الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية – فضل صلاة الليل في الآيات والروايات

مواعظ قرآنية – فضل صلاة الليل في الآيات والروايات

قبل أن نذكر ما لصلاة الليل والتهجّد فيه من فضل لا بُدّ أن نُبيّن ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام من أنّ صلاة الليل لم يُحدِّد القرآن لها ثواباً كسائر الأعمال الصالحة وما لذلك من دلالة، حيث قال عليه السلام:

 

“ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلّا صلاة الليل فإنّ الله

 

 

 

4- نهج البلاغة، قصار الحكم، 279.

 

  عزّ وجلّ لم يُبيّن ثوابها لعظم خطره عنده فقال جلّ ذكره:﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ “5 6 .

 

فمن المعلوم أنّه من أساليب التعظيم لأمر ما، التعبير عنه على نحو الإطلاق من دون تقييد، وفي موردنا إنّ الله تعالى لم يُحدِّد ثواب التهجُّد بجهة أو نوع خاصّ من الثواب وإنّما نفى العلم به، ليكون منطبقاً على أيّ ضرب من ضروب الثواب وهذا غاية الفضل والعظمة والثناء.

 

فهذا انفراد وتمييز لهذه العبادة عن غيرها من القربات إذ لم يذكر لها ثواب محدّد في القرآن الكريم كما ذكر لكلّ من الأعمال الحسنة.

 

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في هذا المقام:”تُرى ما قرّة العين هذه الّتي يدّخرها الله تعالى ويُخفيها حتّى لا يعلم أحد عنها شيئاً؟

 

وما يُمكن أن تكون؟

 

فلو كانت من قبيل “أنهار جارية” و “قصور عالية” ومن نِعَم الجنّة المختلفة، لذكرها الله مثلما بيّن ما للأعمال الأخرى وأطلع الملائكة عليها.

 

ولكن يبدو أنّها ليست من ذلك السنخ، وأنّها أعظم من أن ينوّه بها لأحد، وخصوصاً لأحد من أهل هذه الدنيا. إنّه لا تُقارن نِعَم ذلك العالم بالنِّعَم هنا، ولا تظننّ أنّ الفردوس والجنان تُشبه بساتين الدنيا، أو ربّما أوسع وأبهى، هناك دار كرامة الله تعالى ودار ضيافته.

 

فكلّ هذه الدنيا لا شيء إزاء شعرة واحدة من الحور العين في الجنّة، بل ليست

 

 

5-سورة السجدة، الآيتان: 16ـ 17.

6- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 4، ص 156.

 

 شيئاً إزاء خيط من خيوط الحلل الفردوسية الّتي أُعدّت لأهل الجنّة.

 

ومع كلِّ هذا الوصف لم يجعلها الله ثواب من يؤدّي صلاة الليل، وإنّما ذكرها من باب التعظيم له.

 

ولكن هيهات! نحن الضعفاء في الإيمان لسنا من أصحاب اليقين، وإلا لما كنّا نستمرّ في غفلتنا، ونُعانق النوم إلى الصباح. ولو أنّ يقظة الليل تكشف للإنسان حقيقة الصلاة وسرّها، لأنس بذكر الله والتفكّر، ولجعل الليالي مركوبه للعروج إلى قربه تعالى…”7.

 

أقول: ولو لم يكن إلا هذا لكفى لبيان قدر هذه العبادة وعظمتها عند الله تعالى، كيف وقد استفاضت الآثار الشرعية في مدحها والثناء عليها، وحثّ المؤمنين على إقامتها والمداومة عليها، وهذا بعض ما ورد بهذا الشأن:

 

قال تعالى:﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾8.

 

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾9.

 

قال إمامنا الصادق عليه السلام في تفسيرها: “قيام الرجل عن فراشه يريد به الله عزّ وجلّ ولا يريد غيره”10.

 

– وفي قول الله عزّ وجلّ:﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات ﴾ِ11 .

 

قال عليه السلام: “صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار”12.

 

فما أعظمها من فائدة لعمل يمحو الله به بالليل كلّ سيئة اجترحها العبد في

 

 

7- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره, ص 323- 233.

8- سورة الإسراء، الآية: 79.

9- سورة المزمل، الآية: 6.

10- الوسائل، الإسلامية، ج5، 269.

11- سورة هود، الآية: 114.

12- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 473.

 

 النهار، فهذا لازمه أنّ الإنسان إذا أدام صلاة الليل يكون قد ضمن صفاء نفسه من آثار الذنوب المهلكة، وهيّأها لتلقّي الفيوضات الإلهية، والتنسّمات الروحانية، فالمحافظة على طهارة النفس من آثار الذنوب هي ضمانة السعادة الأبدية.

 

ومدح الله تبارك وتعالى المؤمن الّذي يقوم الليل ويقنت فيه، ويسجد ويسهر في عبادة ربّه حذراً راجياً بقوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه﴾ِ  13

 

فعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: “آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، قال عليه السلام: “يعني صلاة الليل”14.

 

وقد ورد في الرواية أن مورد نزول هذه الآية هو سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام.

 

وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: “يا عليّ عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل”15.

 

كرّرها ثلاثاً وهذا أيضا غاية في المبالغة والتأكيد على فعلها وعدم التهاون بشأنها.

 

صلاة الليل تُفيد فائدة الاستغفار بالأسحار

 

صلاة الليل مشتملة على الاستغفار بالأسحار، الّذي حثّ الله عزّ وجلّ عليه، وقد ذكر في كتابه العزيز المستغفرين بالأسحار بالثناء الجميل حيث قال عزّ من قائل:

 

﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار ِ﴾ .16

 

 

13- سورة الزمر، الآية: 9.

14- الكافي، الشيخ الكليني، ج 3، ص 444.

15- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 484.

16- سورة آل عمران، الآية: 17.

 

فعن صادق أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآية الكريمة، قال عليه السلام:

 

“المصلّين وقت السحر”17. وقال عليه السلام: “من استغفر سبعين مرّة في وقت السحر فهو من أهل هذه الآية”18.

 

وقال تعالى في معرض توصيفه لأهل الجنة:﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ 19.

 

وعن إمامنا الصادق: قال: “استغفر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الوتر سبعين مرة”20.

 

وعن إمامنا أبي جعفر الباقر عليه السلام: “من داوم على صلاة الليل والوتر واستغفر الله في كلّ وتر سبعين مرّة، ثمّ واظب على ذلك سنة كتب من المستغفرين بالأسحار”21.

 

والمستغفرون بالأسحار لهم بركات عظيمة تعمّ وتشمل حتّى أصحاب الذنوب، حيث إنّ الله تعالى يدفع بهم “المستغفرين بالأسحار” العذاب الّذي استوجبه أهل المعاصي بمعاصيهم. اسمع إلى ما ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الله عزّ وجلّ إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي، وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ناداهم جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه: يا أهل معصيتي لولا ما فيكم من المؤمنين المتحابّين بجلالي العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي، المستغفرين بالأسحار خوفاً منّي، لأنزلت بكم عذابي ثمّ لا أبالي”22.

 

فالذي يُصلّي الليل يكتبه الله تعالى من المستغفرين بالأسحار الّذين عظّمهم الله تعالى في كتابه العزيز، ويجني كلّ ما ترتّب من ثمرات وثواب على الاستغفار في السحر.

 

 

17- التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 142.

18- م.ن.

19- سورة الذاريات، الآيتان: 17ـ 18.

20- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج 1، ص 165.

21- م.ن. ج1، ص 165.

22- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 7، ص 381.