الرئيسية / تقاريـــر / لماذا تنظيم “الدولة الاسلامية” في السعودية؟ – جاسم محمد

لماذا تنظيم “الدولة الاسلامية” في السعودية؟ – جاسم محمد

أعلنت وزارة الداخلية السعودية في السادس من مايس 2014 القبض على أثنين وستين إرهابياً متورطين في خلايا تنظيم مشبوه داخل المملكة على علاقة ب “داعش” في سوريا، تستهدف تهريب النساء إلى الخارج عبر الحدود الجنوبية، والتخطيط لعمليات إجرامية ضد منشآت حكومية ومصالح أجنبية، واغتيالات، ألتنظيم أظهراهتماما بالغا بخطوط التهريب خاصة عبر الحدود الجنوبية، وذلك لتهريب الأشخاص والأسلحة مع إعطاء أولوية قصوى لتهريب النساء.

” الدولة الاسلامية في العراق والشام” المعروف اختصارا ب “داعش” لم تعلن من قبل عن فرع التنظيم في السعودية، وفقا الى مبدأ “التمكين” وهذا يعني بأن التنظيم في السعودية كان في طور التشكيل ومرتبط باحداث التطورات في سوريا. “الدولة الإسلامية”تستهدف السعودية ربما لأغراض سياسية بالحصول على مزيد من الدعم المالي من الاطراف الممولة، وكذلك بهدف الحصول على اعداد جديدة من المقاتليين السعوديين المغرر بهم، بعد ان رفضتهم التنظيمات الإسلامية الاقل تطرفا. بعض التحليلات ذكرت إن وجود مقاتليين سعوديين داخل التنظيم يمنحه ابواب تمويل.

 

بداية القاعدة في السعودية

يعتبر”تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” هو الفرع الأول لتنظيم القاعدة وخسر التنظيم اغلب قياداته في مواجهات مع قوات الأمن السعودية مابعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد نجحت السعودية في مواجهة التنظيم من خلال استخدام قاعدة المعلومات والبيانات وعمليات إستخبارية بالتزامن مع المواجهات العسكرية الشرسة مع هذا التنظيم وبات معروفا عن المملكة السعودية بتجربتها الناجحة في مواجهة فكرالقاعدة، فكريا بالمناصحة ومن خلال برنامج خاص يعيد تأهيل التائبين الى الحياة الطبيعية الاجتماعية بتوفير فرص العمل والدعم المعنوي والمادي. كانت اشهر عمليات التنظيم هي تفجيرات الرياض والخبر منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان ابرز قياداته يوسف العيري2001.

وبسبب مطاردة التنظيم وتضييق الخناق عليه تسربت الكثير من قياداته من المملكة الى اليمن، مستغلا الطبيعة الجغرافية والديموغرافية عبر مأرب، ليعلن في 2009 تشكيل تنظيم مايسمى” القاعدة في اليمن والجزيرة العربية” بعد تلقيه ضربات موجعة في المملكة عام 2004 وتصدر السعوديون قيادة اركان عمليات التنظيم، ابرزهم سعيد الشهري الشخص الثاني في التنظيم. وكشف الجيش اليمني ايضا عن وجود اعداد من المقاتليين السعوديين في اليمن خلال حملته العسكرية الواسعة في شبوة مطلع شهر مايس 2014.

 

حرب الإستخبارات

كانت جهود المملكة في مواجهة هذا التنظيم يرتكز على الاستخبارات، مما مكنها، بأستقطاب احد قيادي القاعدة السعوديين في تنظيم اليمن والجزيرة العربية وهو محمد العوفي لتعلن حرب الاستخبارات مابين القاعدة والمملكة ورجالات استخباراتها ابرزهم إستهداف سمو الامير محمد بن نايف بارسال عبد الله العسيري للقاء الامير بن نايف عام 2009. عندما قام العسيري بتصميم قنبلة زرعت في مستقيم شقيقه وكانت تحتوي على نحو 100 غرام من المتفجرات على شكل مسحوق أبيض شديد الانفجار يصعب اكتشافه وقد قتل الانتحاري العسيري في حينها. أبراهيم العسيري يشتبه بأنه العقل المدبر والمصمم للمتفجرات وربما دراسته الى الكيمياء ساعدته بذلك، وينسب له علاقته بما سمي قنبلة الملابس الداخلية التي عثر عليها في الطائرة الأمريكية عام 2009، وقنابل الطابعات التي كانت ستشحن إلى الولايات المتحدة العام التالي على متن طائرة أمريكية،. العسيري هو ايضا المخطط بصنع قنبلة “الملابس الداخلية” التي ارتداها عمر فاروق عبد المطلب عندما حاول تفحير طائرة “نورث ويست” المتجهة إلى ديترويت خلال اعياد الميلاد 2009وفي عام 2010 وصنع العسيري قنابل خراطيش الطابعات التي وضعتها القاعدةعلى طائرات شركتي “فيديكس″ و”يو بي إس″ للشحن المتجهة إلى شيكاغو. والتي كشفت عنها السعودية من خلال عميل مزدوج داخل تنظيم “القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية” عند مرور الشحنة عبر مطار دبي.

