الرئيسية / تقاريـــر / أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ – نزار حيدر

أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ – نزار حيدر

رَأْيٌ في الْعَدْلِ؟! اذا غابَ العدلُ من المجتمع غابَ الحق معهُ، ولذلك لا يكفي ان تكون السّلطة فقط هي العادلة وانّما يجب ان يكون المجتمع كذلك عادلاً، فانّ من أَسوء المجتمعات وأَحطّها وأدناها هو المجتمع الظّالمُ لنفسهِ.
كيف؟!.
عندما يظلم بَعْضُهُمْ بعضاً، في العائلة وفي محلّ العمل وفي السّوق والشارع وفي المؤسسة التعليمية وفي السياسة والاعلام وفي كلِّ مكان.
يكون ذلك تارةً عندما يُمارس الفرد الظلم بشكلٍ مباشر ضِدَّ الآخرين، وتارةً أُخرى عندما يسكت عن الظّلم او على الأقل لا يشير الى الحق اذا سُئِل.
ولذلك جاء الخطاب القرآني بهذا الصّدد عاماً شاملاً كل النّاس في المجتمع او الامّة كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
وفي هذا الخطاب نلحظ ما يلي؛
أولاً؛ التشديد في العدل عندما يستخدم القرآن الكريم صيغة المُبالغة.
ثانياً؛ الاستمراريّة، فالعدلُ لا يتجزّأ كما انّهُ ليس موسمياً يحتاجهُ المجتمع في الصّيف مثلاً ويستغني عنه في الشّتاء، او يحتاجهُ زمن السّلم ويستغني عنه في زمن الحرب.
ثالثاً؛ والعدل لا يُسقطه ظلم أحدٍ، فهو الأصل الذي يجب ان يحكم العلاقة بين أبناء المجتمع الواحد من دون استثناء حتى اذا تعرض أَحدهم الى الظّلم، فهذا لا يبرّر تخلّيه عن العدل بحجة انّهُ ظُلم! بمعنى آخر فان العدل مسؤولية عينيّة وليست كفائيّة.
رابعاً؛ العدلُ يعني التّقوى، فهو علامة بارزة من علاماتها، اذ لا يمكن ابداً ان نتصوّر تقوى الله تعالى بغَيابِ العدل، ولذلك نقرأ في قصة إِبني آدم، ان الشّقيق الضّحية (هابيل) رفض التحدي بالقتل الذي عرضهُ عليه الشّقيق القاتل (قابيل) كردٍّ بالمثل لانَّ هذا النّوع من التحدّي ليس من علامات التّقوى أَبداً.
تقول القصّة:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
والعدلُ هو أفضلُ الأشياء، فعندما سُئِلَ امير المؤمنين(ع) أَيّهما أَفضل: العدل أَو الجود؟ قال: الْعَدْلُ يَضَعُ الاُْمُورَ مَوَاضِعَهَا، والْجُودُ يُخْرِجُهَا عَنْ جِهَتِهَا، وَالْعَدْلُ سَائِسٌ عَامٌّ، وَالْجُودُ عَارضٌ خَاصٌّ، فَالْعَدْلُ أَشْرَفُهُمَا وَأَفْضَلُهُمَا.
ان الانحراف عن العدل في المجتمع لا يبدأ عادةً دُفعةً واحدةً، فهو يبدأ صغيراً جداً ثم يتمدّد ويتّسع ليشمل كلّ شيء، ولذلك يعلّمنا أمير المؤمنين عليه السلام تجنّب التّافه والحقير من الظّلم حتّى لا نتجرَّأ على ما هو أكبر وأعظم وأخطر، يقول عليه السلام {وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ}.
ويتضاعف خطر الظّلم على صعيد العلاقة بين الرّاعي والرّعية، والذي يتمثّل باستئثار السّلطة في كلّ شيء وحرمان المجتمع من ايّ شيء، فترى (الزُّعماء) مشغولون بامتيازاتهم فيما لم يحصل المجتمع على شيء من امتيازاته وحقوقه.
