الرئيسية / الاسلام والحياة / في رحاب بقية الله وامنُن علينا برضاه – الشيخ نعيم قاسم

في رحاب بقية الله وامنُن علينا برضاه – الشيخ نعيم قاسم

من دعاء الندبة: “وَصِلِ اللّهُمَّ بَيْنَنا وَبَيْنَهُ وَصْلَةً تُؤَدِّي إِلى مُرافَقَةِ سَلَفِهِ, وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يَأخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ, وَيَمْكُثُ فِي ظِلِّهِمْ, وَأَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ, وَالاجْتِهادِ فِي طاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَعْصِيَتِهِ، وَامنُنْ عَلَيْنا بِرِضاهُ, وَهَبْ لَنا رَأفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدَعاءَهُ وَخَيْرَهُ ما نَنالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَوْزًا عِنْدَكَ”(1).

 

 

*الحجَّة خطٌّ متصل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجةٌ على البشر، وكذلك الإمام عليه السلام، فالمعصوم ليس مجرَّد مُبلِّغٍ وداعٍ وهادٍ إلى الله تعالى، بل هو قائدٌ وموجِّهٌ للمؤمنين إلى خطِّ الهداية، ما يُحمِّلهم مسؤولية الاقتداء والطاعة. فالطاعةُ حقٌّ للمعصوم، وواجبةٌ على المكلَّفين. ورد في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف: “وأمَّا الحوادث الواقعة, فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنَّهم حجتي عليكم, وأنا حجةُ الله عليهم”(2).

 

 

الحجَّة خطٌّ ممتدٌّ ومتّصلٌ من أول الأنبياء إلى خاتمهم، ثم من أول الأوصياء إلى خاتمهم، قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ (الشورى: 13).

 

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لما عُرج بي إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حُجب النور، ناداني ربي تعالى: يا محمد، أنت عبدي وأنا ربُّك، فلي فاخضع، وإيَّاي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، فإني رضيتُ بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك علي خليفة وباباً، فهو حُجتي على عبادي وإمامٌ لخلقي، به تَعرف أوليائي من أعدائي، وبه يُميَّز حزب الشيطان من حزبي، وبه يُقام ديني وتُنفّذ أحكامي وتُحفظ حدودي، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحَمُ عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أُعمِّر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه أُطهِّر الأرض من أعدائي وأورِّثها أوليائي، وبه أجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى وكلمتي العليا، وبه أُحيي عبادي وبلادي، وبه أُظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي، وإياه أُظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمدُّه بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذاك وليي حقاً، ومهديُّ عبادي صدقاً”(3).

 

 

يقول في دعاء الندبة: “وَصِلِ اللّهُمَّ بَيْنَنا وَبَيْنَهُ وَصْلَةً تُؤَدِّي إِلى مُرافَقَةِ سَلَفِهِ”، فالصِّلةُ مع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف طريقٌ للصِّلة مع سَلَفِهِ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، لنأخذ عنهم ما يهدينا إلى الاستقامة على خطِّ الاسلام، والفلاح في عملنا وسلوكنا.

 

 

*الاعتصام بالنبيّ والأئمة
“وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يَأخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ, وَيَمْكُثُ فِي ظِلِّهِمْ”، يأخذ بحجزتهم أي يعتصم بهم، ويمكثُ في ظلِّهم ليتفيَّأ بنور هدايتهم، فالأئمة عليهم السلام سفينةُ النَّجاة التي تنقلنا إلى برّ الأمان والفوز. عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “من أحبَّ أن يركب سفينة النجاة, ويستمسك بالعروة الوثقى, ويعتصم بحبل الله المتين, فليوالِ علياً بعدي, وليعادِ عدوَّه, وليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنَّهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمتي, وقادة الأتقياء إلى الجنة. حزبُهم حزبي, وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان” (4).

 

 

النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام هم السلسلة الذهبية التي تجمع المؤمنين مع قيادتهم في إطار الولاء المطلق لله تعالى ليكونوا من حزبه، قال تعالى:﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾(المائدة: 55 – 56).

 

 

*حقوق صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف
لصاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف حقوقٌ، علينا معرفتها وتأديتها، والاستعانة بالله تعالى ليعيننا على أدائها، “وَأَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ”، وهي حقوقُ الطَّاعة والانتظار والتهيئة والقتال بين يديه والسير تحت لوائه… فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم، فإنَّه من مات منكم على فراشه، وهو على معرفة حقِّ ربه وحقِّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثوابَ ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاتِهِ لسيفه، وإنَّ لكل شيء مدةً وأجلاً”(5).

 

 

وأعنَّا يا رب على “الاجْتِهادِ فِي طاعَتِهِ وَاجتِنابِ مَعْصِيَتِهِ”. فالأمر الإلهي واضحٌ في وجوب الطاعة المطلقة للمعصوم فيما يأمر وينهى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59). وإنَّما تكون الكرامة والمكانة العظيمة للمؤمنين في زمن الغيبة بسبب الإخلاص لصاحب العصر عجل الله فرجه الشريف، وهو ما ينتج عن الالتزام بحرفية التوجهات التي تجعلهم من جند الإمام عجل الله فرجه الشريف. قال الإمام زين العابدين عليه السلام: “ثم تمتدُّ الغيبة بولي الله عزَّ وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده. يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته، القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كل زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عزَّ وجل سراً وجهراً”(6).

 

 

*الحاجة إلى الرضا والشفاعة
“وَامنُنْ عَلَيْنا بِرِضاهُ”، فالمهدي عجل الله فرجه الشريف قائدنا، وهو على معرفة بأنصاره، ونحن بحاجة إلى رضاه، لتثبيت انتمائنا إلى جنده، وقبوله لنا. فالرضا هو الدرجة الأسمى، يمنحها الله تعالى لعباده المؤمنين، ﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (المائدة: 119)، ولا يتحقق رضوان الله تعالى إلا برضا الوليّ الذي يمنح هذا الوسام لأنصاره وأتباعه.

 

 

نحن بحاجة إلى شهادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف بصلاحنا ورضاه، وهي تتحقَّق مع مستلزماتها بالدعاء المقرون بالعمل، “وَهَبْ لَنا رَأفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَدَعاءَهُ وَخَيْرَهُ ما نَنالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَفَوْزًا عِنْدَكَ”. وبذلك ننال شفاعته، فنجمع بسببه بين سعة رحمتك يا رب في دنيانا، والفوز برضاك والجنة في آخرتنا.

 

 

التوفيق لأداء حقوق صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف طريقُ النجاة، وهو ما يتطلَّب من المؤمنين التزاماً وجهاداً وتضحيةً وصبراً، تؤدي إلى قبول الإمام عجل الله فرجه الشريف لهم ورضاه عنهم، ما ينعكس خيراً محضاً في الدنيا، وثواباً جزيلاً في الآخرة. فادع الله تعالى أن يوفقك للطاعة التي تستجلب الفلاح في الدنيا والآخرة.

 

 

1.إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص512.
2.كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق, ص 483 – 485.
3.الجواهر السنية، الشيخ الحر العاملي، ص235.
4.بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج38, ص92.
5.نهج البلاغة، الخطبة 190.
6.كمال الدين وتمام النعمة، م. س، ص319.

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...