الرئيسية / الاسلام والحياة / السير الى الله مع العارف السيد عبد الكريم الكشميري

السير الى الله مع العارف السيد عبد الكريم الكشميري

ويقول السيد الكشميري: إن أول من عرفني على وادي السلام هو المرحوم الشيخ ذبيح الله القوجاني وأرشدني إلى قراءة الفاتحة وبعض السور وإهدائها إلى أرواح المؤمنين، وقال: إن فعلت ذلك فإن هذه الأرواح تدعو لك. وقد اصطحبني معه مرات عديدة عند الغروب إلى هذه المقبرة.

 
ويقول أيضاً: وكانت علاقتي بوادي السلام قوية إلى درجة أني كنت ألقي بعض دروسي فيها، وكنت أذهب في بعض الليالي إليها فأضع عمامتي تحت رأسي وأغطي جسدي بعبائتي وأنام، وهي مقبرة مخفية ولم أكن شجاعاً أيضاً، ولكن شوقاً في باطني يبعثني علي الذهاب إليها والمبيت فيها وأن اتحدى الخوف. وكنت أذهب إليها أحياناً في وسط النهار حيث الحر الشديد، وأذهب إليها في منتصف الليل في أحيان آخر, وهذا العمل دفع البعض إلى القول بأن سيد عبد الكريم يمتلك الاسم الأعظم. وقد ذهبت في صباح ليلة زواجي إلى وادي السلام، فأرسلوا خلفي أن ارجع إلى البيت فإن مجموعة من العلماء جاءوا لزيارتك وتهنئتك، فاضطررت إلى الرجوع.
 
وعندما سئل السيد الكشميري عن مشاهداته في وادي السلام قال: كنت في وادي السلام يوماً وأنا مستغرق بقراءة بعض الأدعية والأوراد إذ ارتفعت فجأة أصوات نزاع وتخاصم مجموعتين من الناس، ثم أخذوا برمي الأحجار على بعضهما، فرأيت أنهما لو استمر هكذا فأني لا استطيع إتمام هذه الأدعية والأوراد كما أن خطرهما سيصل إلي، فظهر فجأة كلب وهجم على هؤلاء الناس وفرقهم بعيداً عن وادي السلام.
 
وفي أحد الأيام ذهبت إلى وادي السلام والتقيت هناك بشخص يدعى شيخ مالك، ولم يكن من طلبة العلم، وقال لي: إنني سأقرأ من هنا زيارة الإمام الحسين عليه السلام فأقرأ معي هذه الزيارة أيضاً، فقرأ الزيارة وقرأت معه، فشاهدت كربلاء مع أن بين النجف وكربلاء مسافة شاسعة جداً.
 
وفي يوم كنت مشغولاً بأورادي في وادي السلام فظهر لي فجأة ثلاثة أشخاص نورانيون وهم يرتدون ملابس بيضاء وقالوا لي: يا سيدنا نلتمس منك الدعاء.
 
نلقي في هذا الفصل نظرة سريعة على الجانب العبادي في حياة السيد الكشميري، فلقد بذل جهوداً مضنية ورياضات شاقة في سبيل نيل درجة القرب من الله جل جلاله، شهد بذلك العارف الأوحد في عصرنا الحاضر الشيخ محمد تقي بهجت، يقول أحد تلامذته: ذهبت إليه في أحد الأيام فوجدته يعاني من ألوان الأمراض كآلام الظهر وضيق التنفس وغيرها، وقد تدهورت صحته جداً حتى لم يستطع الوقوف على رجليه، ويحترق قلبه من يراه لكنه لم يتفوه بشيء غير كلمة (الحمد لله) فخطر في ذهني سؤال: لماذا هو مبتلى بكل هذه الابتلاءات؟ وعندما ذهبت إلى آية الله بهجت قال لي قبل أن اتكلم: لقد تحمل السيد الكشميري رياضات شاقة وبذل جهوداً كثيرة، وهذه الأمراض من آثارها.
 
لقد أذاق بدنه مشقة الطاعات والسهر والتهجد في جوف الليالي خلال سنوات طويلة حتى أقعده المرض لينال وسام الاستقامة الذي أمرنا الله تعالى به، وهي الدرجة التي عانى رسول الله (ص) ما عانى من أجلها حتى قال: شيبتني سورة هود إلى قوله تعالى في هذه السورة: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ}.
 
يقول أحد تلامذة السيد الكشميري: لقد كان لكل وجوده استقامة، ومع كل الأمراض التي كان يعاني منها من الآم الظهر والقلب وإصابته بالجلطة القلبية مرتين لم أسمعه يشتكي آلامه قط، وعندما نسأله عن حاله يقول: الحمد لله فإذا ما سألناه مرة أخرى قال: أشعر بالألم. يقول هذا من غير شكوى وكأنه قد تقبل هذه الآلام بروحه وقلبه، لقد كان وجوده دال على الاستقامة، وكنت عندما أراه أفهم ماذا تعني الاستقامة.
 
نعم لقد تحمل كل هذه المعاناة ليكون دائم الحضور عند الله تعالى ودائم الذكر له، يقول نجله السيد محمود الكشميري: لا ندري ماذا كان يقول، وكل ما نعلمه أنه كان في حال الذكر خلال أربع وعشرين ساعة، وحتى عندما يمشي في الطريق، وكان لسانه ذاكراً لله في كل أوقاته. لقد كانت المسافة بين دارنا وصحن أمير المؤمنين عليه السلام طويلة جداً تتراوح بين الثلاث والأربع كيلومترات، وكان يقطع هذه المسافة لفي كل يوم أربع مرات مشياً على الأقدام وكان لسانه يلهج بذكر الله في كل خطوة يخطوها.
 
ويحكي أحد تلامذته حالة حضور الدائم في محضر الخالق جل جلاله التي يتمتع بها استاذه الكشميري قائلاً: لقد كان دائماً في حال الحضور، وكان دائماً متوجهاً لحضرة الحق سبحانه، كان يردد هذا الدعاء في أغلب أوقاته (وحالي في خدمتك سرمداً) وهذا أمر عظيم جداً، إذ هو طعام لذيذ جداً لا يشبع منه الإنسان بسرعة. وقد كانت حاله هكذا إلى آخر حياته، وكانت كل آلامه تسكن بهذا، أي أن توجهه إلى الله تعالى يسكن كل آلامه.

شاهد أيضاً

الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني50

22 وقد قال رسول الله (ص) لبعض أصحابه وهو يشير إلى علي (ع): ( والِ ...