستدلون على إمامة علي – عليه السّلام- وقيادته وزعامته بعد النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- بقوله سبحانه: (إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرََسُولُهُ وََالَّذِينََ آمَنوا الّذِينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُوَتُونَ الزَّكَاةَ وََهُمْ راكِعُونَ* وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرسُولَهَ وََالّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ) .(1)

استدلت الشيعة بهذه الآية على أنّ عليّاً – عليه السّلام- وليّ المسلمين بعد رسولاللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- ، قائلين بأنّ الآية تعد الولي ـ بعد اللّه و رسوله ـ الّذين يقيمون الصلاة و يوَتون الزكاة في حال الركوع، و قد تضافرت الروايات بأنّعليّاً – عليه السّلام- تصدّق بخاتمه و هو راكع فنزلت الآية في حقّه.

أخرج الحفاظ و أئمّة الحديث عن أنس بن مالك و غيره أنّ سائلاً أتى المسجد و عليٌّ – عليه السّلام- راكعٌ فأشار بيده للسائل، أي اخلع الخاتم من يدي. قال رسول اللّه : يا عمر وجبت. قال: بأبي أنت و أُمّي يا رسول اللّه ما وجبت؟!قال: وجبت له الجنّة، واللّه ما خلعه من يده حتّى خلعه اللّه من كلِّ ذنب و من كلِّ خطيئة. قال: فما خرج أحدٌ من المسجد حتّى نزل جبرئيل بقوله عزّ وجلّ: (إنّما
____________

(1)المائدة: 55 ـ 56.
——————————————————————————–

( 113 )
وليّكم اللّهُ و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يُقيمون الصَّلاة و يُوَتون الزَّكاة و هُمْ راكعون) . فأنشأ حسّان بن ثابت يقول:
أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي * بطيءٍ في الهدى و مسارع

أيذهب مدحي و المحبّين ضايعاً؟! * وما المدح في ذات الاِله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكعٌ * فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّدٍ * و يا خير شارٍ ثمّ يا خير بائع

فأنزل فيك اللّه خير ولاية و قد و كلّ * و بيَّنها في محكمات الشرائع (1)
وقد أخرجه ابن جرير الطبري (2)والحافظ أبوبكر الجصاص الرازي في أحكام القرآن(3) و الحاكم النيسابوري (المتوفّـى 504هـ)(4)و الحافظ أبو الحسن الواحدي النيسابوري (المتوفّـى 468هـ) (5)و جار اللّه الزمخشري (المتوفّـى 538هـ) إلى غير ذلك من أئمّة الحفاظ و كبار المحدثين ربما ناهز عددهم السبعين ، وهم بين محدّث ومفسّر و موَرخ و يطول بنا الكلام لو قمنا بذكر أسمائهم ونصوصهم، و كفانا في ذلك موَلّفات مشايخنا في ذلك المضمار.(6)
____________

(1)بلوغالمرام للبحراني:106، نقلاً عنالحافظ أبي نعيمالاِصفهاني في كتابهالموسوم بـ «نزولالقرآن في أميرالموَمنين – عليه السّلام- ».

(2)تفسير الطبري: 6|186.

(3)أحكام القرآن:2|542 و رواه من عدّة طرق.

(4)معرفة أُصول الحديث: 102.

(5)أسباب النزول: 148.

(6)لاحظ المراجعات للسيد شرف الدين العاملي، المراجعة الاَربعون، ص 162ـ 168 والغدير:3|162، و قد رواه من مصادر كثيرة.
——————————————————————————–

( 114 )
و لا يمكن لنا إنكار هذه الروايات المتضافرة لو لم تكن متواترة، فانّ اجتماعهم على الكذب أو على السهو و الاشتباه أمر مستحيل.

و المراد من الولي في الآية المباركة هو الاَولى بالتصرف كما في قولنا : فلان وليّ القاصر، و قول الرسول – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- «أيّما امرأة نُكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» وقد صرّح اللغويّون و منهم الجوهري في صحاحه بأنّ كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه ، فيكون المراد: انّ الّذي يلي أُموركم فيكون أولى بها منكم إنّما هو اللّه عزّوجلّ و رسوله و من اجتمعت فيه هذه الصفات: الاِيمان و إقامة الصلاة، و إيتاء الزكاة في حال الركوع. و لم يجتمع يوم ذاك إلاّ في الاِمام علي – عليه السّلام- حسب النصوص المتضافرة.

