الرئيسية / الاسلام والحياة / حركة الإمام المهدي «عجل اللّه فرجه» والحتمية الإلهية – السيد ياسين الموسوي

حركة الإمام المهدي «عجل اللّه فرجه» والحتمية الإلهية – السيد ياسين الموسوي

ألقيت الندوة في كلية التربية للبنات في النجف الأشرف . بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، الكوكب الطاهر والبدر الزاهر، والمصطفى الأمجد أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.
اللهم ربنا وفقنا وجميع المشتغلين واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنك أرحم الراحمين.
عندما يريد الإنسان أن يتحدث عن العقيدة المهدوية ربما يقع أمام ناظر الباحث موضوع مهم، هذا الموضوع هو البحث عن دور حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف فيما يسمى بالحتمية الإلهية.
اصطلاح الحتمية الإلهية نقصد به البحث عن حلقة التغيير والتكوين الاجتماعي في المجتمع الإنساني، كما يعبر عنه في حلقات فلسفة التأريخ.
نفترض في الأيديولوجية الماركسية حينما يتحدثون عن تطور المجتمعات الإنسانية تحت قانون الحتمية، الديالكتيكية يتعرضون إلى نقطة مهمة في عملية تطور المجتمع من دور إلى دور، بالضبط عندما نقرأ المفهوم الإسلامي للعالم وفلسفة التأريخ نجد أن الإسلام عنده هذه الرؤية العقائدية التي يفسر بها عملية التغيير الحضاري والتطور الاجتماعي في مجتمعات الإنسان.
بما إنني لم أقصد من هذا البحث الحديث عن تلك القوانين الاجتماعية المؤثرة في تكوين نوعية الطبقة الاجتماعية وتسلسل تلك الطبقات، وإنما أتحدث عن حلقة واحدة بشكل إيجازي ـ بما يقتضيه ويتحمله الوقت الضيق ـ عن دور حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.

ملامح الحركة المهدوية:
لو قرأنا كلما كتب عن الإمام سواء في الفكر الإمامي أو الفكر الإسلامي غير الإمامي بل وحتى الفكر غير الإسلامي، فإنّ أوضح ما يمكن أن يتحدثوا عنه هو التغيير الذي سوف يحدث في حركة الإمام عجل الله فرجه، هذا أوّلاً.
والشيء الثاني من تلك الحركة، هو أن تكون تلك الحركة خاتمة الحركات التغييرية في الأمم والمجتمعات الإنسانية، يعني يمكننا أن نقول: إن الحركة الأخيرة في تطور المجتمع الإنساني ككل سوف تنتهي بحلقة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وتبعاً لهذه الحقيقة يتضح أنّ حركة الإمام غير مسبوقة ـ لا كماً ولا نوعاً ـ بحركة تغييرية أخرى، وهو المعبر عنه دينياً بالنص النبوي المأثور والمجمع عليه في الفكر الإسلامي عموماً سواء السني أو الشيعي بما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.(1)
هذا الموضوع، وهو كيفية وتحديد نوع امتلاء الأرض بالعدل الإلهي إضافة إلى شرح وتوضيح نوع امتلاء الأرض قبل ظهوره عجل الله فرجه الشريف بالظلم والجور الإنساني الذي يفعله الإنسان الخاطئ، سواء الخاطئ عن عمد أو الخاطئ عن غير عمد يحتاج إلى بحث لسنا الآن بصدد الحديث عنه، لأن هذا ـ واقعاً ـ موضوع بكر يلزم أن نتطرق إليه بتفاصيل، ويحتاج إلى وقت مفصل للحديث عنه.

تكامل الأدوار:
أما الذي أردت أن أبيّنه في هذه اللحظات والدقائق هو أن هذه النقاط التي تحدثت عنها تتحدث عن نوعية هذه الحركة الختامية لمجتمع الإنسان.
يعتمد الإنسان الذي يريد أن يدرس حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، يعتمد على توضيح وفهم مركّز لكيفية ظهور هذه الحركة، ومدى أممية هذه الحركة وسعة حركة الإمام عجل الله فرجه.
الشيء الذي يمكننا أن نتحدث عنه باختصار هو أن التأريخ الإنساني بحلقاته المتقدمة سوف يصل إلى مستوى يؤهل الإنسان النوع ـ ولا أقصد الإنسان الفرد ـ الإنسان النوع يؤهلّه ليكون أهلاً لأن يحكمه العدل المهدوي، بتعبير آخر يعطيك جواباً عن سؤال يقول: لماذا لم يظهر الإمام المهدي في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولماذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المهدي؟ وهذا سؤال بالنسبة إلى الشيعة الإمامية: لماذا لم يكن الإمام علي وهو سيد الأئمة وأبو الأئمة وخير الأئمة سلام الله عليه، لماذا لم يكن هو الإمام المهدي؟ وهكذا لو أردنا أن نجري السؤال على كل إمام من الأئمة المعصومين عليهم السلام.
الواقع أن كل أحد منهم سلام الله عليه له دور تأريخي في تطوير حياة الإنسان وفي تأهيل المجتمع الإنساني لكي يدخل الدور المتقدم الذي يوصله إليه الإمام المتقدم، يعني بتعبير أوضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان دوره إيصال البشرية إلى مستوى معين، وطبعاً محدد، وقلت إن هذا الموضوع لا أقصد الحديث عن فلسفة التأريخ للرؤية الدينية الإسلامية، ولذلك أنا أشير إشارات إليه لأصل إلى النتيجة التي أتحدث عنها.
فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له دور في تأهيل البشرية لمستوى يمكن أن تتحمل ولاية علي بن أبي طالب ثم إن لأمير المؤمنين عليه السلام دوره الذي سلمه للإمام الحسن، وهكذا الأئمة من بعده، إن تشخيص هذه الأدوار يحتاج إلى بحث مستقل.
ولكن هناك دور قد اشترك فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأمير والأئمة الباقين في تأهيل البشرية إلى أن تكون مستحقة لتولي الإمام المهدي لجميع أدوار الإمامة، يعني أن من مهمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومهمات الأئمة الباقين فضلاً وإضافة إلى مهماتهم الخاصة الأخرى هي تأهيل البشرية لأن يتقبلوا ويصلوا بمستوى ليس القبول فقط، بل أن يصلوا بمستوى الطرح الميداني لإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
أي أنه لو لم يكن الأئمة السابقون يقومون بهذا الدور لما كانت البشرية مؤهّلة لاستقبال دورها في ظل إمامة الإمام المهدي وقيامه في ذلك.
على كل حال، الإمامة بالنسبة للإمام المهدي لم تكن منحصرة بالظهور، وإنما دوره في الظهور وقبل الظهور، والذي أخذ أبعاده عجل الله فرجه الشريف من يوم ولادته إلى الغيبتين الصغرى والكبرى، ولذلك نجد أن كل هذه الخصوصيات المتعلقة في هذه المرحلة من تأريخ الإنسانية هذه قد وردت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى لسان الأنبياء الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أننا نجد ذكر المهدي عجل الله فرجه الشريف بالكناية أو بالأسماء التي قُصّت بالكتب السماوية نجد تلك الأسماء موجودة في كتب السماء في التوراة والإنجيل.
وقد ألفت كتب خاصة في ذكر الآيات الإنجيلية والآيات التوراتية التي ذكرت الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.(2)
أي أن هذا الدور لم يبتدئ بالنبي، وإنما كان هذا الدور قد قام به الأنبياء من قبل.
إن مجموع الرسالات السماوية قد اهتمت في تربية البشرية لمستوى أن تتقبل العقيدة المهدوية أولاً، والحركة المهدوية التي تتعمق وتترسخ عندما يظهر عجل الله فرجه الشريف، يعني عندنا مرحلة العقيدة، ومرحلة إجراء العقيدة في الواقع وتنفيذ تلك العقيدة على أرض الواقع وتنفيذها عندما يظهر عجل الله فرجه الشريف فيتم بذلك «أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً» تتم الخاتمة في حركات الطبقات الاجتماعية لرؤية دينية سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية.

مراحل تأهيل المجتمع:
نلاحظ أيضاً، بعدما وضحنا هذه الحقيقة، وأن حركة الإمام هي الحلقة الأخيرة لنهضة المجتمع، نقول: لابد أن تؤهل الإنسانية ـ وأريد هنا أن أبين كيفية تأهيل المجتمع ـ هناك تصور واضح أن المجتمع الذي يظهر فيه الإمام يختلف عن المجتمعات السابقة عليه، المجتمع الذي يظهر فيه الإمام، ولا أقصد المجتمع الذي يصنعه الإمام، عندنا مجتمع يسبق الإمام، وعندنا مجتمع ينهض فيه الإمام، وعندنا مجتمع يصنعه الإمام عجل الله فرجه الشريف.
المجتمع الذي قبل ظهور الإمام، وهو المجتمع الأول، وهو ممتد بعصر الإنسانية إلى مستوى أن تظهر علامات ظهوره عجل الله فرجه الشريف.
بتعبير آخر: نريد أن ندرس علامات الظهور دراسة أكاديمية واضحة، تحدد الفلسفة الواقعية لحركة الإمام.
إن الإنسانية قبل الظهور تكون بمستوى غير مؤهل لاستقبال حركة الإمام ولذلك لم يظهر الإمام، ولذلك لم يكن الإمام هو النبي، ولم يكن هو الأمير، ولم يكن الإمام عجل الله فرجه الشريف هو أحد آبائه عليهم السلام، لأن البشرية غير مؤهلة لهذه النهضة، البشرية لم تملك الأهلية لهذه النهضة، ولكن الأئمة عليهم السلام قد سعوا لإيجاد هذا المجتمع الذي يكون مؤهلاً ليظهر فيه الإمام، المجتمع حيثما يتكامل، وأشد تكاملٍ له في الغيبة الكبرى، فإذا تكامل هذا المجتمع في الغيبة الكبرى حينئذ تبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة الظهور.
ففي مرحلة الظهور يكون المجتمع الإنساني عموماً مؤهلاً بشيئين، ببعدين، بعنصرين يملكان ويحكمان المجتمع، العنصر الأول هو العنصر المخطئ، الذي يعبر عنه بالظلمة والجور، تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً.
