الرئيسية / تقاريـــر / كيف نعرف تكليفنا الشرعى فى إنتخابات الرئاسة ؟ – سالم الصباغ

كيف نعرف تكليفنا الشرعى فى إنتخابات الرئاسة ؟ – سالم الصباغ

2-كنت قد كتبت تحت هذا العنوان مقال مختصر ،وضحت فيه أنه لا يكفي أن يكون معنا القرأن الكريم والسنة النبوية المطهرة لنعرف تكليفنا الشرعي فيما نتعرض له على مدار اليوم والساعة من مواقف وأحداث وضربت مثلا بصعوبة الإختيار فى إنتخابات الرئاسة المصرية على سبيل المثال … وطلب مني الاصدقاء مزيد من التوضيح .

فأقول توضيحاَ وتفصيلا :

إن من أكبر النعم على الإنسان هى نعمة الهداية إلى الحق ، وهى الهدف الذى من أجله أرسل الله عز وجل عشرات الألاف من الأنبياء والرسل ، ونحن نحتاج فى كل لحظة من حياتنا إلى معرفة تكليفنا الشرعى فيما نتعرض له من مواقف وأحداث ، سواء على المستوى الشخصى أو العائلى أو المجتمعي أو السياسي ، وهذا التكليف مما لاشك فيه يجب أن يكون موافقاَ للقرأن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وإن كان السادة العلماء والمراجع قد بذلوا جهودا كبيرة وخاصة فى مدرسة أهل البيت عليهم السلام فى محاولة الإجابة على كل المسائل التى يواجهها المؤمن المكلف فى حياته وأودعوها الرسائل العملية ـ وهذا إمتدادا للطف الألهى بهذه الأمة ـ ولكن الذى أريد طرحه هو أن هذه الرسائل العملية تتحدث عن أحكام عامة ـ ونحن نواحه فى حياتنا أشياء خاصة بكل مؤمن ، متجددة ، ومتغيرة من شخص إلى أخر ، ولايمكن أن تتعرض لها الرسائل العملية ولا المرجعيات ، لأنها دائمة ومتجددة …
ولتوضيح المقصود على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر :

ففى المجال السياسي :

من هو الرئيس الواجب إنتخابة على سبيل المثال فى مصر ، هل هو السيسي أم حمدين صباحى أم غيرهما ؟
من هم المرشحين الواجب إنتخابهم فى الإنتخابات البرلمانية المقبلة فى مصر ؟
ماهو الموقف من الإستفتاء على الدستور فى مصر ..؟
ماهو الموقف من المشاركة فى الأحزاب السياسية الموجودة حاليا ؟ وهل الأفضل المشاركة فيها أو خدمة المجتمع من خارجها ؟

نلاحظ أن كل هذه التساؤلات لا يتعرض لها السادة العلماء والمراجع لأنها تمثل قضايا تخص مجتمعاَ بعينة ، ولكنهم يرشدوننا إلى مبادئ عامة ، كالصفات العامة الواجب توافرها فى المرشح ، من العدالة ، والعلم ، والشجاعة ، وربما الموقف من مقاومة العدو الصهيونى ، أوغيرها ،، أم من هو الشخص الذى تتوفر فيه هذه الصفات فيرجع تحديدها لكل شخص مكلف حسب رؤيته وثقافته وإحتياجات مجتمعه ووطنه …فالتشخيص يرجع للمكلف نفسه .

وكذلك فى المجال العائلى :

كيف يعرف الشخص تكليفه الشرعى فى المشاكل المتجددة كل يوم التى تواجه العائلة ، من إنفاق ، وتربية ، وتعليم ، وهل قرارته جاءت موافقة للشرع أم مخالفة ، وهذه قضايا خاصة تختلف من شخص إلى أخر ، وتحتاج قرارات فورية تتناغم مع الإيقاع السريع للحياة ، ولا تنتظر الرجوع إلى أراء العلماء أو المراجع والفقهاء .. فماهو السبيل للإطمئنان أن سلوك الشخص موافقا للحق الذى جاء به الشرع الحنيف ؟

وكذلك فى المجال الإجتماعى

حيث العلاقات مع الأصدقاء والأعداء ، والجيران والزملاء ، وكلها أمور حياتية تحتاج قرارات فورية ، فماهو السبيل للإطمئنان أننا لم نتبع أهواءنا وأننا وفقنا للطريق المستقيم والعدالة .. ؟

للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها أقول بتوفيق الله :
أن الهداية للحق لها ثلاث أنواع :

1 ـ هداية الفطرة :

ومعناها أن الله أودع فى فطرة كل إنسان عشق الكمال والتوجه إلى الكمال المطلق ، من خير ، وعدالة ، وعلم ، وصدق ، وشجاعة ، وكرم ، وأمانة ، وكذلك النفور من كل نقص من الشر ، والظلم ، والجهل ، والكذب ، والجبن ، والبخل ، والخيانة …. وهذا العشق للكمال والنفور من النقص لا تختلف من شخص لأخر ولا من دين لأخر ، ولا من مذهب لأخر .. ولا تتبدل ، وأنها ( الدين القيم ) يقول تعالى :
( فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) … ولكن المشكلة أن الذنوب والشهوات والتوجه إلى الدنيا وملذاتها صنعت حجباَ غليظة على هذه الفطرة … ولذلك أرسل الله الأنبياء والرسل لتذكيرنا بميثاق الفطرة وهذا هو النوع الثانى من الهداية ، وهو :

2 ـ الهداية التشريعية

وهى هداية الأنبياء والرسل ، وهى تتلخص فى هداية إراءة الطريق : فهذا طريق الخير ، وهذا طريق الشر ، ( إنا هديناه السبيل إما شاكراَ وإما كفورا ) …فإذا إختار الشخص طريق الخير فهو يحتاج إلى هداية ثالثة ، يحتاج عارفاَ بالطريق ومسالكه ودروبه ووديان وهضابه ، وزهوره وأشواكه ، ليأخذ بيده حتى يوصله إلى الهدف وهو الحق .. وهنا نأتى للنوع الثالث من الهداية وهى الغافل عنها كثير من الناس ، وهى :

3 ـ الهداية الباطنية أو التكوينية :

إن الإنسان يحتاج فى سيره إلى الله على الصراط المستقيم إلى أن يهدى الله عز وجل قلبه للحق بهداية من عنده فى كل مايتعرض له من حوادث وأحداث .
وهذا يحتاج من الشخص المؤمن أن يجاهد نفسه بإستمرار ، وأن يتقى الله ، وأن يطهر قلبه حتى يكون لائقا بإستقبال النور الإلهى وإنعكاسه على صفحته لينير طريق المؤمن فيعرف أين الحق فيما يحتاجه من قرارات ومواقف سواءَ سياسية أو إجتماعية أو عائلية ..وهذه الهداية الألهية أو مايمكن أن نسميه بالتوفيق الإلهى هو مايحتاجه المؤمن بحق فى هذه الأيام وفى هذا العصر ، عصر الفوضى اللاخلاقة ، عصر الكذب بإسم الإعلام ، عصر تُسمى فيه المقاومة (إرهاب ) ، ويسمى فيه الإرهاب ( ثورة ) .. وتسمى فيه ( الخيانة ) وجهة نظر .. ,اصبح للكذب والخيانة والأرهاب دول وحكومات وقادة ووزراء ،

.فى هذا العصر لايكفى للإنسان أن يقول انه متمسك بالقرأن الكريم والسنة المطهرة ، ولكن يحتاج للهداية الإلهية لقلبه حتى يكتشف أين نجد أنفسنا ونكتشف ذكرنا فى الكتاب المبين : يقول تعالى :

( .لَقَدْ أَنزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(

وطبقاَ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام أن هذا النوع من الهداية لا يمتلكه إلا الله عز وجل ، ولكن طبقاَ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام أن هذه الهداية تتنزل بواسطة أسباب ، طبقاَ لنظام عالم التكوين القائم على نظام الوسائط والأسباب وأن ( الأئمة )عليهم السلام هم واسطة تنزل هذا الفيض الألهى للمخلوقات ، وعن هذا النوع من الهداية يقول الله تعالى :

( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )

وماهو الأمر الألهى ؟ …

يقول تعالى :

( إنما أمره إذا أراد شيئاَ أن يقول له كن فيكون )

ومن هنا يُسمى هذا النوع من الهداية بالهداية ( التكوينية ) أى من كلمة ( كن ) …وهذا مرتبط بالتقوى والعمل الصالح،

يقول تعالى :

( ومن يتقي الله يجعل له فرقانا ) …. أى نورا فى قلبه يفرق به بين الحق والباطل ….

