الرئيسية / الاسلام والحياة / السير الى الله مع العارف السيد عبد الكريم الكشميري

السير الى الله مع العارف السيد عبد الكريم الكشميري

    تأليفاته:
لم يعهد من العرفاء التصدي للكتابة والتأليف إلا ما اقتضته الضرورة من المراسلات أو التعليقات على بعض الكتب المتداولة بين أيدي الطلاب أو تسجيل محاضراتهم و دروسهم في الأخلاق والعرفان. ولم يستثن من هذا العرف المترجم له، حيث دون خلال مسيرة حياته في النجف الأشرف بعض محاضرات اساتذته وبعض التعليقات على المناهج الدراسية. وقد جلب معه قسماً منها حين هجرته إلى إيران عندما تعرضت حياته للخطر على أيدي أزلام النظام البعثي، ولكن صادرها منه شرطة الحدود العراقية على الحدود العراقية الإيرانية، وهي المحاضرات الأخلاقية للشيخ العارف مرتضى الطالقاني، وتقريرات أبحاث آية الله الخوئي، وشرح على كفاية الأصول حظي بتقريظ آية الله الخوئي وآية الله الميلاني، وكتيب في الأذكار والأوراد وديوان شعر باللغة العربية.
 
جرى في العرف العلمي في علم الحديث على منح العلماء الحديث الإجازة في رواية الحديث لتتصل سلسلة رواته، وهكذا جرى الأمر في السلوك حيث يمنح اساتذة السلوك إجازة الذكر لبعض تلاميذهم ليتصل سندها بمصادرها الأصلية، وإن كان الأمر هنا أدق لأن هذه الإجازات هي التي تنقل الأسرار من الصدور عبر الأجيال فإن من رسم رجال العرفان عدم تدوين تلك الأسرار لئلا تقع في يد غير أهلها فيسيئوا الاستفادة منها.
 
وكان السيد الكشميري يقول: من لم يحصل على ملكه الاجتهاد لا يعطي إجازة الاجتهاد والأمر في السلوك كذلك فإن الإجازة فيه تمنح لمن كانت له قابلية السلوك، فإن السلوك يقطع طريق السلوك بهمة ونفس أولياء الله لكي يصلوا إلى أهدافهم.
 
وقد حصل السيد عبد الكريم الكشميري على مجموعة من الإجازات الشفاهية من اساتذته، يقول رحمه الله: لقد منحني السيد هاشم الحداد إجازة الأذكار.
 
وحصل السيد الكشميري أيضاً على إجازة تحريرية في الأذكار من الحاج مستور الشيرازي وبعض الأساتذة الآخرين.
 
وأما سلسلة اساتذته في الأخلاق والعرفان فتتصل بالشيخ محمد البيد آبادي بطريقين: قال السيد أحمد الكربلائي أستاذ السيد علي القاضي: إن سلسلة العرفاء الحقيقيين في النجف الأشرف تتصل بالعارف بلا تعيين ومرجع أرباب اليقين الآغا محمد البيد آبادي.
 
الطريق الأول: السيد عبد الكريم الكشميري المتوفى سنة 1419هـ، السيد علي القاضي المتوفى سنة 1366هـ، السيد أحمد الكربلائي المتوفى سنة 1332هـ، الملا حسين قلي الهمداني المتوفى سنة 1311هـ، السيد علي الشوشتري المتوفى سنة 1283هـ، السيد صدر الدين الكاشف الدزفولي المتوفى سنة 1258 هـ، الآغا محمد البيد آبادي المتوفى 1198هـ.
 
وهناك طريق آخر لاتصال السيد علي الشوشتري بالملا قلي جولا، وقصة هذا اللقاء كالتالي:
 
