الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره في سورة الحجرات

تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره في سورة الحجرات

بسم الله الرحمن الرحيم…. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ

عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) سورة الحجرات‏‏

نلاحظ أنه ختم “الفتح” بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وإفتتح “الحجرات” به صلى الله عليه وآله وسلم, إعظاما وتبجيلا , والذي يجب تعظيمه بكل وجه.‏‏

الجهر نقيض الهمس .‏‏

والغض الحط من منزلة على وجه التصغير يقال غض فلان من فلان إذا صغر حالة من هو أرفع منه و غض بصره إذا ضعفه عن حدة النظر.‏‏

فضلها وثوابها:‏‏

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:‏‏

“من قرأ سورة الحجرات أعطي من الاجر عشر حسنات بعدد من أطاع الله ومن عصاه”‏‏

وعن الإمام الصادق عليه السلام “من قرأ سورة الحجرات في كل ليلة أو في كل يوم كان من زوار محمد (ص)” «ثواب الأعمال».‏‏

النزول: نزل قوله «يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم» إلى قوله «غفور رحيم» في وفد تميم في وفد عظيم فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يا محمد فآذى ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج إليهم فقالوا جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا و خطيبنا.‏‏

فقال قد أذنت.‏‏

فقام عطارد بن حاجب و قال الحمد لله الذي جعلنا ملوكا الذي له الفضل علينا و الذي وهب علينا أموالا عظاما نفعل بها المعروف و جعلنا أعز أهل المشرق وأكثر عددا و عدة فمن مثلنا في الناس فمن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا و لو شئنا لأكثرنا من الكلام و لكنا نستحي من الإكثار ثم جلس.‏‏

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لثابت بن قيس بن شماس قم فأجبه فقام فقال الحمد لله الذي السماوات و الأرض خلقه قضى فيهن أمره و وسع كرسيه علمه و لم يكن شيء قط إلا من فضله ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا و اصطفى من خير خلقه رسولا أكرمهم نسبا و أصدقهم حديثا و أفضلهم حسبا فأنزل الله عليه كتابا و ائتمنه على خلقه فكان خيرة الله على العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه و ذوي رحمة أكرم الناس أحسابا و أحسنهم وجوها فكان أول الخلق إجابة و استجابة لله حين دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن فنحن أنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ردؤه نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله و رسوله منع ماله و دمه و من نكث جاهدناه في الله أبدا و كان قتله علينا يسيرا أقول هذا و أستغفر الله للمؤمنين و المؤمنات و السلام عليكم.‏‏

… فلما فرغوا أجازهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحسن جوائزهم و أسلموا .‏‏

المعنى:معناه لا تفعلوا ما تؤثرونه ولا تتركوا ما أمركم الله و رسوله به ولا تقطعوا أمرا دون الله و رسوله و لا تعجلوا به و أخروا أقوالكم و أفعالكم عن قوله و فعله .‏‏

“وبين يدي الشيء” أمامه وهو استعمال شائع مجازي أو استعاري وإضافته إلى الله ورسوله معا لا إلى الرسول دليل على أنه أمر مشترك بينه تعالى وبين رسوله و هو مقام الحكم الذي يختص بالله سبحانه وبرسوله بإذنه كما قال تعالى: «إن الحكم إلا لله» يوسف 40، و قال: «وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله» النساء 64.‏‏

والظاهر في أن المراد بما بين يدي الله ورسوله هو المقام الذي يربط المؤمنين المتقين بالله ورسوله وهو مقام الحكم الذي يأخذون منه أحكامهم الاعتقادية والعملية.‏‏

ومحصل المعنى: أن لا تحكموا فيما لله ولرسوله فيه حكم إلا بعد حكم الله ورسوله أي لا تحكموا إلا بحكم الله ورسوله ولتكن عليكم سمة الاتباع والاقتفاء.‏‏

والمعنى قريب من قوله تعالى في صفة الملائكة: «بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون» الأنبياء 27.‏‏

«و اتقوا الله» أي اجتنبوا معاصيه «إن الله سميع» لأقوالكم «عليم» بأعمالكم فيجازيكم بها .‏‏

«يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي» لأن فيه أحد الشيئين إما نوع استخفاف به فهو الكفر و إما سوء الأدب فهو خلاف التعظيم المأمور به .‏‏

«و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض» أي غضوا أصواتكم عند مخاطبتكم إياه و في مجلسه فإنه ليس مثلكم إذ يجب تعظيمه و توقيره من كل وجه و قيل معناه لا تقولوا له يا محمد كما يخاطب بعضكم بعضا بل خاطبوه بالتعظيم و التبجيل و قولوا يا رسول الله .‏‏

«و أنتم لا تشعرون» أي و أنتم لا تعلمون أنكم أحبطتم أعمالكم بجهر صوتكم على صوته و ترك تعظيمه قال أنس لما نزلت هذه الآية قال ثابت بن قيس أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أجهر له بالقول حبط عملي و أنا من أهل النار و كان ثابت رفيع الصوت فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال هو من أهل الجنة .‏‏

ثم مدح سبحانه من يعظم رسوله و يوقره فقال «إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله» أي يخفضون أصواتهم في مجلسه إجلالا .‏‏

«أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى» أي اختبرها فأخلصها للتقوى.‏‏

«لهم مغفرة» من الله لذنوبهم «و أجر عظيم» على طاعتهم ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال «إن الذين ينادونك من وراء الحجرات» و هم الجفاة من بني تميم «أكثرهم لا يعقلون» وصفهم الله سبحانه بالجهل و قلة الفهم و العقل إذ لم يعرفوا مقدار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا ما استحقه من التوقير فهم بمنزلة البهائم «و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم» من أن ينادوك من وراء الحجرات في دينهم بما يحرزونه من الثواب و في دنياهم باستعمالهم حسن الأدب في مخاطبة الأنبياء ليعدوا بذلك في زمرة العقلاء.‏‏

 

 

سيد سامي خضرا