الرئيسية / بحوث اسلامية / اساس الحكومة الاسلامية[1] – اية الله كاظم الحائري

اساس الحكومة الاسلامية[1] – اية الله كاظم الحائري

(ونُريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) [2]

تتابعت البحوث حول أفضل أشكال الحكم وأسسها التي تضمن إيصال البشرية إلى ساحل السعادة ورفع أنماط الظلم والتعدي التي ابتليت بها على مر التاريخ.

 

وقد أغفل الباحثون غير المسلمين حول هذه المسألة عنصرين هامين لهما أكبر الأثر في تشخيص أساس الحكم وشكله، وهما: السعادة في الحياة الأخرى، وتحقيق رضا الله تعالى. ولقد أثبتت التجارب الطويلة الأمد وستثبت أكثر فأكثر أن السعادة البشرية في الحياة الدنيا لا يمكن أن تنال ما لم يرس شكل الحكم على أسس مستوحاة من الله (جل وعلا) العليم بأدواء البشرية الخبير بصلاحها الناجع.

 

هذا، فضلاً عن سعادة الآخرة أو تحقيق رضا الله سبحانه. وها نحن نرى العالم يغرق في بحر من الظلم والعذاب ويتهدده خطر الفناء والدمار ـ في أي لحظة ـ رغم كل ما طرحه مفكروه الكبار من مناهج وصيغ تحاول التخطيط لنظام الحكم على ضوء التجارب الاجتماعية الممتدة عبر المسيرة التاريخية، ورغم توفر كل الوسائل المادية للراحة وتقدم مستوى الصناعة والتكنيك الى مدى بعيد.

 

نعم، كل ذلك لم يستطع أن ينتشل البشرية من الوهدة السحيقة التي تعاني تبعاتها, الأمر الذي يؤكد عليها الضرورة الماسة لمد يد الحاجة للسماء الرحيمة والاستهداء بتعاليمها الوضاءة. إن الديموقراطية تشكل الأساس الذي يعتمده نظام الحكم الرأسمالي، حيث يمنح كل أفراد الشعب الحقوق الديموقراطية كاملة ـ كما يدعي ـ.

 

في حين، ينادي نظام الحكم الاشتراكي الماركسي بالديموقراطية في إطار طبقة البروليتاريا، أو الحزب الاشتراكي الحاكم فقط، أما في مجال الدولة العام، فإن دكتاتورية البروليتاريا هي السائدة. ويبرر ذلك بأن الطبقة الكادحة هي التي تضمن تطبيق النظام الاشتراكي الأمثل، لتهيئة الشعب للدخول في المرحلة العليا من التطور البشري (أي الشيوعية)، في حين يعمل غيرها على عرقلة هذه المسيرة، والقيام بالثورة المضادة. فيجب أن لا يمتلكوا أي حق ديموقراطي في تقرير مصير الحكم، وأسلوب الادارة العامة. أما الاسلام ـ وهو النظام العالمي المقابل لهذين النظامين ـ فإنه يقيم نظام الحكم فيه على أساس “استمداد حق السيادة من الله تعالى باعتباره المالك والمشرع الحقيقي لا غير”.

 

 

ويرى أن الله تعالى قد جعل النبي (ص) ـ بالإضافة لكونه المبلغ عنه تعالى ـ قائداً عملياً للأمة وولياً لها، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

أما بالنسبة لأساس نظام الحكم، بعد وفاة النبي الأكرم “ص” فإن بعض الباحثين ـ سنّة وشيعة ـ قد كتبوا حوله أبحاثاً مفصلة.

فادعى العديد من علماء السنة وكتّابهم أن أساس الحكم المعين من قبل الله هو (الشورى)، مستندين في ذلك الى نصوص من القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وسيرة الصحابة.

 

 

ونظام الشورى هذا يختلف عن “الديموقراطية الغربية” اختلافاً بيناً، فإن القوانين الأساسية للدولة في الاسلام لا تقوم بكل جوانبها على أساس تصويت أو انتخاب وأمثال ذلك كما هو الحال في النظام الديموقراطي، بل هي في إطار أمور تشريعية قررها الاسلام، باعتباره رسالة الله تعالى لكل الأجيال والعصور.

 

أما الشيعة، فإن أساس التشيع عندهم هو الإيمان بأن النبي (ص) قد عين نظام الإمامة االمنصوص عليها بعد وفاته، والتي تمثلت أول ما تمثلت في الإمام علي بن أبي طالب، الذي تتابعت النصوص النبوية الشريفة على تعيينه بأمر الله مرجعاً شرعياً للأمة، وولياً للأمر فيها. كما أن الإمام علياً (ع) بدوره قد نص على الامام من بعده، وهكذا الى الامام الثاني عشر، وهو الامام المهدي (ع) الذي غاب عن الناس، وبقي حياً يرزق، وقد أعده الله تعالى لينشئ دولة العدل الشاملة لأرجاء الأرض، بعدما ملئت ظلماً وجوراً. فالمجال الطبيعي للبحث عن أساس الحكم الاسلامي ـ بعد فرض أساس التشيع ـ إنما هو بالنسبة لعصر غيبة الامام (ع).

 

 

وما يمكن استفادته من المصادر الشيعية، والذي أفتى به جملة من فقهاء مدرسة أهل البيت (ع) كأطروحة لنظام الحكم الاسلامي في زمن الغيبة ـ هو “ولاية الفقيه” ضمن شروط معينة يجب أن تتوفر فيه.

وهذا الكتاب المتواضع المعروض بين يدي القارئ الكريم، بحث استدلالي مقارن بين الديموقراطية، والشورى، وولاية الفقيه… ولذلك فقد اشتمل على ثلاثة أبحاث:

 

الأول ـ في الديموقراطية، ونمرّ خلال البحث عنها على الدكتاتورية بشكل عابر. والثاني ـ في الشورى. والثالث ـ في ولاية الفقيه. أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذه البضاعة المزجاة، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.