العنصر الثاني الذي نقرؤه في الروايات أن الإمام المهدي لا يظهر إلاّ بعد أن تتكامل له قواعده التي يتحرك بها في نهضته وحركته، قد يتصور البعض أن القواعد محدودة بعددٍ محدود، عندنا روايات بعضها معتبرة من حيث سند الحديث الروائي، وبعضها يسند تلك الروايات أن عدد الذين ينتظرون ظهوره عجل الله فرجه الشريف 313 كعدد أهل بدر.(3)
هؤلاء الـ 313 يعبر عنهم بأسمائهم، بعض الروايات موجودة بأسمائهم وأوطانهم.(4)
وأنا عندي ملاحظات على هذه القطعة من كون تلك الأسماء هل هي رمزية أم هي واقعية تعبر عن أشخاصهم، وكذلك المدن هل هي تعبر عن بعد رمزي للمناطق التي يظهر هؤلاء بها أم هي تعبر عن أسماء موجودة في الواقع وموصوفة ومشخصة، هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى وقت.
وإن هذا العدد 313، هؤلاء الذين يعبر عنهم بقادة جند الإمام، هؤلاء الأشخاص ليسوا لوحدهم هم القاعدة التي ينتظرها الإمام، وإنما هؤلاء هم قادة لمجتمع إيماني يظهر قبل الإمام، يقوده هؤلاء القادة الـ313.
أي أنه كما نقرأ يمتلئ الوجود الإنساني الاجتماعي بالظلم والجور، كذلك هناك مساحات واسعة من الإيمان والإنسان المؤمن، هذه المساحة التي يفترض أن توجد بدون تحديد، الروايات لم تحدّد سعة هذه المساحة وإنما ذكرت وجود هذه المساحة التي يقوم بها الإمام بالتغيير.
طبعاً عندنا شواهد وروايات كثيرة تنص على هذه الحقيقة، هذه الروايات بعضها وجدت في زمان الأئمة عليهم السلام، روايات عن الإمام الصادق عليه السلام أن الإمام لا يظهر إلاّ في مجتمع خاص هذا المجتمع يكون مؤهّلاً لحكومة الإمام ولقيادة الإمام.
إذا توفّر هذان العنصران: العنصر الأوّل القادة، والعنصر الثاني القاعدة التي تحكمها تلك القيادة، إذا توفّرت تكوّن مجتمع قبل الظهور، فدلّ على ذلك علامات، هذه العلامات تدل على ذلك المجتمع الذي سوف يكون على يديه التغيير الإلهي والحتميّة الإلهية.

منبع التغيير:
من الطبيعي في هذه المرحلة عندما نتحدث عن عملية التغيير لابد أن نتذكر دور الإنسان في التغيير، وهنا بحث سياسي واجتماعي وفقهي على مستوى ثقافي واسع، في أنّ الأهمية في التغيير هل تعود إلى الأمة أم أن الأهمية تعود إلى القائد؟ يعني من هو الذي يغير؟ هل أن الإمام أو القائد هو الذي يغيّر الأمّة، أم أن الأمة هي التي تغيّر القائد.
يعني لابد أن نكثف جهودنا على أي الأثنين؟ لإيجاد أي الأثنين؟ هل نكثف الجهد في إيجاد الإنسان القائد، أم نكثف الجهد في إيجاد الأمة القائدة؟ هذا الموضوع موضوع مهم جدّاً سواء على المستوى الفكري أو المستوى الميداني والعملي.
فإذا قلنا ـ نحن كأناس نعيش في الأمة وكمكلفين ـ إن الذي يقود التغيير الإمام، إذن فما هو دور الأمة؟ وما هو دور الفرد في الأمّة؟ وأما إذا قلنا أن المغير هي الأمة، فسوف يكون تحركنا تحركاً آخراً في التغيير من إيجاد الأمة القادرة على التغيير.
هذا الموضوع من الأهمية بمكان، لا أريد أن أشخص كل أبعاد هذا الموضوع أيضاً، وإنما قد عنونت من قبل هذه الحقيقة، قد أوفق في أيام أخرى أو أنتم تبحثون وراء هذه العناوين بالتفتيش عن معرفة الحقائق المغيرة.
هذا له واقع أيضاً، ليس فقط من جانب النظريّة وإنّما من جانب الواقع، الأمّة الإسلامية أمّة مكلفة والإمام هو المغير، ولكن الإمام قبل الظهور في عصر الغيبة غير الإمام في عصر المعصوم والإمام في عصر المعصوم، غير الإمام بعد الظهور.
هذا موضوع مهم جدّاً يحتاج إلى وقت مفصّل لأجل توضيح جميع خصوصيّاته، لا أخالني أملك الوقت الكافي لأتّعرض لكل أبعاد هذه النظريّة، وإنما أشير إليها إشارة لأجل إعطاء البُنى الأساسية لنظرية حتميّة ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف بتكامل الإنسان من أجل أن يأخذ الإنسان موقعه الأصلي في الحياة، فيتم قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)(5) يعني أن الإنسان الخليفة إذا أراد أن يجسد الحقيقة الغائية للخلقة في الأرض، إنما يتم ذلك عندما تتم الغاية القصوى لظهور المجتمع المؤهل لاستلام قيادة الإمام عجل الله فرجه الشريف.

عصر الظهور:
على كل حال، هذا العصر الذي هو عصر أو مرحلة الظهور، ذكرت له علامات، هذه العلامات التي تتحدث عن هذه المرحلة، ثم بعد ذلك عندما تنتهي هذه المرحلة التي نعيش ـ ولله الحمد ـ أبعادها في عصورنا المتأخرة، نعيش هذه المرحلة، وهي مرحلة علامات الظهور أو مرحلة بداية الظهور.