و في حقّه نزلت هذه الآية.

و الدليل على أنّ المراد من الولي هو الاَولى بالتصرّف أنّه سبحانه أثبت في الآية الولاية لنفسه و لنبيّه و لوليّه على نسق واحد، وولاية اللّه عزّوجلّ عامة فولاية النبي و الولي مثلها و على غرارها. غير انّ ولاية اللّه، ولاية ذاتية و ولاية الرسول والولي مكتسبة معطاة، فهما يليان أُمور الاَُمّة بإذنه سبحانه.

ولو كانت الولاية المنسوبة إلى اللّه تعالى في الآية غير الولاية المنسوبة إلى الّذين آمنوا» لكان الاَنسب أن تفرّد ولاية أُخرى للموَمنين بالذِّكر، دفعاً للالتباس، كما نرى نظيرها في الآيات التالية:

قال تعالى: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُوَْمِنُ باللّهِ و يُوَْمِنُ للمُوَمِنِين ).(1)

نرى أنّه سبحانه كرر لفظ الاِيمان، و عدّاه في أحدهما بالباء، و في الآخر
____________

(1)التوبة: 61.
——————————————————————————–

( 115 )
باللاّم لاختلاف في حقيقة إيمانه باللّه، و للموَمنين حيث إنّ إيمانه باللّه سبحانه إيمان جدّي و تصديق واقعي، بخلاف تصديقه للموَمنين المخبرين بقضايا متضادة حيث لا يمكن تصديق الجميع تصديقاً جدّياً، و الذي يمكن هو تصديقهم بالسماع و عدم الرفض و الرد، ثمّ التحقيق في الاَمر، و ترتيب الاَثر على الواقع المحقّق.

و ممّا يكشف عن وحدة الولاية في الآية المبحوثة انّه سبحانه أتى بلفظ «وليكم» بالاِفراد ، و نسبه إلى نفسه و إلى رسوله و إلى الّذين آمنوا، و لم يقل: «إنّما أولياوَكم»، وما هذا إلاّ لاَنّالولاية في الآية بمعنى واحد و هو: الاَولى بالتصرف، غير أنّ الاَولوية في جانبه سبحانه بالاَصالة و في غيره بالتبعية.

وعلى ضوء ذلك يُعلم أنّ القصر والحصر المستفاد من قوله:«إنّما» لقصر الاِفراد ، و كأنّ المخاطبين يظنون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الاَُمة و غيرهم، فأُفرد المذكورون للقصر، و أنّالاَولياء هوَلاء لا غيرهم.

ثمّيقع الكلام في تبيين هوَلاء الّذين وصفهم اللّه سبحانه بالولاية و هم ثلاثة:

1. اللّه جلّجلاله.

2. و رسوله الكريم – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- .

وهما غنيان عن البيان.

3. فبما أنّه كان مبهماً بيّنه بذكر صفاته و خصوصياته الاَربع:

1.( الّذين آمنوا).

2.( الّذين يقيمون الصلاة).

3. (و يوَتون الزكاة) .
——————————————————————————–

( 116 )
و لا شكّ أنّهذه السمات، سمات عامة لا تميّز الولي عن غيره.

فالمقام بحاجة إلى مزيد توضيح يجسّد الولي و يحصره في شخص خاص لا يشمل غيره، و لاَجل ذلك قيّده بالسمة الرابعة أعني قوله:(و هم راكعون) .

وهي جملة حاليّة لفاعل «يوَتون»، وهو العامل فيها. وعند ذلك انحصر في شخص خاص على ما ورد في الروايات المتضافرة.

هذا هو منطق الشيعة في تفسير الآية لا تتجاوز في تفسيرها عن ظاهرها قيد أنملة.

* بلاغ رسمي في غديرخُم

تقدّم أنَّ النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- قد فوَّض في كلامه أمر الخلافة إلى اللّه سبحانه، فقد كان يترصد أمره سبحانه في ذلك المجال حتى وافاه الوحي، وخاطبه بقوله سبحانه: (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْفَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي القَومَ الكافِرين) .(1)

نزلت الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة حجة الوداع فيالعام العاشر منالهجرة، لما بلغ النبي الاَعظم غدير خم فأتاه جبرئيل بها، فقال: يا محمد إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك:(يا أيّها الرَّسُول بَلِّغ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك) وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة، فأمرُه أن يرد من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، وأن يقيم عليّاً – عليه السّلام- علماً للناس ويبلغهم ما أنزل اللّه فيه و أخبره بأنّاللّه عزّوجلّ قد عصمه من الناس.
____________

(1)المائدة: 67.
——————————————————————————–

( 117 )
وقد اتّفقت الشيعة الاِمامية على نزول الآية في يوم غدير خم، وافقهم على ذلك لفيف من المحدّثين والموَرِّخين، فقد ذكر الواقعة الطبري في تفسيره، كما رواها السيوطي في الدر المنثور عن جماعة من الحفاظ، منهم:

1. الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي (المتوفّى 327هـ).

