الرئيسية / بحوث اسلامية / الــفــطــرة والــمــعــرفــة

الــفــطــرة والــمــعــرفــة

الفطرة حالة استعداد لا تعني الاِجبار وسلب الاِختيار
ـ نهج البلاغة ج 1 ص 120
اللهم داحي المدحوات وداعم المسموكات ، وجابل القلوب على فطرتها ، شقيها وسعيدها ، إجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل .


( 19 )

ـ علل الشرائع ج 1 ص 121
أبي ، قال حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن غير واحد ، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : أيكون الرجل مؤمناً قد ثبت له الاِيمان ينقله الله بعد الاِيمان إلى الكفر ؟ قال : إن الله هو العدل ، وإنما بعث الرسل ليدعو الناس إلى الاِيمان بالله ، ولا يدعو أحداً إلى الكفر .
قلت فيكون الرجل كافراً قد ثبت له الكفر عند الله فينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الاِيمان ؟ قال : إن الله عز وجل خلق الناس على الفطرة التي فطرهم الله عليها لا يعرفون إيماناً بشريعة ولا كفراً بجحود ، ثم ابتعث الله الرسل إليهم يدعونهم إلى الاِيمان بالله ، حجةً لله عليهم ، فمنهم من هداه الله ، ومنهم من لم يهده . انتهى . ورواه في الكافي ج 2 ص 416 ، وجاء في هامشه :
قال المجلسي رحمه الله : الظاهر أن كلام السائل استفهام ، وحاصل الجواب : أن الله خلق العباد على فطرة قابلة للاِيمان وأتم على جميعهم الحجة بإرسال الرسل وإقامة الحجج ، فليس لاَحد منهم حجة على الله في القيامة ، ولم يكن أحد منهم مجبوراً على الكفر لا بحسب الخلقة ولا من تقصير في الهداية وإقامة الحجة ، لكن بعضهم استحق الهدايات الخاصة منه تعالى فصارت مؤيدة لاِيمانهم ، وبعضهم لم يستحق ذلك لسوء اختياره ، فمنعهم تلك الاَلطاف فكفروا ، ومع ذلك لم يكونوا مجبورين ولا مجبولين بعد ذلك من الاِيمان إلى الكفر .

ـ تفسير العياشي ج 1 ص 104
ـ عن مسعدة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .
فقال : كان ذلك قبل نوح . قيل : فعلى هدى كانوا ؟ قال : بل كانوا ضلالاً ، وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته ، وذلك أن قابيل تواعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل ،


( 20 )
فسار فيهم بالتقية والكتمان ، فازدادوا كل يوم ضلالاً حتى لم يبق على الاَرض معهم إلا من هو سلف ، ولحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله ، فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا : قد فرغ من الاَمر وكذبوا إنما هي ( هو ) أمر يحكم به الله في كل عام ، ثم قرأ : فيها يفرق كل أمر حكيم ، فيحكم الله تبارك وتعالى ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك .
قلت : أفضلالاً كانوا قبل النبيين أم على هدى ؟
قال : لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله ، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله ، أما تسمع يقول إبراهيم : لئن لم يهدني ربي لاَكونن من القوم الضالين ، أي ناسياً للميثاق . انتهى . ورواه في تفسير نور الثقلين ج 1 ص 736

ـ تفسير التبيان ج 2 ص 195
فإن قيل : كيف يكون الكل كفاراً مع قوله : فهدى الله الذين آمنوا ؟
قلنا : لا يمتنع أن يكونوا كلهم كانوا كفاراً ، فلما بعث الله إليهم الاَنبياء مبشرين ومنذرين اختلفوا ، فآمن قوم ولم يؤمن آخرون .
وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله ، لا مهتدين ولا ضلالاً ، فبعث الله النبيين . . . .