هذه المرحلة مرحلة مهمّة، أمّا متى تبتدئ وإلى أين تنتهي فهذه تحتاج أيضاً إلى وقفة، يعني متى بدأت؟
بعضهم ممن كتب عن الإمام يعتبر أنّ هذه المرحلة بدأت منذ العباسيين مع ظهور الحركة العباسيّة ضد الأمويين، البعض الآخر يعتبر أنّ هذه الحركة بدأت في عصور متأخّرة، كالعلامة المجلسي التي يعدّها بظهور الدولة الصفوية في إيران.(6)
الآن لست بصدد تشخيص بداية المرحلة فإنني قلت: إنّها تحتاج إلى أرقام تخصيصيّة تحتاج إلى تفاصيل كاملة من أجل أن نضع النقاط على الحروف، ولكني أقول بضرس قاطع أنّها سوف تنتهي هذه المرحلة بظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، وأقول أيضاً بضرس قاطع أنّنا نعيش هذه المرحلة وفي وسط هذه المرحلة، نعيش مرحلة التمهيد وتأهيل المجتمع لظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف.
طبعاً لست الآن بصدد تحديد الوظيفة الشرعية لكل من حضر أو أريد أن أحدّد الوظيفة الشرعية للمكلّف المسلم في هذه المرحلة، وإنّما يعتمد في ذلك على ما كتبه كثير من علمائنا في تحديد الوظيفة، هناك كتاب اسمه (وظيفة الأنام في غيبة الإمام)(7) للسيد التقي الموسوي.

عصر التكامل:
المرحلة الأخرى، وهي المرحلة العظمى في تأريخ الإنسانية، وهي الحتميّة أو نهاية الحتميّة، أو نهاية البداية لتطوّر الإنسانية، تتم بظهور الإمام، نلاحظ المجتمع الذي يقوده الإمام والذي يصنعه الإمام غير المجتمع الذي نحن فيه، هناك عدّة جوانب بارزة في مجتمع الإمام، التغيّر الكوني وليس الإنساني فقط في مجتمع الإمام هذا التغيير بعضه يصنعه الإمام والبعض الآخر يصنعه ملائكة الله أو التكوين الإلهي.
أنا أبيّن نقاط بشكل مجمل، وهي تبيّن كيف أنّ الإمام يغير الإنسان:
أولاً: أن الإنسان كإنسان، كنوع ـ سواء كان مسلماً أو غير مسلم ـ يصل إلى مستوى تتشخّص فيه قوى الخير من قوى الشر، يعني لا يوجد إنسان وسط، بل يكون إما إنسان خيّر مطلقاً، وإما إنسان شرير مطلقاً، هذا الحد لم يكن متوفراً قبل هذه المرحلة، أي قبل مرحلة ظهور الإمام لم تكن البشرية قد وصلت إلى هذه المرحلة من الحدّية بين الخير والشر، وإنما تصل البشرية إلى هذه الحدّية عندما تدخل البشرية مؤهّلةً آخر مرحلة من مراحل تغيير الإنسان للمجتمع الإنساني في ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، هذا أولاً.
لذلك قوانين التحكّم سوف تتغيّر، سواء كان تشريعاً، حتى بعض التشريعات السماويّة سوف تتغير، وتنقلب كثير من الموازين إلى ألوان أخرى، وبعض التغييرات يشخصها الإمام ويتحرك بها الإمام.
أنا أعطيك مثالاً لما يفعله الإمام، سواء فسّرناه على نحو الإعجاز أو فسرناه بأحد التفسيرات المعيّنة، وهو الروايات المتعددة في تغيير أصحاب الإمام، أحد تلك الروايات المرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم».(8)
كمال الحلم بمعنى العقل أيضاً، هذا الكمال، الكمال العقلي، هل كانت الرواية ترمز إلى أنّ تلك الحركة من يد الإمام عجل الله فرجه الشريف المقصود بها يده المقدّسة أم أنه سوف تكون يده على تعبير المجاز أيضاً؟ اليد تعني القوة والسطوة التي يستخدمها الإمام، أن القوّة التي تكون السبب المركزي لكمال العقول، يعني تكامل العقل الإنساني.
نحن الآن مبهورون بما وصلت إليه الإنسانية من التكنلوجية والتطوّر الذي نشاهده، لكن إذا ظهر الإمام عجل الله فرجه الشريف سوف يتكامل العقل الإنساني، هذا التكامل في كل أبعاده الجغرافية أو أبعاده العملية كان يعبر عنه العقل النظري والعقل العملي، يعني طريقة الإدراك سوف تتكامل في عصره.
كما أنه سوف تتكامل الوسائل الممهّدة للعقل الإنساني التي من جملتها التطور التكنلوجي الذي يكون في عصره، وهكذا نجد في زمانه عجل الله فرجه الشريف أن أصحابه يكلم من في المشرق من في المغرب، كان سابقاً في زمان الأئمة عليهم السلام، ربما كان نوعاً من أنواع الإعجاز، الآن صار من البديهة بواسطة التقدم التكنلوجي.
التطور الذي يحدث في عصر الإمام يخاف منه الغرب، وتوجد دراسات غربية ـ قرأت عنها منذ عشرات السنين ـ تتحدّث عن التطوّر التكنلوجي في عصر الإمام عجل الله فرجه الشريف، وكيف يخافون من هذا التطور الذي يرهب التطور الغربي، فالغرب يحسب حساباً لهذا التطور التكنلوجي المهدوي، هذا التطور الذي سوف يكون في زمان الإمام عليه السلام.