2. الحافظ أبو عبد اللّه المحاملي(المتوفّى 330هـ).

3. الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي(المتوفّىّ 407هـ).

4. الحافظ ابن مردويه (المتوفّى 716هـ)

وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ ، وقد جمع المحقّق الاَميني أسماء من روى نزول هذه الآية في يوم غدير خم من أصحاب السنّة فبلغ 30 رجلاً.(1)

وعلى كلّ حال فقد قام النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- بتحقيق البلاغ في يوم غدير خم، فخطب خطبة، و قال: «أيّها الناس، إنّي أوشك أن أُدعى فأُجِبْتُ، وإنّي مسوَول وأنتم مسوَولون، فماذا أنتم قائلون؟»

قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت، وجهدت، فجزاك اللّه خيراً.

قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلاّاللّه، وأنّ محمّداً عبده و رسوله، وأنّجنته حق، وناره حق، وأنّالموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّاللّه يبعث من في القبور؟»

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قال: «اللّهمّ اشهد»، ثمّ قال: أيّها الناس، ألا تسمعون؟

قالوا: نعم.
____________

(1) الغدير: 1|214 ـ 223.
——————————————————————————–

( 118 )
قال: «فإنّي فرط على الحوض، فانظروني كيف تخلّفوني في الثقلين».

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول اللّه ؟

قال: «الثقل الاَكبر، كتاب اللّه، والآخر الاَصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبَّأني انَّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا».

ثمّ أخذ بيد علي فرفعها، حتى رُوَي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: «أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم؟».

قالوا: اللّه ورسوله أعلم.

قال:« إنّ اللّه مولاي، وأنا مولى الموَمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم.فمن كنت مولاه، فعليّ مولاه» ـ يقولها ثلاث مرات ـ

ثمّ قال: «اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، و ابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».

ثمّ لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي اللّه بقوله:

(اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكُمْ وَأَتْمَمْتُعَلَيْكُمْ نِعْمَتي) الآية، فقال رسولاللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : «اللّه أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي».

ثمّ أخذ الناس يهنِّئون علياً، وممن هنّأه في مقدم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر، كلّيقول: بخ بخ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كلّموَمن وموَمنة.

وقال حسان: ائذن لي يا رسول اللّه أن أقول في عليٍّ أبياتاً، فقال: قل على
——————————————————————————–

( 119 )
بركة اللّه ، فقام حسان، فقال:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخمٍّ واسمع بالرسول منادياً

فقال فمن مولاكم ونبيكم * فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا * ولم تلق منا في الولاية عاصياً

فقال له قم يا عليُّ فإنّني * رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنت مولاه فهذا وليُّه * فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللّهمّ وال وليّه * وكن للذي عادى عليّاً معادياً
فلمّا سمع النبي أبياته، قال: «لا تزال يا حسّان موَيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك».(1)

إنّ النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- وإن أشار إلى ولاية الاِمام علي بن أبي طالب بعد رحيله، فتارة في بدء الدعوة ، و أُخرى في غزوة تبوك(2) ، غير انّما ذكره متقدماً على حديث الغدير لم يكن بياناً رسمياً لعامة الاَُمة بل كانت بلاغات مقطعية، وأمّا في ذلك اليوم فقد قام بإبلاغ المحتشد العظيم على نحو أخذ منهم الاِقرار والاعتراف بولاية علي – عليه السّلام- .

وبذلك أكمل دعائم دينه وأتم نعمة اللّه عليهم كما سيوافيك.

وأمّا تواتر الحديث فحدّث عنه ولا حرج، فقد رواه من الصحابة ما يربو على 120 صحابياً وأمّا من التابعين ما يقارب 84 تابعياً، وأمّا العلماء الذين نقلوه عبر القرون فيزيد على 360 عالماً، تجد نصوصهم و أسماءهم وأسماء كتبهم
____________

(1)الغدير:2|34ـ 42.

