الرئيسية / تقاريـــر / معركة كسب والنتائج المتوقعة – العميد د. امين

معركة كسب والنتائج المتوقعة – العميد د. امين

فتح المعتدون على سورية في لحظة دقيقة من عمر العدوان معركة كسب، لتحقيق أهداف متعددة البعد محلياً وإقليمياً ودولياً، جعلت منها معركة ذات خصوصية تميزها تقريباً عمّا سبقها من معارك وخطط وضعت في سياق هذا العدوان. ومع فتح هذه المعركة والثقل الذي وضع فيها جهاراً وعلانية، تُطرح الأسئلة حول مصير هذه الحرب وما سيترتب عليها وانعكاسه على مسار العدوان برمته.
1 ـ ففي الخلفية والأسباب، نجد أن من قرر المعركة واختار توقيتها ومكانها وطبيعة القوى التي زجّت فيها وحجمها كان مدفوعاً بأكثر من عامل اتخذه سبباً لقراره:
أ على الصعيد الدولي: ألفى الحلف الأطلسي نفسه للمرة الأولى منذ عقود ثلاثة تاريخ تفكك الاتحاد السوفياتي وتوقف الحرب الباردة عاجزاً أمام روسيا، مضطراً إلى تجرّع كأس السم في إلحاق شبه جزيرة القرم بها وتحويل البحر الأسود إلى بحيرة روسية، مع تهديد مناطق أخرى شرق أوكرانيا وجنوبها، الأمر الذي مرغ الصورة الأطلسية بالوحل وأفقدها الهيبة التي كانت تسيّر العالم بها حتى من غير قتال، وبالتالي كان الأطلسي في حاجة إلى عمل عسكري ما يؤلم روسيا ويرد عليها بشكل معين، من دون أن ينزلق معها إلى حرب مباشرة ليس مستعداً لها، بل إنه أعلن صراحة عجزه عنها. فكان انطلاق معركة كسب من الأرض التركية وبمشاركة تركية علنية وفي اتجاه الساحل السوري حيث يرسو على مسافة أميال قليلة منه الأسطول الروسي المتعاقد مع سورية للإفادة من خدمات موانئها، بغية توجيه رسالة أطلسية إلى روسيا تراها أميركا رداً مناسباً لضم القرم.
ب على الصعيد الإقليمي: مباشرة بعد معركة القلمون التي حقق فيها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة نصراً مميزاً في طبيعته العملانية والاستراتيجية، قامت «إسرائيل» بتنسيق كامل مع السعودية وبرعاية أميركية بقصف ناري جواً وبراً في الجولان نفذته على نحو اعتبر إسناداً نارياً مباشراً لجماعات مسلحة تنطلق من الأردن، بتوجيه سعودي، لتنفذ عملية في درعا هدفها جسّ النبض لتوسيع الهجوم إذا سمح الظرف بذلك. واعتبر الطرف الوهابي ما تم في سجن درعا المركزي من اختطاف بعض المجرمين المساجين نصراً يدرج في سجلهم ويخفف عبء خسارة يبرود. هنا كان على الطرف الإخواني أن يبتدع ميداناً يوازن فيه منافسه الوهابي فيذهب إلى الشمال حيث أردغان الإخواني المستعد للاستجابة لأكثر من سبب شخصي أو إقليمي أو دولي. وبالتالي يكون فتح معركة كسب بمثابة الفعل الذي يقيم تكاملاً وتوازناً مع ما جرى في الجنوب. توازن بين الوهابية والإخوانية، وتوازن بين «إسرائيل» وتركيا في احتضانهما ودعمها المسلحين، ولذلك كان العمود الفقري للمسلحين المندفعين من تركيا مكوّناً من جبهة النصرة الممولة من قطر والمنسقة شؤونها مع الاتجاه الإخواني، رغم انتظامها في القاعدة كفرع من فروعه.
ج على الصعيد الشخصي لأردغان، من الثابت، على ما يتابع الجميع، أن أردغان يمر الآن في أسوأ أيامه السياسية في تركيا، بعد الفساد الذي افتضح تخبّطه فيه هو وأبناؤه ومحازبوه، وظهور قمع الحريات وممارسة الديكتاتورية المقيتة مخالفاً كل ما يدعيه من سعي نحو الديمقراطية. ثم تشظي تحالفاته الداخلية وانهيار أحلامه بالتجديد مع مقاعد السلطة التركية. لهذا كله كان أردغان في حاجة إلى عمل من طبيعة عسكرية تحجب خيباته وتشد العصب التركي القومي حوله وتؤمّن عودته إلى الحكم مجدداً، وكان يلزمه عمل عسكري يظهر انصياع على الجيش وانضباطه تحت أمرته ويحمل الشعب التركي المدفوع بشوفينية وعصبية قومية على تناسي مساوئ الرجل ونصرته ضد عدو خارجي. لذلك كان أردغان محتاجاً إلى رد سوري، ولو بغارة أو هطلة من مدفعية صاروخية، لإحداث ذلك كله.
