الرئيسية / تقاريـــر / أحفاد أمية وديدن نقض العهود والمواثيق- جميل ظاهري

أحفاد أمية وديدن نقض العهود والمواثيق- جميل ظاهري

عانى ما عانى رحمة للعالمين الرسول محمد الصادق الأمين (ص) في مهمته الرسالية لهداية البشرية وإخراجهم من الظلمات الى النور ما لم يلاقه أحد من الرسل والأنبياء الـ 124 ألف الذين سبقوه، خاصة من قريش وبني أمية بقيادة “أبو سفيان” وحلفائه من الكفار والمنافقين ويهود بني قريضة والقنيقاع وغيرهم في نقض العهود والخديعة والمكر والحيلة والقتل والتحريف وتضليل أفكار الناس تجاه الرسالة المحمدية الأصيلة والذي قائم على أركانه الى يومنا هذا؛ حتى قال (ص): “ما أوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ” .

 

نقض العهود والمواثيق ديدن بني أمية وأتباعهم وشيعتهم ولم يقتصر على زمان ومكان فهو متواصل حتى يومنا هذا، وقد خلى أكثر وضوحاً على عهد وصيه وخليفته من بعده دون فصل فإذا بالذين نادوا يوم غدير خم “بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة” معاهدينه أمام الرسول الأكرم (ص) وأكثر من (130) ألف حاج من المسلمين؛ يجتمعون في سقيفة بني ساعدة وجسد نبي الرحمة والمودة والاخلاق الشريف لا يزال لثلاثة أيام بدون كفن أودفن، منهمكين بتخطيط نقضهم لعهدهم وإقتماصهم.. حتى بلغ بهم المأخذ أنهم لم يشاركوا في تشييع رسول الهداية (ص)، ومن ثم تواصل تآمرهم على الحق القرآن الناطق الامام علي أمير المؤمنين عليه السلام حتى طبر فرقه الشريف وهو قائم يصلي بالأمة في محراب مسجد الكوفة، فعهد الأمر لأبنه الامام الحسن المجتبى (ع).

 

الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام والذي نعيش هذه الأيام ذكرى ولادته المباركة، هو الآخر لم يسلم من نقض عهود ومؤامرات “بنو أمية” وماكنة دعاية “معاوية” المليئة بالماكرين والناكثين والقاسطين والمارقين من أمثال “عمرو بن العاص”، حتى دفع بريحانة الرسول (ص) وسيد شباب أهل الجنة للتوقيع على “ميثاق الصلح” مع الطليق أبن الطلقاء “معاوية بن أبي سفيان” في 26 ربيع الأول سنة 41 للهجرة حقناً لدماء المسلمين ودفعاً للفرقة والنفاق والتشتت والانقسام وإندحار الرسالة النبوية الشريفة وحفاظاً على بيضة الاسلام ومنعاً لسفك الدماء لقوله (ص): “إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين” – رواه البخاري، والنسائي في “عمل اليوم والليلة” بثلاث روايات (256) و(1899) و(32178) و(37362)، وغيرهما من المحدثين الكبار لا مجال للمقال بذكرهم جميعاً؛ بعد أن خانه قائد جيشه وأقرب الناس إليه “عبيد الله بن العباس”، زعماء غالبية قبائل الكوفة بعد أن أغدقهم جميعاً معاوية بالرشوة والأموال الكثيرة، مثلما فعلوها مع أخيه الامام الحسين (ع) من بعده؛ الى جانب قوّة جيش “معاوية” أمام ضعف معنويات جيش الامام (ع) إثر الدعايات والإشاعات التي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي آنذاك، وكذلك محاولات الاغتيال التي تعرض لها الإمام الحسن (ع) في الكوفة وغيرها.

 

رسول الله (ص) كان قد قالها قبل ذلك بعقود مخاطباً الصاحبة: “إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه” – جاء في تاريخ الطبري – الجزء: (8) ص (186)، ورواه الذهبي في ميزان الإعتدال – الجزء : (1 و 2) ص (571 و 613)، وفي كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ص 221 نقلاً عن عبد العزيز بن الخطاب عن صالح بن أبي الأسود عن إسماعيل.. وكذلك رواه ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج (4: 32)، وآخرين كثر من كبار العامة، وجاء في الملاحم والفتن عن كتاب الفتن لأبي يحيى زكريا بن يحيى النيشابوري ص 329 نقلاً عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن عبد الله .