بعد أن انهى السيد علي الشوشتري دراساته العلمية في النجف الأشرف وحصل على درجة الاجتهاد رجع إلى وطنه شوشتر وانهمك في التدريس والقضاء. وفي إحدى الليالي طرقت باب داره، فقال من الطارق؟ فأجاب: ملا قلي جولا (الحائك). فأمر السيد خادمه أن يقول للطارق أن يذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل ويأتي غداً صباحاً إلى المدرسة. فقالت له زوجته: لعل هذا الرجل المسكين جاء في هذا الوقت لأمر ضروري. فأذن السيد للطارق بالدخول، وعندما دخل الملا قلي الغرفة سأله السيد: ماذا تريد؟ قال له: إن هذا الطريق الذي تسير فيه هو طريق جهنم. قال هذا وذهب. فسألت زوجة السيد: ماذا كان يريد؟ فأجابها السيد: كأنه أصيب بالجنون. وبعد ثمان ليال جاء في منتصف الليل أيضاً وطرق الباب، وعندما فتح السيد الباب ورأى نفس ذلك الرجل قال: يبدو أنه كلما ظهر جنونك أتيت إلى هنا. وعندما دخل الملا قلي الدار قال للسيد: ألم أقل لك إن هذا الطريق هو طريق جهنم؟ إن الحكم الذي حكمت به اليوم في مليكة الأرض كان حكماً باطلاً، والسند الصحيح في وقفها والذي أمضاه العلماء والمعتمدون موجود في المكان الفلاني. قال هذا وذهب. وعندما سمع السيد هذا الكلام أصابته الدهشة والاستغراب وعند الصباح ذهب إلى المدرسة واصطحب أصابته الدهشة والاستغراب، وذهب إلى المكان الذي أخبره به فوجد السند موضوعاً في صندوق صغير هناك. فأبطل السيد حكم مليكة الأرض الذي حكم به بالأمس، واستدعى وأراه سند الوقف.
 
وبعد ثمان ليال أخرى وفي نفس ذلك الوقت المتأخر من الليل أيضاً طرق الملا قلي باب السيد علي الشوشتري، فاستقبله السيد استقبالاً حاراً وأجلسه في صدر المجلس وقال له: لقد ظهر قولك، والآن ما هو تكليفي؟ فقال له الملا قلي: نعم لقد تبين لك أن جنوني لم يظهر بعد، بع ما تملك وأوف ديونك واحمل معك ما بقي من أثاثك وأذهب إلى النجف الأشرف، واعمل بهذا إلى أن اتصل بك.
 
وشرع السيد الشوشتري بتنفيذ ما أوصاه به الملا قلي وذهب إلى النجف الأشرف وسكن فيها، وفي يوم من الأيام رأى السيد الشوشتري الملا قلي في مقبرة وادي السلام وهو يدعو وعندما اقترب منه قال له الملا قلي: سأموت غداً في شوشتر، وتكليفك هو كذا وكذا، ثم ودع السيد وذهب.

هنالك محطات رئيسة في حياة السيد الكشميري كان لها الأثر البالغ في شخصيته العرفانية، وأهم هذه المحطات هي النجف الأشرف وعشقه المفرط لها، وليس بدعاً أن تكون النجف كعبته وقبلته كما عبر عنها بنفسه، ففيها ولد وترعرع وقضى أكثر من خمسين عاماً من حياته، فهي وطنه الذي يحن إليه، إضافة إلى وجود المرقد الطاهر لأمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي لولاه لم تكن مدينة النجف، وكان السيد الكشميري يكن حباً جماً لأبي الأئمة الإمام علي عليه السلام، ولولاه لم يكن للنجف أي منزلة في قلبه، إذ هي أرض كأي أرض أخرى، وإنما تشرفت تربتها بجسد أمير المؤمنين عليه السلام بين أكنافها.
 
يقول السيد الكشميري: إن أرض النجف مربية، وهي تربة لا تضاهيها تربة أخرى، وخاصة لأعمال التزكية والسلوك، فهي تفتح الآفاق أمام الإنسان وتحلق بالروح عالياً. والنجف حسنها حسن جداً وسيئها سيء جداً، فأشرارها لا مثيل لهم، وأخيارها لا نظير لهم أيضاً، وهذه هي خصوصية مدينة النجف.
 
إن أكثر التوفيقات التي حصلت العلماء والأولياء في النجف الأشرف كانت بسبب أمير المؤمنين عليه السلام، ورعايته لهم. وهيبة النجف في النفوس هي من أثر هيبته عليه السلام يقول السيد الكشميري: إن للنجف هيبة عظيمة وهي من هيبة أمير المؤمنين عليه السلام بحيث أن اعلم العلماء فيها هو مثل أي طالب عادي.
 
وكان يقول أيضاً: أرض النجف منورة، وفي أحد الأيام عندما كنت راجعاً من كربلاء إلى النجف بالسيارة كانت هنالك طفلة صغيرة تخاطب أمها قائلة وذلك قبل وصولنا إلى النجف بفرسخ: اُماه كم هذه الأرض نورانية!

شاهد أيضاً

قيادي في الحرس الثوري: إعادة النظر في الاعتبارات النووية في حال وجود تهديدات اسرائيلية

قال قائد قوات حماية المراكز النووية التابعة للحرس الثوري العميد احمد حق طلب: إذا كانت ...