الروايات الأخرى تتحدث عن تغيّر في قوى الإنسان، عندنا رواية ـ وأكثر من رواية ـ تتحدث عن هذا التغير في قوى الإنسان، التغيرات التي تحدث في الإنسان المهدوي هذه التغيرات، من جملتها أنه إذا ظهر مسح بيده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله قوّة أربعين رجلاً.(9)
كما تعرفون أن هذا العدد ـ ثلاثون وأربعون وسبعون ـ يعد للمبالغة وللكثرة، يعني تصل قوّة الرجل إلى ما لا نهاية من القوى البدنية والجسمية، والله أعلم بالتغير الفسلجي الذي سوف يحدث في إنسان عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
هذا التكامل للإنسان ليس على مستوى الإدراك والعقل فقط، وإنّما يشمل التكامل الجسماني أيضاً، القوى الأخرى التي تحكم هذه الدنيا، تغير الدنيا، تبدل الدنيا، الاكتفاء بنور الإمام عن ضوء الشمس والقمر.(10)
الآن عندما يتحدث علماء الفلك ويضعون مدّة سنويّة حتّى تخمد الشمس أضواءها وتنطفئ الشمس، هذه المرحلة مهمّة في تأريخ البشرية، هل بانطفاء الشمس تنتهي الحياة في الأرض؟ كما قد يقال حالياً من احتمال وجود حياة في المريخ انتهت لمثل هذه الأسباب، أم هناك حياة ما بين انطفاء الشمس التي يقرها علماء الفلك حالياً إلى مرحلة الله أعلم كم مداها، هذه المرحلة تحدّث عنها الإسلام بتشخيص التطور أو التغير الكوني في عصر الإمام عجل الله فرجه الشريف.
لا أطيل البحث، وإنما أنا أشرت إلى هذا الموضوع إشارات، هذه الإشارات تدعوني وتدعوكم إلى دراسة هذه المرحلة الخطيرة في حركة الإمام التي لا تعبر عن نهاية البشرية، وإنّما تعبّر عن غاية الكمال الكوني والكمال الإنساني والذي يتم ويتحقق في آخر مرحلة من مراحل التطور الإنساني في حركة الإمام المهدي والمعبر عنه بالحتمية الإلهية.
أنا أضع هذا الموضوع في هذا الإطار وبهذا المقدار، لأجل لتلك الفراغات آفاقاً أخرى غير التي شملناها في الحديث في هذه الدقائق، وأسأل الله التوفيق لكم ولنا.
والحمد لله رب العالمين

الأسئلة والأجوبة
السؤال الأول: سيدي تحدثتم عن تأهيل النفس الإنسانية، ووردت آيات قرآنية كثيرة في مسألة الصراع بين الشر والخير، وقد نقلت كثير من هذه الآيات على أنّ أصحاب الخير هم قلة، فهذه النفس الإنسانية، هل هي محصورة بالمؤمنين أم تشمل غير المسلمين؟
الجواب: بطبيعة الحال أنّ الإنسان له موقفان الموقف الفردي والاجتماعي، الموقف الفردي متميّز عن الموقف الاجتماعي، وقد تحدثنا عن الجانب الاجتماعي كمجتمع، لأننا حينما نحلل في علم النفس مرة نتحدّث عن الإنسان الفرد، ومرة نحلل الإنسان ولكن في علم الاجتماع، أي الإنسان المجتمع.
الجانب الذي تحدّثت فيه إنّما تحدّثت عن الجانب الاجتماعي في حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وليس معنى ذلك غض النظر والطرف عن الجانب الفردي، لأن هناك ترابط بين الفرد وبين المجتمع، يعني أنه يمكن أن يفصل الواحد عن الآخر، ولكن كما أن هناك مؤثرات شخصانيّة للإنسان هناك مؤثّرات اجتماعية في الإنسان، يعني أقوى وأكبر من إرادة الإنسان التي في بعض نظريات علم الاجتماع يعبر عنها بالحتمية الاجتماعية أو الجبر الاجتماعي.
أي أنه هناك جبر فردي وهناك جبر اجتماعي، لست أريد أن أحدّد وأشخص هاتين النظريتين وهل هي صحيحة، وإنما استشهد لأوضح الظروف التي أتحدث عنها، وهو أن الإنسان الفرد يحتاج إلى موقف تفصيلي، تحدثت عن الإنسان المجتمع.
الإنسان الفرد في عصر الظهور وعصر ما قبل الظهور له دور كبير في إيجاد هذه الحالة الاجتماعية، لكن لم يكن الدور هو الدور الأوّل والآخر، وإنّما يبقى الإنسان بدوره الفرداني والشخصاني يؤثر، فيه الخيّر وفيه الشرير، ولكن هناك أبعاد اجتماعية تتحكم في عمليّة التغيير الاجتماعي في تطور المجتمع الإنساني.
فكما تحدثت عن ذلك الجانب، يبقى الحديث كما هو معروف أن الإنسان فيه خيّر وفيه شرير ولكن التطور الاجتماعي يوصل الإنسان قبل مرحلة الظهور إلى منطقة المائز والحد الفاصل بين الخير والشر.
