الرئيسية / تقاريـــر / الشيعة لن تركع إلا لله مهما تفرعن الطغاة – جميل ظاهري

الشيعة لن تركع إلا لله مهما تفرعن الطغاة – جميل ظاهري

 أهل بيت النبوة والرسالة عليهم السلام هم بيادق وأعلام مقارعة الظلم والإستعباد والإستحمار والقبلية والعصبية الجاهلية والوثنية والإنبطاحية والمذلة والقمع والعنف والإستبداد، الذي يعم البشرية منذ قبل بزوغ شمس الرحمة والمودة والمحبة والألفة والتعايش السلمي وحرية الرأي والعدالة والمساواة؛ حتى عصرنا الحاضر والأنظمة الدكتاتورية والقمعية والفرعونية الخليجية وغيرها من السلطات التوارثية المنتشرة في ربوع العالم العربي المرتهنة للاستعمار والمطأطأة الرؤوس للمحتل والمتسارعة للتطبيع مع ألد أعداء الله (سبحانه وتعالى) والاسلام والأمة والبشرية جمعاء؛ هي نموذج حي حاضر بارز في هذا المجال .

 

شيعتهم وأنصارهم التابعين والسائرين على نهج الاسلام المحمدي الأصيل وتمسكاً بتوصيات أئمة الهداية الربانية والرحمة الالهية، هم ايضاً في مقدمة الركب لمقارعة كل ظلم وانحراف وتزوير وتزييف وفرعنة وطغيان وجبروت وإستعمار وإحتلال وشواهد التاريخ ليست بقليلة، يقدمون كأئمتهم وقادتهم عليهم السلام الغالي والنفيس من أجل حرية البشرية ودحر الاحتلال والاستعمار ورفضاً للمذلة والمهانة وعبودية غير الله (جل وعلا) يهتفون “هيهات منا الذلة” و”لا نركع إلا لله” والذي يصدح هذه الأيام في سماء البحرين المحتلة وهابياً وسلفياً خليفياً – سعودياً؛ ما أخاف ويخيف الأنظمة القمعية والموروثية التي لا تؤمن بالديمقراطية والحرية والمساواة بين طبقات المجتمع وتصر على عودة الأمة بالقوة الحديدية وفتاوى التزييف الى عصر الجاهلية والقبلية بعد كل هذه التضحيات التي شهدتها القرون الطويلة على إمتداد التاريخ الاسلامي بدعوى “حرمة الخروج على الحاكم الظالم” مبررين ذلك أنه “ذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر، أو يستراح من فاجر” – راجع حكم الخروج على الحاكم الفتوى رقم: 195253 لأبن تيمية والتي يقول فيها “إجماع التابعين على طاعة السلطان المسلم مهما بلغ من ظلم الرعية وأخذ أموالهم.. إلا أن تروا كفرا بواحا: هتك الأعراض وقتل الناس بشكل جماعي أيضا”!!؟؟

 

و”مجموع فتاوى ابن عثيمين” (2/118)- كما جاء في موقع مركز الفتوى، رقم الفتوى: 216631- التصنيف: شبهات في السياسة الشرعية . فرفع الجبابرة والطغاة والظلمة الخارجين على دين الله وسنة رسوله (ص)، سيف القتل والدمار وإراقة الدماء البريئة، واعتقال المطالبين بالعدالة والتغيير والمساواة والتبعية لدين خاتم المرسلين دين المحبة والرأفة والرحمة والوئام، وإيداعهم السجون وتعذيبهم المبرح دون هوادة، أو بنائهم في الجدران وارتكاب المجازر الدموية بحقهم منذ واقعة الطف بكربلاء عام 61 للهجرة وحتى يومنا هذا، حيث الارهاب التكفيري يعصف في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان يقارع أتباع أهل بيت النبوة والامامة السماوية، مستبيحاً الأعراض والأحياء والجماد بكل قبح وإجرام ودموية خدمة لنظرية “الاسلاموفوبيا” التي يقف من ورائها اللوبي الصهيوني العالمي.. ” لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..” – المائدة:82 .

