الرئيسية / تقاريـــر / العلاقات الأوروبية العربية امام تحديات الإرهاب والعنصرية – سركيس ابو زيد

العلاقات الأوروبية العربية امام تحديات الإرهاب والعنصرية – سركيس ابو زيد

الارهاب مجددا يجوب شوارع أوروبا، ضارباً العاصمة البلجيكية بروكسل، فما جرى في “الثلاثاء الأسود” يفوق خطورة ما جرى في باريس قبل أشھر معدودة. فالاختراق الأمني حصل في أھم المرافق الحيوية، المطار والمترو في نقطة غير بعيدة عن مقر المفوضية الأوروبية.

العملية كشفت عن إعداد وتخطيط لضرب عصب البلاد وشلھا وإفزاعھا، وعن خطط معدة وعن وجود خلايا نائمة جاھزة للتنفيذ والرد السريع على خلفية توقيف أحد رؤوسھا أو كوادرھا “صلاح عبد السلام” أحد المخططين لھجمات باريس والمقيم في بروكسل.

هذه الضربة العنيفة قلبت حياة العاصمة البلجيكية، وانقلب المشھد اليومي رأسا على عقب، لتصبح مدينة معزولة عن العالم ووجھا لوجه أمام الإرھاب يفتك بأمنھا ويدخلھا في دائرة الخوف الشديد لأن الخطر ماثل والخلايا نائمة والعمليات الانتحارية واردة في كل لحظة.

و كما سبق أن حصل في مدريد ولندن وباريس والآن في بروكسل عندما ضربها الارهاب، تتكرر المواقف والمشاھد نفسھا: إعلان حالة طوارئ أمنية ورفع حال الاستنفار والجھوزية الى الدرجة القصوى، والقول إن ما بعد ھذه الضربة الإرھابية لن يكون مثل ما قبلھا، وفتح أبواب النقاش والجدل حول المسائل ذاتھا: أمن أوروبا، المھاجرون، مسألة الاندماج، التطرف الديني. مزيد من القيود والإجراءات الأمنية ومزيد من القوانين المتشددة ولو على حساب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن مستقبلھا كـ”اتحاد أوروبي” بات في خطر. وأصبحت ترزح تحت ھاجسين وخطرين:

– ھاجس وخطر اللجوء والھجرة غير الشرعية، مع تدفق مئات الألوف وموجات بشرية آتية من الشرق الأوسط عبر تركيا التي عرفت كيف تبتز أوروبا، وتمسكھا من نقطة ضعفھا ووجعھا وتقايض “الأمن بالمال”.

– ھاجس وخطر الإرھاب الذي صار في داخل أوروبا يمتلك الخلايا والبنى التحتية، وأيضا حرية الحركة والتنقل في وضح النھار وفي مرافق حيوية وحساسة، مخترقا بسھولة النظام الأمني الأوروبي الغير مھيأ لخوض ھذا النوع من الحروب ضد إرھاب انتحاري يصعب كشفه واستباقه، ويصعب وقفه ومنعه، فالتطرف يقوى فيھا والأمن يضعف ويتلاشى، ولم تعد أوروبا آمنة لسكانھا أو ملاذا آمنا للمھاجرين والمقيمين.

ولم تعد مقصدا سياحيا مفضلا ولا وجھة استثمارية جاذبة. “القارة العجوز” تبدو عليھا علامات العجز في مواجھة الإرھاب الكامن فيھا…

لكن، الذي يدفع الثمن الأكبر من فاتورة الإرهاب المتنقل في أوروبا هم الجاليات العربية والإسلامية التي تحولت لتكون من ضحايا ھذا الوضع الجديد الذي يضع حياتھا ومستقبلھا في خطر مع طغيان مشاعر العنصرية والكره والخلط الحاصل بين الإسلام والإرھاب.

حتى أن عدداً كبيراً من السياسيين الفرنسيين أصبح يتھم دولاً عربية بأنھا وراء التطرف الإسلامي وغسل الدماغ، كـ برونو لوميير، أحد المرشحين عن اليمين الديغولي للرئاسة الفرنسية حيث قال في برنامج تلفزيوني “أن ھناك مشكلة مع الإسلام في فرنسا، وأنه لو وصل إلى الرئاسة سيبعد فرنسا عن ارتباطھا القوي ببعض الدول العربية والمسلمة”. فالخلط يجري على جميع المستويات السياسية وأيضاً الشعبية وھذا طبيعي في مثل ھذه الظروف التي لا يعرف أحد كيف يتعامل معھا.

إحدى الصحف الغربية وصف تقرير نشر قبل أشھر مسار التحقيقات في الاعتداءات التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس في تشرين الثاني الماضي أن “كل الطرق تقود إلى بروكسل”. قبل ذلك، لم تكن العاصمة البلجيكية بعيدة عن الشبھات بوجود عدد من الشبكات الإرھابية فيھا، بل كان البعض يذھب إلى وصف بروكسل بأنها “ملتقى طرق الجھاديين” في القارة الأوروبية وقد وصفتھا قناة الـ”سي أن أن” بالعاصمة اللوجيستية للدولة الإسلامية.