(2)حديثالمنزلة: أنت بمنزلة هارونَ من موسى اِلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي.
——————————————————————————–

( 120 )
بتفصيل في كتاب الغدير.(1)

ولا أظن انّ ذا مسكة و من له إلمام بعلم الحديث و قراءة الصحاح والمسانيد ينكر صحة حديث الغدير أو تضافره بل تواتره، ولو أنكره فإنّما أنكره بلسانه لا بجنانه وقلبه اللّهمّ إلاّإذا كان غير ملم بعلم الحديث.

وإنّما المهم دلالة الحديث على ولاية الاِمام وإمامته.

وقد استخدم النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- لفظة «مولى» وقال: «من كنت مولاه » فهي بمعنى أولى، كما في قوله سبحانه: (فَالْيَوْمَ لا يُوَْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَولاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).(2)

والمعنى أولى بكم النار كما فسره غير واحد من المفسرين، وهناك قرائن توَيد على أنّالمقصود من المولى هو الاَولى. الوارد في قوله سبحانه: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُوَْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) .(3)

وهناك قرائن لفظية محفوفة بالحديث وقرائن حالية تثبت انّالمراد من المولى هو الاَولى الوارد في الآية المتقدمة، وإليك تلك القرائن:

القرينة الاَُولى: قوله – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- في صدر الحديث:«أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ» وهو دليل على أنّالمرادمن قوله: «فمن كنت مولاه» هو الاَولى و ذلك لاَنّه رتب الثاني على الاَوّل.

القرينة الثانية: دعاوَه في صدر الحديث: «اللّهم وال من والاه ،و عاد من عاداه» فلو أُريد منه غير الاَولى بالتصرّف فما معنى هذا التطويل؟ فانّه لا يلتئم
____________

(1)الغدير: 1|73ـ 152، تحت عنوان «طبقات الرواة من العلماء».

(2)الحديد: 15.

(3)الاَحزاب: 6.
——————————————————————————–

( 121 )
ذكر هذاالدعاء إلاّبتنصيب علي – عليه السّلام- مقاماً شامخاً يوَهله لهذا الدعاء.

القرينة الثالثة: أخذ الشهادة من الناس، حيث قال – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : «ألستم تشهدون أن لاإله إلاّاللّه وأنّمحمّداً عبده و رسوله» فانّوقوع «من كنت مولاه» في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة والمعاد، يُحقق كون المراد الاِمامة والخلافة الملازمة للاَولوية على الناس.

القرينة الرابعة: التكبير على إكمال الدين حيث لم يتفرقوا بعد كلامه حتى نزل إليه الوحي، بقوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم) فقال رسول اللّه – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- : اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي، فبأي معنى يكمل به الدين وتتم به النعم و يرضى به الرب في عداد الرسالة، غير الاِمامة التي بها تمام الرسالة وكمال نشرها وتوطيد دعائمها.

القرينة الخامسة: نعى النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- نفسه إلى الناس حيث قال : «كأنِّي دعيت فأجبت»، وفي نقل آخر انّه يوشك أن أُدعى فأُجيب، وهو يعطي هذا الانطباع انّ النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- قد بلّغ أمراً مهمّاً كان يحذر أن يدركه الاَجل قبل الاِشارة إليه، و هو يعرب عن كون ما أشار إليه في هذا المحتشد هو تبليغ أمر مهم يخاف فوته وليس هو إلاّالاِمامة.

القرينة السادسة: الاَمر بإبلاغ الغائبين حيث أمر في آخر خطبته بأن يبلغ الشاهد الغائب، فلو لم يكن هذا الاَمر الاِمامة فما معنى هذا التأكيد؟!

إلى غير ذلك من القرائن التي استقصاها شيخنا الاَميني في غديره.(1)

وقد أفرغ أُدباء الاِسلام حديث النبي في قالب الشعر، فترى أنّهم يعبرون عن
____________

(1)الغدير: 1|370ـ 383.
——————————————————————————–

( 122 )
حديث الغدير بقرائضهم وقصائدهم، وفي ذلك دلالة باهرة على أنّ المراد من المولى هي الاَولوية، وها نحن نذكر شيئاً ممّا أنشد في عصر الرسالة أو بعده وراء مانقلناه عن حسان بن ثابت.