 

 

هناك عامل أكثر خطورة من العامل الأول “عامل التصدي” وهو الدافع الساس له، ألا وهو “عامل التوعية” علمياً ودينياً وثقافياً، والذي أخاف ويخيف كل دعاة الجاهلية والسلطوية لمحاربة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم وانصارهم؛ ويعتبرونه أشد وطأة عليهم من العامل الأول، حيث كان أئمة الهداية الإلهية هم منبعه ومصدره ومنهاجه ومدرسته، بدفع للناس نحو تعلم العلم والمعرفة والنور والحضارة والتراث الأصيل، وملهمين للكثير من النظريات العلمية الحديثة رغم الفاصلة التاريخية الكبيرة بين أزمانهم وعصرنا الحاضر؛ ما جعلهم وعلى أمتداد التاريخ الاسلامي ملجأ للطالبين والمتعطشين للعلم والعلوم الدنيوية والأخروية،

 

من كل أصقاع العالم وبمختلف صنوف الناس وأنتماءاتهم الدينية . الامام السادس من أئمة الأنوار الربانية جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام، قائد المذهب الجعفري الذي ننتمي اليه ونعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليم والمفجع على يد أحد أعتى جبابرة الحكم العباسي التابعين للنهج الأموية أحفاد ذوات الأعلام وآكلات الأكباد، “المنصور الدوانيقي” بدس السم اليه بعد أن فشلت المحاولات لاغتياله (ع)، ومنها محاولة قتل الامام (ع) وأهل بيته جميعاً باحراق الدار عليهم، ما أعاد للذاكرة مأساة إحراق بيت الوحي والنبوة على يد الثاني دون إكتراث لوجود بنت الرسول (ص) الوحيدة وروحه التي بين جنبيه فاطمة الزهراء (ع)، وكذلك تجسيداً لما فعل الحاكم الأموي الفاسق الفاجر مداعب القردة “يظيط بن معاوية” ظهر عاشوراء في خيام آل الرسول بعد قتلهم لحفيد النبي الأكرم (ص) وتقطيع أوصاله ومن معه من أهل بيته وانصاره عليهم السلام أجمعين .

 

الامام جعفر بن محمد الصادق (ع)، هو بحر طامٍ عمّ جوده وبدرٍ سام أشرق وجوده، أمام شمس المعارف الكبرى وأستاذ الأئمة وقائد جميع الأمة، الذي لم يُرَ إلا صائماً أو قائماً أو قارئاً للقرآن الكريم. منهله عذب لرواده، ومنتج لقصاده. يزدحم أهل الفضل في رحابه، ويشرفون بتقبيل أعتابه. والكل يرجعون بطاناً مرويّين يشهدون بقوة حجته وشدة عارضته، يذعنون له تسليماً واطمئناناً، ويعترفون بمرجعيته تقديراً واحتراماً. وعاشر ايام حياته من ملوك أمية وبني العباس وهم :من بني أمية: هشام بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك الملقب بالناقص، إبراهيم بن الوليد، مروان بن محمد الملقب بالحمار، ومن بني العباس: السفاح، والمنصور الدوانيقي.

 

 

فجر الامام جعفر بن محمد (ع) ينابيع العلم والحكمة في الأرض وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه” كما يقول الجاحظ، وانصبّت اهتمامات الامام (ع) على إعداد قيادات واعية ودعاة مخلصين يحملون رسالة الإسلام المحمدي الأصيل الى جميع الحواضر الإسلامية مرشدين ومعلّمين في سبيل نشر مفاهيم العقيدة وأحكام الشريعة..

 

كما تركزت جهوده (ع) العلمية في مختلف الاختصاصات من فلسفة وعلم الكلام والطب والرياضيات والكيمياء بالاضافة الى وضع القواعد والأصول الاجتهادية والفقهية كركيزة متينة للتشريع الإسلامي تضمن بقاءه واستمراره. وقد اشتهر من طلابه علماء أفذاذ في مختلف العلوم والفنون، فالى جانب العلوم الدينية، كان الامام الصادق (ع) عالماً فذاً في ميادين العلوم الدنيوية العديدة مثل: الرياضايات، والفلسفة، وعلم الفلك، والخيمياء والكيمياء، وغيرها حيث حضر مجالسه العديد من أبرز علماء عصره وتتلمذوا على يده، ومن هؤلاء أشهر كيميائي عند المسلمين أبو موسى جابر بن حيَّان المُلقب بأبي الكيمياء، وكذلك المفضل بن عمرو وهشام بن الحكم ومحمد بن مسلم وعبد الله بن سنان، كما نهل من علومه مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة ومالك بن أنس، بالإضافة إلى واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة..

 

ونقل عنه عدد كبير من العلماء أمثال أبي يزيد ومالك والشافعي والبسطامي وابراهيم بن أدهم ومالك بن دينار وأبي عيينة ومحمد بن الحسن الشيباني. وقد بلغ مجموعة تلامذته أربعة آلاف تلميذ، مما حدا بمالك بن أنس الى القول: “ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق (ع) فضلاً وعلماً وورعاً وعبادة”؛ كما قال الحسن الوشّاء عند مروره بمسجد الكوفة :”أدركت في هذا المسجد 900 شيخ كلهم يقول: “حدثني جعفر بن محمد”.

