الرئيسية / كلامكم نور / لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك

لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك

ولذلك ينهى الإمام عليه السلام من أراد أن يكون من أهل الحق عن الأنس بغير الحق، وأن لا يستوحش إلا من الباطل، لأن الباطل كما مر مصيره إلى النار والهلاك ولو عرفه المرء لاستوحش منه، والحق مصيره إلى الجنة والسعادة واليقين.

عنه عليه السلام:”لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك….”7.

فمن قبل الدنيا يحبه أهل الباطل ويعطونه الأمان.

أهل الجهل وأهل الباطل:

لكن هناك من الناس من يطلب الحق إلا أنه يخطئ فيقع في الباطل بسبب جهله، ولأنه لم يحصن نفسه بالعلم ليستطيع التمييز بين الحق وسراطه وأهله، والباطل وسبله وأهله وهناك من يطلب الباطل فيدركه، فهذا من نيته منذ البداية طلب الباطل على عكس الأول وهذا هو الفرق بينهما، لذلك لا يستوي هؤلاء في الحكم، فإن من طلب الحق فوقع جهلاً في الباطل، لو عرف أنه باطل لتركه، دون من قصد الباطل وسعى للوصول إليه.

لذلك روى أنه عليه السلام نهى من قتال الخوارج من بعده بقوله:”لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه…”8.

الإفراط في الحب والبغض:وهناك من الناس من يذهب به حبّه إلى درجة الافراط، لما مر من عدم اتزانه وتقيده وانقياده للعقل، فيصل به إلى درجة الغلو واعطاء العبد صفات إلهية، أو نسبة الألوهية إليه أو الربوبية، مما يعتبر كفراً وشركاً.
________________________________________
7- ن.م، خطبة 130.
8- م.س، خطبة 61.

والبعض الآخر بسبب الإفراط أيضاً، وعدم التزامه بقواعد وموازين واقعية وصادقة وبعيدة عن الأهواء الشخصية، والنوازع القبلية أو العرفية أو غيرها، يصل به البغض إلى حدٍّ يعادي أولياء اللَّه ويقاتلهم ويبعد الناس عنهم.

كلا هذين الشخصين من أهل الباطل وهما من الهالكين كما عبر الإمام في الحديث المروي عنه:”وسيهلك في صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق…”9.

آثار ترك الحق:

مما مر يظهر أن للعمل بالحق أو تركه آثار ونتائج، فلا شك أن ترك الحق له نتائج سلبية وسيئة على صعيد الشخص والمجتمع وفي الدنيا والآخرة، فنورد بعض هذه النتائج بحسب ما ورد في نهج البلاغة:

1- الوقوع في مفاسد الباطل:

وهذا أمر واضح ونتيجة حتمية فما بعد الحق إلا الضلال.

عنه عليه السلام:”ألا وأنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل ألا ومن لا يستقيم به الهدى يجره الضلال إلى الردى”10.

فالنتيجة إذن أن يضره الباطل وأول أضراره أن يجره إلى الردى، ويبعده عن الاستقامة والهداية.

2- ترك الدفاع والممانعة عن البلاد، وعدم نصرة الأئمة عليهم السلام:

الحق لا يدرك إلا بالسعي والبذل والعطاء، فمن لم يكن مراده الحق، ولم يكن جدّياً ومجدّاً في إرادة الحق، وكان له أهواء أخرى تحركه، فإن نتائج ذلك أن لا يدافع عن الحق ويغفل عن منافعه ويقصر نظره على المنافع الآنية، فلا يدافع عن داره، ولا يقاتل مع أمير
________________________________________
9- ن.م، خطبة 127.
10- ن.م، خطبة 28.

الحق وإمام الحق وقائد الحق، فإن لم يدافع عن داره ولا يقاتل مع أميره ومولاه الحق، فهل سيدافع عن دار غيره وبلاد غيره، ومع أي إمام سيقاتل إن لم يقاتل مع الحق.

عنه عليه السلام:”لا يدرك الحق إلاّ بالجد، أي دارٍ بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون…”11.

3- استيلاء الشيطان على الإنسان:

هذا ما نستفيده مما روي عنه عليه السلام:”… ولو أن الحق خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث، ومن هذا ضغث فيمزجان! فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه…”12.

فإن ترك الحق واتباع الباطل ولو لإشتباهه بالحق يوقع الإنسان في شباك الشيطان ويستولي عليه ويتحكم به حتى يصير من أوليائه وأنصاره وعمّاله.

4- الوقوع في المغالاة أو المعاداة والبغض:

كما مر في ما روي عنه عليه السلام في هلاك الصنفين: المحب والمبغض قوله:”هلك فيّ رجلان محب غال ومبغض قال”13.

5- زوال النعمة:

عنه عليه السلام:”إن للَّه في كل نعمة حقاً فمن أداه زاده منها، ومن قصّر فيه خاطر بزوال نعمته”14.

اللَّه (عزَّ وجلّ‏َ) وعد عباده بنصرتهم وباغداق النعم عليهم إذا نصروه وأقاموا حكمه واستقاموا على طريقته وأطاعوه، بل حتى لو لم يعبد اللَّه عباده، فإنهم إن أقاموا الحق والعدل بينهم ستستقيم حياتهم وتصلح ويعمها الخير والصلاح والطمأنينة، ولا يخاف أحد جوراً أو ظلماً أو نقصاً وعمّت الرحمة الإلهية:
________________________________________
11- م.س، خطبة 29.
12- ن.م، خطبة 0ذ.
13- ن.م، خطبة 127.
14- م.س، خطبة 166.