ـ بحار الاَنوار ج 65 ص 246
وقال النيسابوري : إعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الاِنسان في مبدأ فطرته خال عن المعارف والعلوم ، إلا أنه تعالى خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوى المدركة حتى ارتسم في خياله بسبب كثرة ورود المحسوسات عليه حقائق تلك الماهيات وحضرت صورها في ذهنه . ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق إن كان كافياً في جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلك الاَحكام علوم


( 21 )
بديهية ، وإن لم يكن كذلك بل كانت متوقفة على علوم سابقة عليها ـ ولا محالة تنتهي إلى البديهيات قطعاً للدور أو التسلسل ـ فهي علوم كسبية . فظهر أن السبب الاَول لحدوث هذه المعارف في النفوس الاِنسانية هو أنه تعالى أعطى الحواس والقوى الداركة للصور الجزئية . وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمى بالبديهيات ، وإنما لا يظهر آثارها عليها ، حتى إذا قوي وترقى ظهرت آثارها شيئاً فشيئاً . وقد برهنا على هذه المعاني في كتبنا الحكمية فالمراد بقوله : لا تعلمون شيئاً ، أنه لا يظهر أثر العلم عليهم ، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم . ومعنى : لعلكم تشكرون ، إن تصرفوا كل آلة في ما خلقت لاَجله ، وليس الواو للترتيب حتى يلزم من عطف ( جعل ) على (أخرج ) أن يكون جعل السمع والبصر والاَفئدة متأخراً عن الاِخراج من البطن .

ـ بحار الاَنوار ج 1 ص 93
مص : قال الصادق عليه السلام : الجهل صورة ركبت في بني آدم ، إقبالها ظلمة ، وإدبارها نور ، والعبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس ، ألا ترى إلى الاِنسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعيبها في غيره ساخطاً ، وتارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها في غيره ، فهو متقلب بين العصمة والخذلان ، فإن قابلته العصمة أصاب ، وإن قابله الخذلان أخطأ ، ومفتاح الجهل الرضا والاِعتقاد به ، ومفتاح العلم الاِستبدال مع إصابة موافقة التوفيق ، وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق ، وأوسطه جهله بالجهل ، وأقصاه جحوده العلم ، وليس شيء إثباته حقيقة نفيه إلا الجهل والدنيا والحرص ، فالكل منهم كواحد ، والواحد منهم كالكل .
وقال في هامشه : وقوله عليه السلام : الجهل صورة ركبت .. إلخ . لاَن طبيعة الاِنسان في أصل فطرتها خالية عن الكمالات الفعلية والعلوم الثابتة ، فكأن الجهل عجن في طينتها وركب مع طبيعتها ، ولكن في أصل فطرته له قوة كسب الكمالات بالعلوم والتَّنَورٌّ والمعارف .


( 22 )
قوله عليه السلام : فالكل كواحد ، لعل معناه أن هذه الخصال كخصلة واحدة لتشابه مباديها ، وانبعاث بعضها عن بعض ، وتقوي بعضها ببعض ، كما لا يخفى .

ـ بحار الاَنوار ج 11 ص 10
. . . . عن الباقر عليه السلام أنه قال : إنهم كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالاً ، فبعث الله النبيين . انتهى .
قال المجلسي رحمه الله : وعلى هذا فالمعنى أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم غير مهتدين إلى نبوة ولا شريعة .

ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص 100
فإن قيل : لو كانت المعرفة لطفاً لما عصى أحد .
قلنا : اللطف لا يوجب الفعل ، وإنما يدعو إليه ويقوي الداعي إليه ويسهله ، فربما وقع عنده الفعل ، وربما يكون معه أقرب وإن لم يقع .

