الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

15/إليك ملخص الجلسة الرابعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

ما نهدف إليه في هذه السلسلة

إن المحاضرات والأبحاث التي نطرحها نحن الخطباء في هذه المنابر عادة لا تخلو من هذه الحالات التالية؛ فإما نطرح شيئا مغفولا عنه وقلّ ما ينتبه إليه الناس، فنتحدث ونذكّر الناس على هذا الأمر المهمّ الذي يعرف الناس أهميّته ولكنهم غفلوا عنه. وإما أن يكون الموضوع مجهولا لا يعرفه أحد، وهذه حالة نادرة جدا، فنادرا ما يحصل أن نرتقي المنبر ونقول: نريد أن نتحدث في هذه المحاضرة عن شيء لا يعلمه أحد! إذ قد سمع الناس كثيرا من المعارف الدينية، إلّا أن تشتمل المحاضرة على نقطتين أو ثلاث لم يعلمها بعض الحضّار. وتارة تكون المحاضرة موعظة وهي أن يتحدث الخطيب مع الناس بقوّة وشدّة كي تستيقض قلوبهم من سباتها ويتأثرون بنصائحه ومواعظه.
أما الآن وفي سلسلة هذه المحاضرات، لم تنطبق هذه الأبحاث على واحد من تلك الأنواع في إلقاء المحاضرات، مع أني غير صالح لجميعها. إن الهدف الذي نرمي إليه في هذه السلسلة، لا هو من قبيل التذكير ولا من قبيل الموعظة ولا من قبيل التعليم والإخبار، بل هو من قبيل تغيير الرؤى.
إن رؤى الناس وحركتهم وأجواءهم الذهنيّة خاطئة ولابدّ من تغييرها. ولا يخفى أن تغيير الرؤى ليست بعملية هيّنة، إذ لا تتغير رؤية الإنسان بالاطلاع على معلومة خاصّة أو على رواية أو اثنتين. بل هو بحاجة إلى عمليّة جذرية ينقلع فيها عن رؤيته السابقة تجاه الدين ليحصل على الرؤية الجديدة التي رءاها صائبة.
إن وفّقتُ بعون الله لتغيير رؤيتكم، بعد ذلك إن حاولتم أن تغيروا رؤية أحد آخر، سوف تواجهون صعوبة، إذ إن تغيير الرؤى أساسا هو عمليّة صعبة. إن هذه الليالي الثلاثين في شهر رمضان لخير فرصة للتأمّل في موضوع واحد، وخير فرصة لإصلاح الرؤى. فإن الرؤية تختلف عن المعلومات البسيطة. إن الرؤية غير التذكير، وإنّها تختلف بطبيعتها عن استماع الموعظة بهدف اندفاع الروح وكسب الحافز للعمل.

إن رؤية الناس بشكل عام تجاه موضوع الدين وما يدور في فلكه غير صائبة

هنا أدعي ادعاءً في محضركم وهو أن رؤية الناس بشكل عام تجاه الحسن والصلاح غير صائبة. وإن رؤيتهم تجاه الدين غير دقيقة، إن لم أقل أنّها غير صائبة. إن رؤية الناس بشكل عام تجاه الحياة وفلسفتها غير صائبة. كذلك هم غير صائبين في رؤيتهم تجاه الهدف السامي والراقي الذي يجب أن يختاروه.
طبعا إن إثبات هذا الإدعاء بحاجة إلى بحث متسلسل طويل، وإلا فإن أكتفي بالإدعاء فقط، تواجهوني بسؤالين صعبين وسوف لا أستطيع الجواب بسهولة. وهي: ما هي رؤية الناس الخاطئة؟ ثم ما هي الرؤية الصائبة في رأيك؟
إنّ تبيين رؤيتنا بحدّ ذاته هو أمر عسير، فما بالك إن أردنا تبيين الرؤية الصائبة. إن ما أدعيه خلال هذه الأبحاث هو أن رؤيتنا تجاه التربية ومسار العبودية والسير والسلوك إلى الله وكذلك رؤيتنا تجاه الحياة وفلسفتها وفلسفة كل ما يجري ويحدث في الحياة ليست برؤية صائبة، أو على الأقل ليست دقيقة. فما نصبو إليه خلال هذه السلسلة هو تغيير الرؤى. فلابد أن تمتزج مجموعة ومنظومة من المعلومات والمعارف معا لتنهض بتغيير رؤية الإنسان وتغيير قبلته واتجاهه. وأنا أعلم أن هذه الكلمات والعبارات هي كلمات كليّة وعامة لا يمكن إحساسها ولمسها، فلابدّ لنا من الدخول في البحث. فأقترح عليكم أيها الإخوة أن تواكبوا الأبحاث بلحاظ تسلسلها واتصالها، وإلا قد لا يحصل ما نصبو إليه.

ما معنى تغيير الرؤى؟

فلأشرح قليلا ما هو المقصود من تغيير الرؤى. إن لمست بيدك أعضاء فيل في الظلام الدامس، ماذا تشعر بهذا اللمس وما سيكون انطباعك عن هذا الكائن الذي لمسته بيدك؟ فمرة تمسّ بطنه ولعلك تزعم أنه سقف صلب، وأخرى تمس رجله فتتصور أنه عمود محكم، ثم تلمس جنبه وجسمه، فقد تشعر أنه جدار عال. فهل سوف تحصل على صورة كاملة وواضحة لهذا الفيل إن لمست باقي أعضائه؟ فهل تستطيع أن ترسم صورته؟! كلا أبدا.
أما إن ابتعدت عن الفيل قليلا وفُتِح لك المصباح، تستطيع أن ترى الفيل بنظرة واحدة، وعند ذلك تعرف حقيقة الأعضاء التي لمستها بيدك وسوف تعرف شأنها وموقها من كل جسم الفيل وما تؤدي من دور في هذا الحيوان ككل. فإن الصورة التي تلقيتها من الفيل في ذاك الظلام الدامس مع أنها لا تخلو من الصحّة تماما ولكنها لم تعطك رؤية صحيحة. وأنا أقول لكم إن كثيرا من معلوماتنا المتناثرة عن الدين صحيحة ولكننا لم نستخرج من هذه الأجزاء صورة مركبة صحيحة عن الدين فلم نحصل على رؤية صائبة تجاهه.
إن الحصول على رؤية صائبة وصورة متكاملة تجاه الفيل أمر يسير، لكن تعالوا إلى الدين فما هي الصورة التي لابدّ أن نحملها عنه؟ أعدّوا فهرسا عن آيات القرآن التي تزيد عن ستة آلاف آية بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الوصايا الأخلاقية، فمن أين نبدأ وإلى أين ننتهي؟! وما علاقة بعضها ببعض؟ فهل يمكن أن نربط جميع معارف الدين كخرز السبحة في خيط واحد؟
فهذه مقدمة أضفناها إلى ما قدمناه في الجلسة الأولى حيث ذكرنا هناك أن لابدّ من تنظيم معلوماتنا المتناثرة عن الدين في نطاق منظومة واحدة. وأضفنا في هذه الليلة أن لابدّ أن تكون لنا رؤية شمولية وجامعة وصائبة عن مجموع المعارف الدينية بحيث تشخِّص الرابط والعلاقة بين مختلف أجزاء الدين.

يتبع إن شاء الله…

شاهد أيضاً

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني – الأستاذ بناهيان

21/ إن مخالفتك الهوى ليس من وظائفك فقط، بل هي من شؤون دنياك وشؤون ربّك أيضا. ...