السؤال الثاني ـ أو بالأحرى مداخلة من أحد الاخوة الحضورـ: قلتم سماحتكم ما معناه أن الإمام أو المصلح النهائي لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن أحد من الأئمة الأحد عشر قبل الإمام لأن المجتمع غير مؤهل لذلك.
أقول: وذلك لأنّه لم يميز بين الخبيث والطيب وبما أننا نشهد الآن سقوط قانون وضعي بعد آخر لكونه غير صالح لكل الأزمان وحتى تصبح البشرية مدركة أنه لا يكون صلاحها إلاّ بدين الله ودين الله الصحيح ومن منابعه الأصلية، وهذا هو التمييز بين الخبيث والطيب.
الجواب: إن هناك سؤال أثاره البعض لطول عمر الإمام عجل الله فرجه الشريف وبيّن هذا السؤال أنه ربّما يقال أن أحد أسباب طول عمر الإمام لزيادة خبرة الإمام، في الواقع نحن الإماميّة نعتبر هذا الجواب خاطئاً، لأننا نعتبر أن الإمام المعصوم عجل الله فرجه الشريف علمه لدنّي ولا تؤثّر عليه الظروف الاجتماعية لتطوّر علومه عجل الله فرجه الشريف، وإنّما العكس هو الصحيح أن الخبرات الاجتماعية كلما تكثّفت، كلما سبّبت تكامل البشرية، فتكون البشرية مؤهّلة لاستقبال الحركة المحددة للتغيير التام ما قبل وما بعد ـ من قبل ومن بعد ـ فهذه الخبرات التي أشار إليها الكاتب بإشارة من الإشارات إنما عبرت عنها بالتطوّر.
السؤال الثالث: هل هناك رواية تقول أنه لا يكون أمركم ـ أي ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ـ حتى يأتي الله بقوم لا تضرهم الفتنة(11)، فهل هؤلاء القوم المقصود بهم الأمّة أم أصحاب الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
الجواب: عندما نتكلّم عن الأمّة ونتكلّم عن أصحاب الإمام لا نعتبر أصحاب الإمام شيئاً مجرداً عن الأمّة، وإنّما قلنا: إنّ الأمّة أو المجتمع الإيماني، وطبعاً ـ بطبيعة الحال ـ يكون الأصحاب هم قادة هذا المجتمع الإيماني، يكون هذا المجتمع مؤهّلاً لقيادة الإمام، ففي الواقع أنّه لا تمييز بين القادة والمجتمع لأنّه سوف يكون هؤلاء هم قادة المجتمع.
السؤال الرابع: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلى على محمد وآل محمد. هنا مجموعة من الأسئلة كلها تتمحور في محور واحد، نعرضها على سماحة السيد:
الأول: ما هي الواجبات الملقاة على عاتقنا، وما هو دورنا كنساء وموظفات ومعلّمات؟ وكيف نتهيأ في هذا الزمان لظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف.
الثاني: ما هو دور المرأة المؤمنة في عصر الظهور؟
الثالث: هل هناك من النساء مع الإمام المهدي عليه السلام ؟
الرابع: ماذا على المكلف أن يقوم به لتعجيل فرجه عليه السلام؟
الخامس: كيف تتهيأ المرأة لعصر الظهور؟
السادس: هل تستطيع المرأة في زمن الظهور اللقاء معه عجل الله فرجه الشريف؟
السابع: هل صحيح أنّ الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف يقتل على يد امرأة وما هي مواصفاتها واسمها وأين تظهر؟
الجواب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
مجموع الأسئلة تتحدث بشكل عام عن دور المرأة قبل الظهور وبعد الظهور، والإسلام يرى أنّ المرأة قد وجّه إليها التكليف بمقدار ما وجّه إلى الرجل، عندما يقول تعالى: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)(12) الكل يعلم أنّ الله خلق اثنين ـ لم يخلق واحداً ـ خلق آدم وحوّاء، التكامل الإنساني بين الطرفين، لكن الخطاب عندما يوجّه إلى آدم، وهذا خطاب التغليب ـ كما تعلمون ـ يوجّه إلى طرف مع أنه يقصد الطرفين.
وأمّا التغليب الذي صار في هذه المحادثات الربانيّة، فهو لشدّة العلقة بين حوّاء المرأة وبين آدم الرجل حتّى صارا شيئاً واحداً في الخطاب، فلو قرأنا القرآن الكريم نجد تكاليف الصلاة وتكاليف الصيام تكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا توجد عندنا تكاليف قرآنية موجهة إلى الرجل وحده أو تكاليف قرآنية موجهة إلى المرأة، فمثلاً )وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيل)(13)، كلمة: (من) لم يقصد بها الرجل ولم يقصد بها المرأة، ولذلك كان الخطاب )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (لم يقصد به الرجل وإنّما المقصود به خطاب التكليف للذين آمنوا، أي الذين تكونوا من رجل وامرأة.
أقصد من هذا التصور أنّ الرؤية القرآنية والإسلامية للمرأة بمنزلة الرجل بمستوى واحد، ولا يفرّق القرآن ولن تفرّق سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام بين الرجل والمرأة إلاّ عندما تتميّز الخلقة، في باب تميّز الخلقة والتكوين، ليس في التشريع.