الإستخبارات السعودية وشخص الامير محمد بن نايف وزير الداخلية الحالي يعتبر الهاجس والتحدي الاكبر الى تنظيم القاعدة و”داعش”. هذا الهاجس انعكس في ردود افعال مجموعة مقاتليين سعوديين يقاتلون الى جنب ابو بكر البغدادي في العراق وسوريا، ظهرت على شريط فديو عندما تحدث سعودي يدعى أبو العباس الحارثي: [متوعداً الأمير محمد بن نايف بما لا يتوقعه وأن تنظيم الدولة الإسلامية، داعش سوف يمتد حتى يأتيه إلى عقر داره مؤكداً أنه ـ أي التنظيم قريباً سيمتد إلى اليمن ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية] حسب قوله. وبعد أن أنهى “عثمان آل نازح” حديثه، وأظهر الفيلم ملثما سعوديا يقوم بتمزيق وثيقة الجنسية إلى جانب مجموعة من المجندين السعوديين الذين قاموا بتقطيع هوياتهم. إن ردود الافعال هذه تعكس ان مايقوم به المقاتلون السعودين في تنظيم ” الدولة الإسلامية في العراق والشام” هي عمليات ثأر ضد الإستخبارات السعودية اكثر ماتكون ولاء عقائدي او ايدلوجي.

 

تداعيات الحرب في سوريا

التحقيقات كشفت بأن “امير التنظيم” الذي تمت مبايعته من قبل هؤلاء في داخل المملكة السعودية كان من مدينة أبها، وهو جديد وغير معروفا سابقا، هذا يعكس تداعيات الازمة السورية وتقاطع السياسات التي بدئت تضرب ابعد من دول الجوار السورية، وهذا ما اكدته تقارير الاستخبارات الغربية. إن رفض التنظيمات الاسلامية الأقل تطرفا في سوريا من استقبال المقاتلين العرب والاجانب في الويتها بضغوط من الدول الداعمة، اخذت اعداد من المقاتلين العرب والسعوديين والاجانب الالتحاق ب”داعش” ثم النصرة وذلك وفقا الى نتائج التحقيقات الصادرة من الإستخبارات العراقية. إن نتائج المواجهات المسلحة والسجال الدائر مابين “داعش” والظواهري، كشف عن حقيقة وهي غياب التنظيم المركزي للقاعدة في سوريا لينقسم قادة القاعدة مابين النصرة “وداعش” دون وجود للقاعدة، وهذا ما افرزته نتائج المواجهات في سوريا. لقد استفادت “ألدولة الإسلامية” من الازمة في سوريا لتوسيع الفوضى الى دول الجوار السورية خاصة الى لبنان والعراق ومحاولة تصدير الازمة الى الاردن بهدف إثارة وتوسيع الفوضى وزعزعة دول المنطقة. إن إستقطاب”داعش” مقاتليين سعوديين وإستهداف المملكة السعودية، ربما يدعم الرأي الذي يقول بأن “داعش” مدعومة من قبل ايران والنظام السوري.

 

النساء في “داعش”

تحقيقات وزارة الداخلية السعودية كشفت في 7 مايس 2014 بأن هروب ريما الجريش إلى خارج المملكة قبل عدة أشهر شجع كلا من مي الطلق، وأمينة الراشد إلى تكرار المحاولة بعد إقناعهما من قبل من غرروا بهما، إلا أن محاولتهما باءت بالفشل حيث تم القبض عليهما في التاسع عشر من شهر ابريل 2014، وبرفقتهما ستة أطفال قبل التعمق في الحدود اليمنية. واضافت التحقيقات أن مي الطلق زوجها مسجون في قضايا أمنية وسبق ان تزوجته وهو في السجن، وأمينة الراشد زوجها في سوريا ولها أشقاء في السجن بذات الأسباب، خططتا للسفر إلى اليمن بعد جولات متكررة من الاحتجاجات في شوارع بريدة خلال العامين الماضيين. المعلومات كشفت ايضا عن اعتماد تنظيم “داعش” سياسة إستقطاب النساء وخاصة من العازبات، لغرض التزاوج مع المقاتليين، بعد فضائح وفتاوى جهاد النكاح في سوريا. الاستخبارات الغربية من جانبها كشفت اعداد من النساء الاوربيات من المانيا والنمسا وفرنسا ودول اوربية اخرىللاتحاق “بالجهاد” مع “داعش” بعد اعلانها تشكيل كتيبة الخنساء الخاصة بالنساء، وهي سابقة”جهادية” اي مشركة النساء في القتال ميدانيا. ومتابعة الى اسباب تركيز “داعش” على النساء، تبين بسبب تأثيرهن الاعلامي في كسب المقاتلين والمقاتلات، بعد ان كشفت الاستخبارات الاوربية عن وجود شبكة نساء سلفيات على الشبكة العنكبوتية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنيت.