د على صعيد الجماعات المسلحة: بات مؤكداً أن الصفعة والركلة اللتين نقلتهما تلك الجماعات في القلمون وعاصمته يبرود كانتا بحجم وأثر أديا إلى القول إن الفصل الأخير للعدوان على سورية بدأ، ما فاقم الانهيار المعنوي لدى المسلحين الذين وجدوا أنفسهم في منتهى العجز أمام القوة المعنوية والمادية للجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة، ومع هذا الانهيار، خشيت قيادة العدوان أن يتمدد الأثر السلبي ويصيب بعدواه مناطق أخرى يتواجد المسلحون فيها، لذا كانوا في حاجة إلى عمل ميداني سريع يكون ـ في رأيهم ـ موثوق النجاح، لرفع معنويات أدواتهم المسلحة ووقف اندفاعة الجيش العربي السوري الناجحة وإجباره على تعديل خططه التي شرع في تنفيذها على نحو ناجح منذ سنة تقريباً، أي منذ اعتمد «استراتيجية الأسد» رداً على استراتيجية العدوان التي أطلقها أوباما.
هـ على الصعيد الجغرافي والديمغرافي السوري، فإن من أهم مفاعيل الإنجاز في القلمون ربط منطقة الثقل الاستراتيجي والديمغرافي السوري دمشق بمنطقة الثقل الديمغرافي ذي الخصوصية المعروفة والثقل الاقتصادي المستجد، بعد تدمير مصانع حلب، والمرتبط بالمنفذ البحري للدولة. ورأى المعتدون أن توجيه ضربة للساحل السوري وتهديد موانئه من شأنهما حرمان الدولة الكثير من مواردها والتضييق عليها على أكثر من صعيد.
2 ـ لهذه الأسباب جميعاً، نفذ العدوان الأطلسي التركي الإخواني الإرهابي ضد الشمال الغربي السوري في كسب، وتصور المعتدي أنه قادر على تحقيق أكثر من هدف وإنجاز ميداني واستراتيجي، لأهداف يذكر منها، وفقاً لما تسرّب من المواقف أو استنتج بالتحليل، الآتي:
أ إحداث خرق سريع في اتجاه اللاذقية والسيطرة على أحد المعابر الرئيسية بين تركيا وسورية حيث تقوم سيطرة القوى الشرعية السورية.
ب امتلاك موطئ قدم على البحر والتظاهر بالقدرة على ربط المناطق التي يتواجد فيها المسلحون في ريف إدلب وحلب بمنفذ بحري مباشر من دون المرور بتركيا أو أي دولة أخرى.
ج إفساد الهدوء والأمن في الساحل السوري وتعطيل حركة الحياة العادية لأكثر من خمسة ملايين سوري من المواطنين الأصليين أو النازحين من منطق الاشتباك .
د إجبار الجيش السوري على تشتيت جهوده ووقف عملياته التطهيرية التي ينفذها ضد الإرهاب في سورية وفق برنامج محكم.
لأجل تحقيق هذه الأهداف التي يعتبرها المعتدي جديرة بالتضحية والمحاولة انخرطت تركيا على نحو علني مباشر في معركة محددة السقف، وفقاً لما أجازه لها الحلف الأطلسي الذي يتجنب الانجرار إلى حرب واسعة، وهو يعلم أن فتح بابها اليوم سيفقده السيطرة على مجرياتها، لذلك كان التدخل التركي تحت علم الإرهاب «القاعدي» عبر وجود ضباط أتراك خططوا للمسلحين ورافقوهم في أكثر من محور، وعبر مؤازرتهم بمفارز من القوات الخاصة التركية ودعمهم بنيران إسناد مدفعي مركز شكل ستاراً وسداً نارياً متدحرجاً barrage roulant أمام المسلحين لتمكينهم من الاندفاع السريع والعميق في الشمال الغربي لسورية كما هي الخطة، واستقدمت إلى الميدان جماعات أجنبية ذات خبرة عالية بقتال الجبال خاصة من الشيشان وقرغيزستان وأفغانستان مع سخاء قطري في الإنفاق المالي وتزويد المسلحين أفضل الأسلحة المتطورة ضد الدروع والطائرات وشبكات الاتصال والمناظير الليلية.
3 ـ أما في النتائج، ورغم تحقيق المهاجمين بعض الإنجازات الميدانية، فإنها ظلت دون مستوى توقع المخطط. وما تحقق لا يبدو أمراً قابلاً للاستمرار في مقابل خطة دفاعية ذكية ومرنة اعتمدها الجيش العربي السوري والقوات الرديفة قامت على التعامل مع الموقف وفقاً لمراحل ثلاث:
أ الأولى: احتواء الهجوم بأقل قدر ممكن من الخسائر.
ب الثانية: تثبيت الموقف والمشاغلة لكسب الوقت بغية نقل القوى لشن العمليات المعاكسة.
ج الثالثة: القيام بالعمل التطهيري لإعادة الحال إلى ما كانت عليه.
بعد تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية بنجاح، باتت القوى على عتبة الانطلاق لتنفيذ العملية الثالثة وإيقاع الهزيمة بالمعتدي، متجنبة الانزلاق إلى ما يريده الخصم على أي صعيد. وبالتالي، في تقدير عسكري استراتيجي للموقف، واستناداً إلى ما هو قائم الآن وبعد أسبوع من بدء العدوان التركي الأطلسي، نستطيع القول إن معالجة الموقف كما يناسب المصلحة السورية العليا بات أمراً مضموناً من دون أي قلق أو محاذير، خاصة بعد تأمين القدرات اللازمة عسكرياً وسياسياً لهذه المعالجة، ما يجعلها مضمونة النتائج… وبالتالي سوف تراكم هذه المعركة خسائر المعتدين، وقد اعتادوا الخسارة أمام الصمود السوري ومحور المقاومة والدفاع.

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...