أمّا التشريعات الخاصة بالمرأة، فإنّما جاءت نتيجة التميز التكويني للمرأة، فمثلاً عندما أسقط الله تعالى الجهاد عن المرأة وأوجبه على الرجل في زمن من الأزمنة عندما كانت الحرب تعتمد على استخدام العضلات، فإنما كان السبب هو أنّ التكوين الفسلجي للمرأة لا يستطيع أن يوفّر هذا التكليف، وكذلك عندما الله سبحانه وتعالى أسقط تكاليف معيّنة عن الرجل وأوجبها على المرأة، فذلك لأنه فاقد القدرة التكوينيّة أو لهذه التغيرات التكوينية لأداء ذلك التكليف.
أمّا بالنسبة للمرأة في عصر التهيئة للظهور، فدورها نفس الدور، عندما نتحدّث ويكون الخطاب للتذكير وليس التأنيث لكن لم يقصد به التذكير بما هو تذكير، وإنّما المقصود به المكلف الذي يتكون من رجل ومرأة، ولذلك دور المرأة في عصر الغيبة وفي عصر التمهيد للظهور هو نفس دور الرجل وبنفس القوّة وبنفس الحساسيّة وبنفس التكليف، وعندما نتحدث مع المجتمع بهذا الأسلوب فسوف تعلم المرأة كيف تؤدي وظيفتها كما أن الرجل يعلم من خلال التكاليف الشرعية كيف يؤدي وظيفته، وهكذا بالنسبة لما بعد الظهور.
طبيعي هذا الموضوع مهم، أحب أن أشير إليه إشارات وأترك التفاصيل، وهو أن حركة الإمام العسكرية بعد الظهور هل كما نعرفها نحن؟ حرب وقتال، أم هناك حركة أخرى وعندما تذكر الحرب في بعض الروايات فهي عبارة عن كناية ومجاز وألفاظ هدفها إيصال معنى هو أن حركة الإمام ضخمة وعظيمة تحتاج إلى بحث ودراسة، وهذا يحتاج إلى وقت لشرح تلك الأبعاد المهمة لتلك الحركة بالنسبة إلى الإمام.
والحقيقة أن دور المرأة التغييري يتبين إذا عرفنا أن دور حركة الإمام ليست قتالاً بمعنى القتل والقتال فقط، وإنّما لتغيير الإنسان، سوف نعرف أن الدور واحد للرجل والمرأة.
وأمّا أن المرأة سوف تقتل الإمام فلم أجده في رواية، هذه خرافة لم نجدها في كتب أصحابنا أو كتب غيرهم، ولم أسمعه إلاّ في حكايات جدّتي، وهناك بحث يا أخواتي هو أن الإمام عجل الله فرجه الشريف هل يقتل أو يموت ميتة طبيعية أو بإشاءة ربانية، هذا أصله بحث لست الآن بصدد التفاصيل عنه، توجد روايات عندنا أنّه يقتل، لكن عندنا روايات أيضاً يموت ميتة طبيعيّة(14)، واستميحكم عذراً لأنني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أوضح لأني أحتاج إلى وقت.
السؤال الخامس: لماذا نقول: حركة الإمام المهدي ولا نطلق عليها ثورة الإمام المهدي عليه السلام؟
الجواب: يتمكّن الإنسان أن يعبّر كلا التعبيرين، يريد يعبر الحركة التغيرية أو الثورة، هذا مصطلح يمكن التسامح به لأنه مصطلح والمتحدّث والمتكلّم والكاتب يستخدم المصطلح كما هو يصطلح عليه، ولا تشاح باستعمال الألفاظ.
السؤال السادس: يظهر من الروايات أن الإمام المهدي يتخذ العراق (الكوفة) عاصمة له، فهل هذا الاختيار مبني على وجود قاعدة محبة أم لأسباب أخرى؟
الجواب: إن موقع العراق بالنسبة لحركة الإمام وموضع العراق، فيه جملة من الأبعاد المهمة التي سوف تتحقق في هذه البقعة المباركة، فإن عاصمة دولة الإمام عجل الله فرجه الشريف هي العراق وبالخصوص الكوفة، الكوفة معقل الإمام وبيت الإمام، لذلك عندنا في بعض الروايات أن مسجد سهيل ـ أي مسجد السهلة ـ هو بيت الإمام(15) طبعاً هذا الموضوع كيف يكون مسجداً وبيتاً موضوع لطيف وطريف وفيه من المعالم العقائدية والفكرية التي تحتاج إلى تفصيل، كيف كان مسجد النبي بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وبيت فاطمة عليها السلام في المسجد؟ ولذلك سدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الأبواب التي كانت تطل علي المسجد إلاّ بيت علي عليه السلام (16)، لأن بيت علي هو بيت النبي وهو المسجد ـ أي لا فرق بين بيت علي والمسجد ـ لأنّ إرادة الله شاءت أن تكون للإمامة موقعها الخاص، وهذا يحتاج إلى تفصيل، وأن مسجد السهلة سوف يكون بيت الإمام، وفي هذا البيت سوف تشدّ الرايات للإمام المهدي، أي أن مركز الحرب يبتدئ هناك، والسبب في ذلك هو أنّ هذا الشعب بإرادة الله تبارك وتعالى سوف يبلغ القمة في التمحيص.
عندنا روايات تتحدّث عن الآية الكريمة )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ( ثم الآية تقول: )وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(17) الإمام الصادق عليه السلام يقول: إن هذه خاصّة بأهل العراق(18)، يعني أن هذه العلامات، التي هي علامات الضغط، نقص في الأموال والثمرات ثم القتل والدمار والدم الذي سال في العراق وعلى أرض العراق.