 

سياسة المملكة السعودية في سوريا

إن موقف المملكة العربية السعودية من نظام بشار الأسد كان واضحا ماقبل اندلاع الثور السورية 2011 واتسم برفضه للنظام وتأييده الى اي عملية تغيير. الموقف السعودي اتضح اكثر في شهر سبتمبر2013 من النظام السوري، عندما اعلنت الرياض بأنها لا تتردد للمضي منفردة بتطبيق سيايتها للاطاحة بالنظام السوري، والتي اعلنت في اعقابها دعمها الى المعارضة الاسلامية الاقل تطرفا متمثلة بالجبهة الاسلامية التي ضمت اكثر من تسع وخمسين فصيلا بزعامة زهران. الموقف السعودي كان اكثر وضوحا بأنتقاداته الى الموقف الاميركي المتذبذب إتجاه الأزمة السورية في اعقاب الاتفاق الاميركي الايراني والاتفاق الاميركي الروسي حول الاسلحة الكيميائية في سوريا خلال شهر سبتمبر 2013. ويبدو ان الجهود السعودية دفعت واشنطن باجراء الزيارات المكوكية الى الرياض ومنها زيارة اوباما 2014، لأصلاح مادمره الأتفاق الاميركي الايراني حول الملف النووي. الرياض استطاعت اعادة توجيه بوصلة واشنطن في الازمة السورية من جديد، يشار ان موازين اللعبة في سوريا شهدت الكثير من التغيرات. لقد تضمنت السياسة الاميركية الجديدة بدعم المعارضة الأسلامية الاقل تطرفا والجيش الحر وتسليحها باسلحة متوسطة تتضمن صواريخ “تاو” وصواريخ مضادة للطائرات ودروع، هذه الخطوة احدثت الكثير من الموازنات امام نجاحات الجيش السوري النظامي وحزب الله في القلمون باتجاه عرسال اللبنانية.

إن تطورات تعامل المملكة العربية السعودية مع الملف السوري وعلى وجه الخصوص، في موقفها من الجيل الجديد من “الجهاديين” بقرارها بإخضاع المقاتليين السعوديين في سوريا الى عقوبات قضائية والعفو عن من يغادر الاراضي السورية في شهر فبراير 2014، ربما تاتي من اعتماد المملكة سياسة جديدة للتعامل مع الارهاب. هذه السياسة جائت بسبب اعداد الشباب السعودي المتورطين في الارهاب. هذه الخارطة ربما كانت وراء دوافع السياسة الخارجية الاميركية إتجاه المملكة وإزاء موقفها المعلن بالأنفراد للأطاحة بنظام الاسد وفي نفس الوقت محاربة القاعدة. ولا يستبعد بان التغيرات الجذرية في التوجهات والإستراتيجية السعودية إتجاه التنظيمات”الجهادية”والقاعدة والانتحاريين السعوديين والتطرف الفكري، جائت وراء صعود الامير محمد بن نايف وزير الداخلية، وتسلمه ملفات استخبارية بالاضافة الى مسؤولية الداخلية، ليرسم إستراتيجية امن قومي جديدة. التقارير الإستخبارية كشفت عن اتفاق اميركي سعودي لتكون سوريا كماشة الى “الجهاديين” والقاعدة، بعد استخدامهم بالنيابة ضد الاسد، بعض التحليلات ذهبت بعيدا بوجود صفقة اميركية سعودية مع ايران وحزب الله تمتد الى سوريا ولبنان اي ايجاد توافقات في لبنان مابين حزب الله وكتلة المستقبل وانسحاب حزب الله من سوريا، وهذا التقارب ربما ظهر في اتفاق حمص بأنسحاب وخروج قوات المعارضة. إن تضيق خناق المملكة العربية السعودية على المقاتليين السعوديين من الشباب المتوجهيين للقتال خارج المملكة في اعقاب قرار الملك عبدالله في شهر فبراير 2014 من شأنه يعمل على تلطيف العلاقات السياسية وانعكاساته على الوضع الامني الاقليمي والحرب في سوريا ايجابيا.

استغلت “داعش” الوهج الذي تعيشه بتمددها مابين العراق وسوريا واعلان “إمارتها” في الرقة والفلوجة، ورهانها على دير الزور، اعطاها فرصة للتمدد في دول الجوار السورية خاصة لبنان. إن إعلان ظهور فروع الى “داعش” في السعودية ودول اخرى يعني إستهلاك للتنظيم واضعاف لقدرة وقوته وتعرضه اكثر للأختراق والانشقاقات. يبدو إن “داعش” يشهد الان تراجعا خاصة في سوريا ومايحدث من أعلان فروع هي خارج القدرة التنظيمية ل “ألدولة الإسلامية”، وهذا التمدد ممكن تصنيفه بانه كان جهود ضمن جهود ابو بكر البغدادي الأستباقية للأستقواء على الظواهري والدعاية، تنظيم “داعش”من المتوقع ان يشهد تراجعا وإنشقاقات، بعد تكشف بعض فروع التنظيم.

شاهد أيضاً

قيادي بـ”أنصار الله” يكشف حقيقة المفاوضات السرية مع السعودية

شهدت الأسابيع الماضية تحليلات وتوقعات باقتراب الحرب في اليمن من نهايتها، وأن أطراف الأزمة ينتظرون ...