ويرجع خبراء ومتخصصون في شؤون الإرھاب والتطرف، وفي شؤون بلجيكا وأوضاعھا الداخلية، أسباب ذلك إلى أن :
1-بلجيكا أصبحت مركزاً للتطرف والعنف. ولكن ثمة عدد من الأسباب لتمركز النشاط الراديكالي في ھذه الدولة الصغيرة. منھا وجود أقلية مسلمة فقيرة، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وسط ھذه الأقلية، وسھولة الحصول على الأسلحة، وتطور وسائل الاتصال والتنقل عبر البلد، بالاضافة الى النقص في الموارد البشرية في الأجھزة الأمنية، وعدم الاستقرار الداخلي. وقد ساعدت قنوات التواصل الاجتماعي على انتشارا إيديولوجيا العنف ونشر مشاعر الكراھية وعدم التسامح ونظرة شديدة المحافظة. ومع صعود تنظيم “داعش” وجدت ھذه الطموحات مخرجًا، حيث سافر ما يقارب من 500 مواطن بلجيكي إلى سوريا والعراق خلال النزاع الأخير، وانتھى بمعظمھم المطاف إلى القتال مع “داعش”، مما جعل بلجيكا أكبر مصدر معروف للمقاتلين الأجانب في أوروبا.

2-تشكل ضواحي بروكسل التي تضم أعداداً كبيرة من مھاجرين يعانون إزاء ضعف سياسات الدمج مادة دسمة لوسم تلك المناطق بأنھا “بؤر إرھابية، وتبرز خصوصا ضاحية مولينبيك حيث اعتقل عبد السلام، وھي منطقة في شمال غرب بروكسل، ويقطنھا نحو 100 ألف نسمة كمنطقة قلق خاص، وصلاتھا بالجماعات المتشددة معروفة منذ وقت طويل.

3-منذ بداية العام 2000 ، فتحت بلجيكا بابھا على مصراعيه أمام قوافل المھاجرين، أكثر بكثير من فرنسا والمملكة المتحدة، من دون التدقيق في من يدخل أراضيھا. وتمركزت جميع التيارات الإسلامية تقريبا في بروكسل. بالإضافة الى لندن عاصمة الإسلام السياسي الأوروبي. كما غابت الرقابة عن المساجد غير المعترف بھا، وتم إعطاء حق اللجوء لإسلاميين متطرفين خطرين. وفي غضون سنوات، ازدادت الحوادث من دون أي استجابة من السلطة، وحين كانت تستجيب، كانت تفرض عليهم مجرد عقوبات رمزية.

ھذه العوامل جميعها خلقت مناخا ملائما لبروز تيارات متطرفة تأخرت الدولة كثيرا في مواجھتھا. لذلك تحاول حكومة شارل ميشال أن تصحح الوضع، إلا أنه قد فات الأوان و أصبح التحرك صعبا الآن.

يقول خبير أميركي: يحتاج الإتحاد الأوروبي الى إعادة بناء جھازه الأمني. وھو في حاجة الى كسر العوائق التي تحول دون المشاركة في المعلومات وتشديد الرقابة على الحدود وحماية مواطنيه.”

ويقول خبير بريطاني: “إن أكثر ما يثير القلق في ھجمات بروكسيل الأخيرة ھو حجم الشبكة التي أقامھا داعش” في بلجيكا وفي أوروبا. فالقدرة على تنفيذ ھجمات متزامنة في بروكسل في المطار وفي محطة المترو دليل على أن التنظيم يمكنه الاستعانة بمئات الأنصار بينھم خبراء في صنع القنابل، ويعرف كيف يتواصل معھم بطريقة آمنة.”.

أوروبا تتغيّر: الدماء في شوارعھا، الخوف على وجوه مواطنيھا، ليس الأمن وحده ھو الضحية وإنما أيضا النسيج الاجتماعي والثقافي ومنظومة القيم الثقافية والحضارية. لغة التطرف تعلو وتسود: ليس المقصود فقط التطرف الإسلامي عند أفراد جذبتھم دعاية “داعش” وعند جماعات مھمشة ومحبطة اجتماعيا، وإنما أيضا التطرف “المسيحي” عند أحزاب يمينية وجدت في الموجة الإرھابية المرعبة فرصة سانحة لتأجيج العداء للمسلمين والعرب والمھاجرين واللاجئين.

لكن يبقى السؤال الذي يقض مضجع الأوروبيين وھو: كيف لمواطن فرنسي أو بلجيكي ولد وترعرع في فرنسا أو بلجيكا أن يتحول الى آلة قتل وإرھاب ضد دولته ومواطنيه؟ ھذا السؤال بات وجوديا ومصيريا ، ويعكس أزمة عميقة تواجھھا أوروبا ولم يعد بالإمكان تجاھله وطمسه بعدما أخرجھا الإرھاب الى العلن…اوروبا الى اين ؟ والعلاقات الغربية والعربية والإسلامية الى اين ؟ أسئلة تحتاج الى جهد نظري وعملي قبل الدخول الى مزيد من الفوضى والضياع.

شاهد أيضاً

القصة الكاملة للعلاقات السعودية الإسرائيلية: قراءة في الحقائق والدلالات

تحوَّل تقرير صحيفة التايمز البريطانية والمتعلق بالخطوات المستقبلية لتطبيع العلاقات الإقتصادية بين السعودية والكيان الإسرائيلي، ...