وكذلك قوله تعالى :

( وإتقوا الله ويعلمكم الله ) …

فالعلم المرتبط بالتقوى هو العلم الشهودى ، والهداية الباطنية ..
فنحن فى هذا العصر نحتاج مع هداية الفطرة وهداية التشريع إلى هداية إلهية خاصة بحيث نطبق الحديث أو الأثر ( إستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك )..

وهذا النوع من الهداية يفسر لنا لماذا إنحرف بعض علماء الدين من جميع المذاهب رغم وصولهم لأعلى الدرجات العلمية ، وأصبحوا مصدراَ للفتنة بدلاَ من أن يكونوا مصدراَ للهداية ، رغم إلتزامهم بظاهر الشريعة ، وذلك لأنهم لم يطهروا باطنهم وسرائرهم لتكون مؤهلة لتلقى نور الهداية الالهية ..نرى ذلك فى بعض علماء ينتسبون للشيعة ولاهم لهم إلا إعلان الحرب على المرجعيات المخلصة وعلى إيران الإسلامية ، ويشاركهم بعض التيارات السلفية التكفيرية ، بل حتى الإخوان بعد وصولهم إلى السلطة فى مصر تساقطت الأقنعة عن وجوههم ….كل هؤلاء لم تصل إلى قلوبهم الهداية الإلهية لقلوبهم ( الهداية التكوينية ) فلم تنفعهم إدعاءاتهم بأنهم يلتزمون بالكتاب والسنة ، ولا حتى إدعائهم بأنهم من أهل الولاية ،، وذلك لأنهم لم يهتموا بتطهير قلوبهم ، ولا بجهاد أنفسهم …

أما السؤال الخاص بالإنتخابات وهو :
السيسى أم حمدين صباحى … ؟
فهو يحتاج لبعض الوقت لنعرف المواقف الخاصة لكل من المرشحين من القضايا العامة والخاصة بالشعب المصرى …
ومنها :
1 ـ كيفية مواجهة التحديات الأمنية فى الداخل والخارج ؟
2 ـ كيفية تحقيق العدالة الإجتماعية بين الأغنياء والفقراء ؟
3 ـ كيفية وبرنامج حل المشاكل الحياتية : ( البطالة ـ الصحة ـ التعليم ـ الأجور ـ الأسعار ) … ؟
4 ـ الموقف من تفعيل مادة الحريات العامة فى الدستور ، وحقوق المواطنة ، وتجريم بث الكراهية بسبب الدين أو العرق
5 ـ إستقلال القرار المصرى والإرادة المصرية ، وهنا نتساءل عن :
ـ الموقف من إعادة العلاقات مع إيران وسوريا ؟
ـ الموقف من العلاقات مع العدو الصهيونى ؟
ـ كيفية تحقيق الإستقلال الإقتصادى والإستغناء عن المعونات الأجنبية المشروطة .. وخاصة المعونة الأمريكية ؟
6 ـ كيفية النهوض بالثقافة والفنون والإعلام بما يتفق مع المبادئ الإسلامية لتحقيق القيم الأخلاقية بين أبناء الشعب المصرى ؟

وأما تقييم شخصية كل من المرشحين على أساس تاريخهم ومواقفهم ، وما يُتوقع منهم فى المستقبل ، والشعور القلبى ناحية الأصلح منهما ، فلعله يأتى الوقت المناسب للإفصاح عن ذلك وتوضيح الأسباب

والخلاصة :
ـــــــــــــــــــــ
أنه لم يعد يكفى الإيمان بالمنهج النظرى ومصادر الهداية ( القرأ ن الكريم والسنة النبوية المطهرة ) فقط للوصول إلى تشخيص الحق فيما نتعرض له من مواقف وأحداث ، ولا للمراجع والعلماء فقط ، وإن كان كل هذه المصادر ضرورية ولا هداية بدونها ، ولكن من الضرورى تهيئة القلب وتصفيته ليتلقى الهداية الألهية الباطنية ، أى التى محلها القلب ، وهى تحتاج إلى التقوى والعلم والإيمان والعمل الصالح ومجاهدة النفس ، والأرتباط القلبى بالرسول الأعظم وأهل البيت صلوات الله عليهم …

شاهد أيضاً

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف

الأزهر يرحّب برسالة الحوزة العلمية في إيران: معاً ضد الإساءة إلى المصحف شيخ الأزهر أعلن ...