 

لحظات حاسمة كانت بين قبول “الخال معاوية” للصلح مع حفيد رسول رب العالمين (ص) وبين نقضه للعهد بعد إعتلائه المنبر من بعد الامام الحسن (ع)، في النخيلة أمام حشود المسلمين التي كانت مجتمعة للقتال قبل اعلان الصلح، وهو يمزق ورقة “الميثاق” بكل طغيان وجبروت ونفاق، ويقول: “إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون” – جاء في كتاب الأمراء لإبن أبي شبية الحديث (29962) عن حدثنا : أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد، وكذلك في مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: ص45.

 

الحديث عن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، هو الحديث عن سر الروح في آفاقها الواسعة الصافية النقية المنفتحة على الله عزوجل، وعمق الانسانية المتحركة بالخير والحق والعدل كله.. ومعنى الحكمة في مواجهة حركة النفاق والشقاق، وشمولية العطاء في رعاية المحرومين من حوله، وسموّ الأخلاق الّتي تحتضن كل مشاعر الناس بكل اللهفة الحانية في مشاعرها؛ لكن الرافضين للآخر لا يمكنهم قبول التصدي لإنحرافهم وتزييفهم للرسالة السماوية السمحاء الداعية للمحبة والمودة والتعايش السلمي والتعاضد والتكاتف والتوحيد والمساواة والعدالة؛ فجعلوا من الاسلام سيفاً يقطع الرؤوس، ومفخخات تفجر الناس الأبرياء، وسلاحاً لتدمير البلاد والعباد خدمة للمشروع الصهيوني العالمي “الاسلاموفوبيا” بأموال بترول الأمة وفتاوى وعاظ بلاطهم مرتزقي فتاة ريالهم ودرهمهم ودولارهم، يبيعون ويشترون بدماء الناس باثمانٍ رخيصة دون خوف أو فزع أو وجل من الله سبحانه وتعالى .

 

بعد أكثر من 14 قرناً على نقض “معاوية” لـ”ميثاق الصلح” بين المسلمين، يحمل أحفاده ذات الحقد والكراهية والحسد لآهل بيت الرسالة (ع) وأتباعهم ومحبيهم فيحكمون فراعنة طغاة دواعش مجرمين، يملأون السجون بأخيار الناس ويزهقون أرواحهم ويجرون أنهاراً من الدماء البريئة من البحرين وحتى المغرب، ومن العراق وحتى سوريا ولبنان واليمن مروراً بأفغانستان وباكستان والهند وغيرها من بلاد المسلمين.

 

الصورة ذاتها تتكرر اليوم في البحرين حيث الحاكمين هناك يخطون ذات خطى أسلافه “أبناء الطلقاء”، في تمزيق وحدة المسلمين فيمنعنون الناس من أداء الخمس وإقامة الصلاة، ويجرمون أئمة المساجد لوعظهم وإرشادهم للناس ودعوتهم للاصلاح والعدالة؛ ويعتبرون إقامة فريضة الصلاة “من مظاهر التجمعات التي تؤدي الى فتنة” كما قالها “حمد بن خليفة” وبيان وزارة داخليته وما قاله محافظ المنامة هشام آل خليفة، فيما سجونهم مليئة بآلاف الناشطين والعلماء والمعترضين المطالبين بالحرية والمساواة .

 

أما الوضع في بلاد الحرمين الشريفين فحدث ولا حرج حيث عشرات الآلاف من دعاة الاصلاح والتغيير والسير على نهج القرآن الكريم والسنة النبوية المحمدية الاصيلة يرزحون في معتقلات الكيان السعودي الإجرامي القمعي تبعاً لهبلهم الكبير “معاوية” في قطع رؤوس معارضيهم ويسفكهم للدماء المحرمة عند الله سبحانه وتعالى أكثر من حرمة بيته العتيق، ويثيروا الفتن الطائفية ويشقون عصى المسلمين من شرق الأمة حتى غربها ومن شمالها حتى جنوبها، ولا يخلوا مكاناً من نفوذ فتاوى وعاظ بلاطهم أحفاد “أبن العاص” بمكره وخديعته ونفاقه ومساعيه بعودة الأمة الى القبلية والجاهلية .