ـ شرح الاَسماء الحسنى ج 2 ص 84
. . . . كما سئل عليه السلام : أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف ؟ فقال : في أمر فرغ وفي أمر مستأنف ، فالموضوعان السعيد والشقي الاَخرويان كما قال تعالى : يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد .
إن قلت: هذا فيما سوى هذا الوجه ينافي قوله صلى الله عليه وآله : كل مولود يولد على فطرة الاِسلام ، إلا أن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ؟
قلت : كل مولود يولد على الفطرة روحاً وصورة بالجهة النورانية ، والسعيد سعيد في بطن أمه وكذا الشقي جسداً ومادة ، وإذا جعلنا بطن الاَم النشاة العلمية فكل مولود يولد على الفطرة وجوداً ، والسعيد سعيد ماهية ومفهوماً ، وكذا الشقي شقي ماهية ومفهوماً ، كل منهما بالحمل الاَولي ، ليس فاقداً لنفسه ، وليس مفهوم أحدهما هو المفهوم من الآخر ، فإن المفاهيم من أية نشأة كانت فطرتها وذاتيها الاِختلاف ،


( 23 )
والوجود أية مرتبة منه ذاته وجبلته الوحدة والاِتفاق ، ما به الاِمتياز فيه عين ما به الاِشتراك ، به استمساك الماهيات التي هي مثار الكثرة والمخالفة ، فهو جهة ارتباطها ونظمها وبه لا انفصام لها .
وبالجملة قد ظهر لك أن اختلاف الوجودات مرتبة في العين ، واختلاف قبول الماهيات لمراتب الوجود المقول بالتشكيك فيه ، على طبق اختلاف الماهيات بحسب المفهوم في العلم . وهذا معنى اختلاف الطينة في الاَزل كما هو عن الاَئمة عليهم السلام مأثور . . . . وهو مقتضى العدل .
ويمكن التوفيق بين هذا القول التحقيقي البرهاني والذوقي الوجداني ، وبين القول بالتسوية في الطينة باعتبار الوجود والماهية ، ولا سيما في مقام الجمع .

ـ شرح الاَسماء الحسنى ج 1 ص 54
قال صدر المتألهين : إن الله عز وجل لا يولي أحداً إلا ما تولاه طبعاً وإرادة ، وهذا عدل منه ورحمة . وقد ورد أن الله تعالى خلق الخلق كلهم في ظلمة ثم قال : ليختر كل منكم لنفسه صورة أخلقه عليها ، وهو قوله : خلقناكم ثم صورناكم ، فمنهم من قال رب اخلقني خلقاً قبيحاً أبعد ما يكون في التناسب وأوغله في التنافر ، حتى لا يكون مثلي في القبح والبعد عن الاِعتدال أحد ، ومنهم من قال خلاف ذلك ، وكل منهما أحب لنفسه التفرد فإن حب الفردانية فطرة الله السارية في كل الاَمم التي تقوم بها وجود كل شيَ ، فخلق الله كلاً على ما اختاره لنفسه ، فتحت كل منكر معروف وقبل كل لعنة رحمة وهي الرحمة التي وسعت كل شيَ ، فإن الله يولي كلاً ما تولى ، وهو قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ، فإن شك في ذلك شاك فليتأمل قوله تعالى : إنا عرضنا الاَمانة على السموات والاَرض والجبال فأبين أن يحملنها .. الآية ، ليعلم أن الله تعالى لا يحمل أحداً شيئاً قهراً وقسراً ، بل يعرضه أولاً فإن تولاه ولاه وإلا فلا . وهذا من رحمة الله وعدله .


( 24 )

لا يقال : ليس تولي الشيَ ما تولاه عدلاً حيث لا يكون ذلك التولي عن رشد وبصيرة فإن السفيه قد يختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إليه وضر لجهله وسفاهته ، فالعدل والشفقة عليه منعه إياه .
لاَنا نقول : هذا التولي والتوجيه الذي كلامنا فيه أمر ذاتي لا يحكم عليه بالخير والشر بل هو قبلهما ، لاَن ما يختاره السفيه إنما يعد شراً بالقياس إليه لاَنه مناف لذاته بعد وجوده ، فلذاته اقتضاء أول متعلق بنقيض هذه السفاهة ، فذلك هو الذي أوجب أن يسمى ذلك شراً بالقياس إليه .
وأما الاِقتضاء الاَول الذي كلامنا فيه فلا يمكن وصفه بالشر ، لاَنه لم يكن قبله اقتضاء يكون هذا بخلافه فيوصف بأنه شر ، بل هو الاِقتضاء الذي جعل الخير خيراً ، لاَن الخير لشيَ ليس إلا ما يقتضيه ذاته . والتولي الذي كلامنا فيه هو الاِستدعاء الذاتي الاَزلي والسؤال الوجودي الفطري الذي يسأله الذات المطيعة السامعة لقول كن ، وقوله ليس أمر قسر وقهر ، لاَن الله عز وجل غني عن العالمين ، فكأنه قال لربه إئذن لي أن أدخل في عدلك وهو الوجود ، فقال الله تعالى كن .