ولقد قلّصت المحاصصة في عراق ما بعد سقوط الطّاغية الذليل صدام حسين فرص العدل في المجتمع بشكلٍ كبيرٍ جداً، عندما استأثرت الأحزاب الحاكمة في كلّ شيء على حساب كرامة المواطن الذي فقد الكثير من الفُرص لتكوين نَفْسَهُ وبناء كيانه من اجل المساهمة في بناء البلد.
فعندما تغيب قاعدة [الرّجل المُناسب في المكانِ المُناسب] عن المجتمع تظلم السّلطة المواطن الذي سيخسر فرصتهُ في تبوّء المكان المناسب الذي ينسجم وعلمهُ وكفاءتهُ وخبرتهُ وتجربتهُ التي تراكمت عنده ليومٍ يتمكّن فيه من خدمة بلدهِ ومجتمعهِ من خلال تبوُّئهِ المكان المناسب الذي ينسجم مع امكانيّاتهِ، اذا به يرى كل الأبواب موصدة بوجههِ ليس لانّهُ لا يفهم او انّهُ قليلُ الخبرة او لكونه غير كفوء، ابداً، وانّما بسبب انّهُ لا ينتمي الى ايٍّ من الأحزاب الحاكمة، وبسبب انّ ولاءه للوطن وليس لهذا الزّعيم التاريخي او ذاك القائد الضرورة، وتلك هي الطّامة الكُبرى، ولذلك ضاع البلد وسُرقت الميزانيّة وضاعت خيراتهُ وتراجع المجتمع بدرجةٍ كبيرةٍ جداً، عندنا تزعّم التّافهون وغاب المخلصون.
ينبغي علينا جميعاً ان نعملَ من اجل إشاعة العدل في المجتمع بدءاً بالاسرةِ والمحلّة والمدرسة صعوداً الى السّلطة وعلاقتها بالمجتمع، وعلاقة الأخير بها، فمشكلتنا انّنا كمواطنين ننتظر من السّلطة ان تعدل فينا ونحن نُمارس كل انواع الظّلم مع بعضِنا، حتى على صعيد الخطاب والحوار ونقل المعلومة وتبادل الاراء، فكيف ننتظر العدل لنا ونحن نتبادل فيما بيننا التّهم والافتراءات والسبّ والشّتائم والتّكفير والطّعن المتبادل بالولاء والانتماء والأخبار الكاذبة ضد بَعضنا والتّضليل في اجتزاء المعلومة ونقلها ناقصةً او تحميل كلام وحديث ومقال بعضنا البعض الاخر ما لا يحتمل من التّهم والاراء وكأَنّ الواحد فينا محكمة تفتيش سيّارة تفتّش في عقائد النّاس وصدورهم وتحكم على نواياهم وتُصدر الأحكام بحقّهم!.
ولقد صدق رسول الله (ص) الذي قال {عَدلُ ساعةٍ خَيْرٌ من عبادةِ سبعينَ سنةٍ قيامُ ليلها وصيامُ نهارها، وجورُ ساعةٍ في حُكمٍ أشدُّ عِنْدَ الله من معاصي ستّين سنةٍ} وصدق امير المؤمنين (ع) الذي قال {ما عُمِرَتِ البلادُ بِمِثْلِ العَدْلِ}.
ولذلك فضحت عقيلة الهاشميّين عليها السلام انحراف الطّاغية يزيد وابتعادهِ عن العدل في المجتمع وهذا يكفي لكلِّ ذي عينٍ بصيرةٍ ان يرفض سلطانهُ ولا يبرر له او يدافع عنه ويخرج عليه ويعمل على تغييرهِ، وهو الامر ذاتهُ الذي يجب ان يكونَ اليوم، فالسّلطة غير العادلة لا تستحقّ ان تستمرّ، كما ان المجتمع غير العادل لا يستحقّ ان يعيش.
عن الامام موسى الكاظم عليه السلام في قوله تعالى {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ليس يحييها بالقطْرِ، ولكن يبعث الله رجالاً فيُحيون العدل فتُحيى الارض لاحياءِ العدل، ولإقامة العدل فيه أنفعُ في الأَرْضِ من القطْرِ أربعينَ صَباحاً.