 

 

ويرى كبار علماء أهل السنة والجماعة ومنهم الذهبي، والنووي، وابن خلكان، والشبلنجي، ومحد الصبان، وسبط ابن الجوزي، ومحمَّد بن طلحة الشافعي، ومالك بن أنس إمام المالكية، و حسن بن زياد، وابن الصبّاغ المالكي والكثير غيرهم لا يتسع المقال لذكرهم جميعاً؛ قالوا: أن جعفر الصادق (ع) إمام من أئمة المسلمين، وعالم من علمائهم الكبار، وأنه ثقة مأمون، وأقوال أئمة الحديث فيه طافحة في الثناء والمدح (راجع شبكة الدفاع عن السنَّة: الإمام جعفر الصادق في نظر أهل السنة، ونور الأبصار ص 131، وإِسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور الأبصار ص 208، وتذكرة خواصّ الاُمّة ص 192، ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 436، والخلاف 1/33؛ ومناقب آل أبي طالب 3/396، وشرح إحقاق الحق 33/817، والكامل لابن عدي 2/132، تهذيب الكمال 5/79 و… الكثير من الكتب الاخرى .

 

ورغم كل هذه المنزلة الرفيعة والعالية للامام جعفر الصادق عليه السلام بين جميع مذاهب المسلمين دون استثناء إلا أن الوهابية التكفيرية قامت بجريمة اخرى وبالتعاون مع أسرة آل سعود الحاكمة الحاقدة على الاسلام والمسلمين برمتهم وتدعم الارهاب الذي يستبيح دماء الأمة من صغير وكبير وبشر وحجر دون استثاء؛ بهدم القباب التي كانت مبنيّة في البقيع وهي قبور بعض الصحابة والتابعين وآل البيت ومنها قبر الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) ووالده وجده وعمه عليهم السلام أجمعين .

 

 

ويستعرض كتاب (الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب) المكون من 422 صفحة، دراسة التراث الاسلامي العظيم ودوره في نهضة علوم العصر في عقلية وعملية ودراسة أكاديمية محورها جميعاً الإمام جعفر الصادق، وقد أتى ذلك من مجموعة من البحوث التي توافر على أعدادها علماء الاستشراق في الجامعات المختلفة، وألقوها في ندوة نظمتها جامعة “استراسبورغ” الفرنسية، ثم نشرتها في سفر ضخم يحمل طغراء الجامعة العريقة، تطرق فيه الى الكثير من النظريات الحديثة كنظرية نسبية الزمن و نظرية الضوء ونظريات الإمام حول أشعة النجوم وحركة الموجودات والبيئة وحول أسباب بعض الأمراض؛ الى جانب تناوله مناظراته مع الملحدة، وبعض الأبواب العقائدية والفقهية في الموت والفناء والشك واليقين والفلسفة والحكمة وغيرها .

 

كل ذلك هي رسالة واضح كوضوح الشمس من أن اتباع الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام لا يهابون التضحيات من أجل رفعة الدين وتحقيق العدالة السماوية بين البشرية وتطبيق ما أتى به خاتم المرسلين محمد (ص) وأبنائه أئمة الهداية والنور ومنابر العلم والجهاد ورفض الظلم والجبروت والطغيان والإنصياع والركون والانبطاح لغير الله سبحانه وتعالى، فترى حناجرهم تسطح عالية في ربوع المعمورة أن “لا نركع إلا لله” مهما تفرعن الطغاة والقتلة والمجرمين مهما كلفنا ذلك ثمناً، وهاهو شعب البحرين الأبي الذي يعيش القمع المعنف والقسوة الخليفية – السعودية المحتلة نموذجاً لهذه المدرسة الجعفرية ناهيك عما يفعله أبطال المقاومة الاسلامية في لبنان وسوريا والعراق واليمن الشجعان بالمعتدي والمحتل ولا يكترثون من التضحية والفداء من أجل الدين والعزة والكرامة إنطباقاً لصرخة “هيهات منا الذلة”. 

شاهد أيضاً

عجائب بسم الله الرحمن الرحيم – الشيخ مهدي المجاهد

ورد في القرآن الكريم 113 مرة «بسم الله الرحمن الرحيم» في بداية كل سورة ما ...