ـ تفسير الميزان ج 2 ص 346
لكن يمكن أن يقال إن الاِنسان بحسب خلقته على نور الفطرة هو نور إجمالي يقبل التفصيل ، وأما بالنسبة إلى المعارف الحقة والاَعمال الصالحة تفصيلاً فهو في ظلمة بعد لعدم تبين أمره . والنور والظلمة بهذا المعنى لا يتنافيان ولا يمتنع اجتماعهما ، والمؤمن بإيمانه يخرج من هذه الظلمة إلى نور المعارف والطاعات تفصيلاً ، والكافر بكفره يخرج من نور الفطرة إلى ظلمات الكفر والمعاصي التفصيلية.
والاِتيان بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً في قوله تعالى : يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وقوله تعالى : يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، للاِشارة إلى أن الحق واحد لا اختلاف فيه كما أن الباطل متشتت مختلف لا وحدة فيه ، قال تعالى : وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم . . . . الاَنعام ــ 153


( 25 )

ـ مجموعة الرسائل للشيخ الصافي 243
للشيخ المفيد في بحث الاِعتقاد بالفطرة رأي آخر غير ما ذهب إليه الشيخ الصدوق ، ولتوضيح ذلك نقول : توجد في باب الاِعتقاد بالفطرة وآيات الفطرة وأحاديثها كالحديث ( فطرهم على التوحيد ) أو ( كل مولود يولد على الفطرة ) ثلاثة أوجه :
الوجه الاَول : أن المراد من ذلك هو أن الله جعل فطرة الاِنسان نقية مقتضية للتوحيد والعقائد الحقة ، وحب الحق والخير والتصديق بحسن العدل وقبح الظلم والنفور عن الباطل والشر ، بحيث لو لم يحجب هذه الفطرة الاَمور المخالفة من قبيل التربية فالاِنسان بنفسه سيهتدي إلى الله ويقر بوجود الصانع ، كما يتقبل العقائد الحقة عند ما تعرض عليه .
والصدوق فسر الفطرة بهذا المعنى وقد بحثنا بتفصيل في ( رسالتنا ) في تفسير آية الفطرة حول هذا الوجه وكونه موافقاً لاَصول العقائد الاِسلامية في الفطرة والاَحاديث الشريفة التي تدل على هذا المعنى .
الوجه الثاني : أن معنى ( فطر الله الخلق على التوحيد ) فطرهم للتوحيد ، أي خلق الناس للاِعتقاد بالتوحيد ، وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الاَعظم الشيخ المفيد ، واختاره .
الوجه الثالث : هو أنه عبر عن إرادة التوحيد منهم بالاِرادة التكوينية ، والظاهر أن المفيد استظهر من كلام الصدوق هذا الوجه فأجاب عن ذلك بقوله : لو كان الاَمر كذلك لكان الجميع موحدين .
وبديهي أنه لو كان الاَمر دائراً بين الوجه الثاني والثالث ، فالقول الصحيح والمعتبر هو قول المفيد ( الوجه الثاني ) . لكن بما أننا قلنا بأن الوجه المعتبر المستفاد من الآية والروايات هو القول الاَول ، وهو ما اختاره الصدوق ظاهراً ، وفيه رجحان على القول الثاني ظاهراً .

شاهد أيضاً

الــفــطــرة والــمــعــرفــة

آيات فطرة السماوات والكون وقد أوردنا في أول الفصل الاَول منه آيات فطرة الكون ، ...