قال علي – عليه السّلام- في أُرجوزته:
وأوجب لي ولايته عليكم * رسول اللّه يوم غدير خم(1)
وقال قيس بن سعد بن عبادة ذلك الصحابي العظيم:
وعـــليٌّ إمـامـنــــا وإمـــامٌ * لسوانا أتـى به التنزيـلُ

يوم قال النبيُّ من كنت مولا * ه فهذا مولاه خطبٌ جليلٌٌ(2)
إنّداهية العرب عمرو بن العاص أنشد قصيدة طويلة معروفة بالجلجلية معترضاً فيها على معاوية حيث لم يف بما وعده، و جاء فيها ما يلي:
وكم قد سمعنا من المصطفى * وصايا مخصّصة فـي عـلي

وفي يـوم خم رقى منـبراً * يُبلّغ والركب لم يرحلِ

فأنحله إمـرة المـوَمنين * من اللّه مُستخلف المنحلِِ(3)
إلى غير ذلك من القصائد و المنظومات والاَراجيز لاَُدباء العصروشعراءالاِسلام الَّذين يحتجّ بقولهم و كلماتهم، فقد صَبُّوا حديث الغدير في قرائضهم ولم يفهم الجميع منها إلاّ الاَولوية، كأولوية الرسول التي هي مناط الاِمامة والخلافة ، فلو لم يكن القائد أولى من المقود لما كان لكلامه نفوذ.

وفي الختام نذكر نزول آية إتمام النعمة في حقّ علي – عليه السّلام- ليُعلم أنّ حديث
____________

(1)الغدير: 2|25 و 67 و 115.

(2)الغدير: 2|25 و 67 و 115.

(3)الغدير: 2|25 و 67 و 115.
——————————————————————————–

( 123 )
الغدير محفوف بآيتين : آية قبل النزول وهي آية التبليغ، وآية بعده وهي آية الاِكمال، قال سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام ديناً) .

أصفقت الاِمامية عن بكرة أبيهم على نزول هذه الآية الكريمة حول نص الغدير بعد أصحار النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- بولاية مولانا أمير الموَمنين – عليه السّلام- بألفاظ درّية صريحة، فتضمَّن نصّاً جليّاً عرفته الصحابة وفهمته العرب فاحتج به من بلغه الخبر، وصافق الاِماميَّة على ذلك كثيرون من علماء التفسير وأئمة الحديث وحفظة الآثار من أهل السنة، وهو الذي يساعده الاعتبار ويوَكّده النقل الثابت في تفسير الرازي (3|529) عن أصحاب الآثار : انّه لمّا نزلت هذه الآية على النبي – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- لم يُعمّر بعد نزولها إلاّ أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين، وعيَّنه أبو السعود في تفسيره بهامش تفسير الرازي :(3|523) وذكر الموَرخون منهم: انّ وفاته – صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- في الثاني عشر من ربيع الاَوّل، وكأنّ فيه تسامحاً بزيادة يوم واحد على الاثنين وثمانين يوماً بعد إخراج يومي الغدير والوفاة.

وعلى أي حال فهو أقرب إلى الحقيقة من كون نزولها يوم عرفة، كما جاء في صحيحي البخاري و مسلم وغيرهما لزيادة الاَيام حينئذ، على أنّ ذلك معتضد بنصوص كثيرة لا محيص عن الخضوع لمفادها.(1)

وقد أُثيرت حول الاستدلال بالآية إشكالات من قبل الاِمام الفخر الرازي (543ـ 608هـ) في تفسيره الكبير.(2)
____________

(1)الغدير:1|230.

(2)التفسير الكبير:12|26 . وقد أجبنا عن هذه الاَسئلة بتفصيل في مقال خاص طبع في كتاب رسائل و مقالات، لاحظ ص 568 ـ 575 من الكتاب المذكور.
——————————————————————————–

( 124 )
تمّ البحث حول الاِمامة والخلافة، وكما ذكرنا في المقدّمة لمّا كان بين الاِمامة والتعرف على أهل البيت: صلة وثيقة عقدنا فصلاً حول أهل البيت في القرآن الكريم يتناول سماتهم و حقوقهم:

شاهد أيضاً

مفاهيم القرآن الكريم

الفصل السادس العدل الاِلهي والمصائب والبلايا المصائب والبلايا في حياة الاِنسان من المسائل الشائكة التي ...