أمّا لماذا أنّ الله ابتلى أهل العراق بهذا الابتلاء؟! للأسف هناك ثقافة أمويّة ـ وليس ثقافة علوية هاشمية ـ أمويّة حاولت أن تثبّت كثيراً من قطاعات الأمّة على الانحراف باتهام العراقيين بأنّ هؤلاء يستحقون العذاب والمرارة لأنهم أهل الشقاق والنفاق، هذه الثقافة الأموية لماذا خصّوا بها أهل العراق ولم يختصوا أهل الشام؟! لأن أهل العراق من بداية تأسيس العراق وقبل أن يأتي الإمام أمير المؤمنين إلى الكوفة أسّس على أساس علوي هاشمي، ولذلك النهضة الأولى التي أسقطت الانحراف قبل أن ترجع زمام الإمامة إلى الإمام ابتدأت من العراق، والتصحيح بدأ من الكوفة، حرب الانحراف بدأت من الكوفة، الحرب ضد الانحراف بدأت من الكوفة، لأن الكوفة كانت علويّة من بداياتها وكبرت علويّة الكوفة، وبقيت الكوفة وبقي العراق علوياً، وبتعبير آخر محمّدياً، بتعبير آخر الإسلام الصحيح هو في العراق، ولذلك كان على عاتق هذا الشعب بناء جيش الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف وعلى عاتق هذا الشعب قيادة البشريّة في التغيير الذي يحدث عند ظهور المهدي.
ولذلك سوف يبتلي الله هذا الشعب بهذه الابتلاءات ويشدّد التمحيص ويشدّد الابتلاء، لأنّه في الروايات عندنا روايات الابتلاء وروايات الفتن: كلّما اشتد الابتلاء وكلما كثرت المحن كلما زكى هذا الإنسان، وهذا المجتمع وهذا الشعب وكان أكثر أهميّة لقيادة البشرية، كما أن الحديد كلما سلّطت عليه النار كلما تخلّص من الشوائب وكلما كان أنقى وكان أكثر تحمّلاً للصعوبات.
المصاعب التي مر بهذا الشعب كانت مقصودة لأنّ هذا الشعب هو قائد العالم، قائد التغيير للدنيا في عصر الظهور، وأعطيكم مثالاً صغيراً رأيناه بأم أعيننا: العراقي في أي بلد كان من البلاد ـ حتى وإن كان قبل خروجه من العراق ليس متديّناً ـ عندما يخرج إلى بلد من بلدان العالم أول ما يشيد في ذلك البلد حسينيّة، يبني مسجداً، يقام مجلس الحسين عليه السلام، الآن الأرض بأبعادها امتلأت بذكر الحسين من يوم هاجر العراقيون إلى العالم، فهذه حكمة إلهيّة أن يكون هذا الإنسان يربّى هذه التربية ويعلّم هذا التعليم الذي له ـ قطعاً ـ يد غيبيّة فيكون هذا الإنسان له دور حالياًَ، فكيف يكون دوره في التغيير المستقبلي؟! إن شاء الله يقوم بتغيير الأمّة وتغيير العالم.
لعله لهذه الأسباب يكون وتكون منشأ أهميّة العراق.
الحمد لله رب العالمين

الهوامش
(1) راجع سنن أبي داود، ج 2: 309، ح 4282، المستدرك للحاكم، ج 4: 465، مسند أحمد، ج 3: 27، كمال الدين للصدوق: 256، باب 24، ح1 و2.
(2) راجع: كتاب بشارات العهدين للدكتور محمد الصادقي، كتاب المصلح المنتظر في أحاديث الأديان لمحمد أمين زين الدين العاملي، الإمام المهدي في كتب الأمم السابقة والمسلمين لمحمد رضا حكيمي.
(3) راجع المستدرك للحاكم، ج 4: 431، المصنف لابن أبي شيبة، ج8: 609، ح 115، كنز العمال للمتقي الهندي، ج 14: 271، ح 38696.
(4) راجع الملاحم والفتن لابن طاووس: 147، عن كتاب الفتن للسليلي.
(5) البقرة (2): 30.
(6) البحار للمجلسي، ج 52: 243.
(7) طبع الكتاب من قبل مركزنا تحت سلسلة التراث المهدوي.
(8) الكافي للكليني، ج 1: 25، ح 21 (كتاب العقل والجهل).
(9) الخصال للصدوق: 541، ح14، كمال الدين للصدوق: 653، ح 17 و673، ح 26.
(10) تفسير القمي، ج 2: 253، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى )وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّه) قال: رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الإمام.
(11) عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة قال:… لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً. راجع كتاب الغيبة للنعماني: 210، ح 17.
(12) البقرة (2): 30.
(13) آل عمران (3): 97.
(14) انظر كتاب الفتن لابن حماد: 248.
(15) الكافي للكليني، ج 3: 494، ح 2، باب (مسجد السهلة).
(16) يشير إلى ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «سدوا الأبواب كلها إلا باب علي، وأومى إلى باب علي»، راجع كنز العمال، ج 13: 136، ح 36432.
(17) البقرة (2): 155.
(18) غيبة النعماني: 250، ب 14، ح 5 وح6 وح7.

شاهد أيضاً

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

قال المولى جل وعلا في الآية (١٨٥)من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ...