الرئيسية / الاسلام والحياة / في طريق تحصيل حضور القلب

في طريق تحصيل حضور القلب

اذا عرفت الآن فضيلة حضور القلب وخواصّه عقلا ونقلا وفهمت الاضرار الكبيرة في تركه فلا يكفي العلم وحده بل يجعل الحجة عليك أتمّ ، فشمّر عن ذيل الهمّة وكن في صدد تحصيل ما علمته

وأخرج علمك إلى مرحلة العمل كي تستفيد منه وتربح فتفكر قليلا في أن قبول الصلاة شرط لقبول سائر الاعمال بحسب أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام الذين هم معادن الوحي وإنّ أقوالهم وعلومهم من الوحي الالهي والكشف المحمّدي صلى الله عليه وآله وسلم وان الصلاة إذا لم تكن مقبولة

فلا ينظر إلى سائر الاعمال أصلا وإن قبول الصلاة بإقبال القلب فلو لم تكن الصلاة مشتملة عليه فهي ساقطة من درجة الاعتبار ولا تليق بمحضر الحق تعالى ولا تقبل كما علم ذلك من الاحاديث السابقة فمفتاح خزينة الأعمال وباب أبواب جميع السعادات حضور القلب فيه يفتح باب السعادة للإنسان ومن دونه تسقط جميع العبادات من درجة الاعتبار .

فالآن تفكّر قليلا بنظر الاعتبار وانظر بعين البصيرة أهمية المقام وعظمة الموقف وقم بالامر بجدّ تامّ فإن مفتاح باب السعادة وأبواب الجنة ومفتاح باب الشقاوة جهنم لفي جيبك في هذه الدنيا فتستطيع أن تفتح أبواب الجنة والسعادة لنفسك وتستطيع أن تكون على خلاف ذلك فزمام الأمر بيدك ولله الحجة البالغة قد

هدى سبيل السعادة والشقاوة وأعطى التوفيقات الظاهرية والباطنية فما منه تعالى ومن أوليائه فقد تمّ وانمّا الآن فرصتنا في الإقدام فإنهم الهادون إلى الطريق ونحن السائرون فيه إنهم قضوا ما عليهم على الوجه الاحسن ولم يتركوا لنا عذرا ولم يقصّروا ولو لمحة فانتبه أنت أيضاً من نومك واطْوِ طريق السعادة واستفد من عمرك وقوّتك فإن الوقت إذا انقضى وفاتك العمر الحاضر و الشباب الموجود وفقدت كنز القدرة والقوة فلا

ينجبر أبدا فإن كنت الآن في عهد الشباب فلا تؤخر أمرك إلى الشيب فإن للشيب مصائب لا يعلمها إلا الشيب وأنت في غفلة عنها ، ان الاصلاح في حال الشيب والضعف لمن الامور الصعبة جدا ، وان كنت شايبا فلا تدع بقية العمر تفوت منك فإنك مادمت في هذا العالم فلك طريق إلى السعادة ولك منها باب مفتوح فلا سمح الله إذا أغلق هذا الباب وانسدّ هذا الطريق فيخرج زمام الاختيار من يدك ولا يبقى لك نصيب سوى الحسرة والندامة والأسف على ما مضى من أمرك .

فأنت أيها العزيز ان كنت تؤمن بما ذكر بما أنه قول الأنبياء عليهم السلام وهيّأت نفسك لتحصيل السعادة وسفر الآخرة وعلمت بلزوم حضور القلب الذي هو مفتاح كنز السعادة فطريق تحصيله أن ترفع أولا موانع حضور القلب وتنحّي الاشواك عن طريق السلوك بجذورها وبعد رفع الموانع تقدم على تحصيل حضور القلب .

أما موانع حضور القلب في العبادات فهي تشتّت الخواطر وكثرة الواردات القلبية وهذه ربما تحصل من الامور الخارجية ومن طرق الحواس الظاهرية مثل أن يسمع في حال العبادة شيئا يتعلق الضمير به ويكون مبدأ للتخيلات والتفكرات الباطنية وتتصرف فيه الواهمة والمتصرفة فيطير الخيال من غصن إلى غصن .

أو أن عين الانسان ترى شيئا ويكون منشأ تشتّت الخاطر وتصرُّف المتصرفة أو أن سائر حواس الانسان تدرك شيئا فتحصل منه انتقالات خيالية . وطريق علاج هذه الامور ، وان كان العلماء ذكروا أن العلاج هو رفع هذه الاسباب مثل أن يصلي الانسان في غرفة مظلمة أو مكان خال ويغضّ عينه ولا يصلي في المواضع التي تجلب النظر كما نقله الشهيد السعيد  

              ( هو الشيخ الأجل زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد بن جمال الدين بن تقي بن صالح بن مشرف العاملي الجبعي أمره في الثقة والجلالة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحّر وجميع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر . ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصر وُلِد الشيخ زين الدين ثالث عشر شوال سنة 911 ( ظيا ) وختم القرآن وعمره تسع سنين وقرأ على والده العربية وتوفي والده سنة 925

( ظكه ) وعمره اذ ذاك اربع عشرة سنة وارتحل إلى ميس وهو أول رحلته فقرأ على الشيخ الجليل علي بن عبد العالي الميسي الشرايع والارشاد وأكثر القواعد . وله قدّس سرّه رحلات إلى كرك و إلى جبع و إلى دمشق ثم الرجوع إلى جبع والرحلة منها إلى دمشق يريد مصر فسافر إلى مصر يوم الأحد منتصف ربيع الأول سنة 942 واتفق له في الطريق ألطاف خفية وكرامات جليّة ذكرها تلميذه ابن العودي . ودخل مصر بعد شهر من خروجه واشتغل على جماعة منهم الشيخ ابو الحسن البكري صاحب كتاب الأنوار في مولد النبي صلى الله عليه وآله ، ثم ارتحل إلى الحجاز في شوال 923 ،

ولما قضي مناسكه زار النبي صلى الله عليه وآله وقد وعده بالخير في المنام بمصر ثم ارتحل إلى بلده جبع في صفر سنة 944 واقام بها إلى سنة 946 وتوشح ببرد الاجتهاد الا أنه بالغ في كتمان أمره إلى أن أقام ببعلبك بعد رحلات سنة 953 يدرس في المذاهب الخمسة واشتهر أمره وصار مرجع الانام ومفتي كل فرقة بما يوافق مذهبها وصار أهل البلد كلّهم في انقياده ورجعت إليه الفضلاء من أقاصي البلاد ثم انتقل بعد خمس سنين إلى بلده ، بنيّة المفارقة وأقام في بلده مشتغلا بالتدريس والتصنيف . ومصنفاته كثيرة مشهورة أولها الروض وآخرها الروضة .

ألّفها في ستة أشهر وستة أيام وكان غالب الايام يكتب كراسا ومن عجيب أمره انه كان يكتب بغمسة واحدة في الدواة عشرين أو ثلاثين سطرا وخلّف ألفَي كتاب منها مئتا كتاب كانت بخطه الشريف من مؤلفاته وغيرها مع أنه قال تلميذه الشيخ محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني في رسالة ( بغية المريد في أحوال شيخه الشهيد ) :

ولقد شاهدت منه سنة وردي إلى خدمته انه كان ينقل الحطب في الليل لعياله ويصلّي الصبح في المسجد ويجلس للتدريس والبحث كالبحر الزاخر ويأتي بمباحث غفل عنها الأوائل والأواخر . وذكر أنه ( ره ) كان يتعلطى جميع مهمّاته بقلبه وبدنه مضافا إلى

مهمّات الواردين ومصالح الضيوف المتردّدين اليه مع أنه كان غالب الزمان في الخوف الموجب لاتلاف النفس والتستّر والاخفاء الذي لا يسع الانسان أن يفكّر معه في مسألة من الضروريات البديهية . ولمّا كان في سنة 965 وهو في سن اربع وخمسين ترافع اليه

رجلان فحكم لاحدهما على الاخر فذهب المحكوم عليه إلى قاضي صيدا واسمه معروف وكان الشيخ مشغولا بتأليف شرح اللمعة فأرسل القاضي إلى جبع من يطلبه وكان مقيما في كرم له مدة منفردا عن البلدة متفرّغا للتأليف، فقال بعض اهل البلد قد سافر عنا منذ مدّة فخطر ببال الشيخ ان يسافر إلى الحج . وكان قد حج مرارا لكنه قصد الاختفاء فسافر

في محمل مغطّى وكتب القاضي إلى السلطان انه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الاربعة فأرسل السلطان في طلب الشيخ فقبض عليه ، وروي أنه كان في المسجد الحرام بعد فراغه من صلاة العصر وأخرجوه إلى بعض دور مكة وبقي هناك محبوسا شهرا وعشرة أيام ثم ساروا به على طريق البحر إلى قسطنطنّية وقتلوه بها وبقي مطروحا ثلاثة أيام ثم ألقوا جسده الشريف في البحر   .

وفي رواية ابن العودي قتلوه في مكان من ساحل البحر وكان هناك جماعة من التركمان ، فرأوا في تلك الليلة أنوار تنزل من السماء وتصعد فدفنوه هناك وبنوا عليه قبة وحُمل رأسه إلى السلطان وسعى السيد عبد الرحيم العباسي في قتل فقتله السلطان .

وحكي عن شيخنا البهائي ( ره ) قال أخبرني والدي أنه دخل في صبيحة بعض الأيام على شيخنا الشهيد المعظّم فوجده متفكّرا فسأله عن سبب تفكره فقال يا أخي أظن أن أكون ثاني الشهيدين لأني رأيت البارحة في المنام ان السيد المرتضى

علم الهدى رضي الله عنه عمل ضيافة جمع فيها العلماء الامامية بأجمعهم في بيت فلمّا دخلت عليهم قام السيد المرتضي ورحّب بي وقال لي يا فلان اجلس بجنب الشيخ الشهيد فجلست بجنبه فلما استوى بنا المجلس انتبهت . ومنامي هذا دليل ظاهر على أني أكون تالياً له في الشهادة .

( انتهى ) .

قيل في تاريخ وفاته :

تاريخ وفاة ذلك الأوّاه                      الجنة مستقرة والله )

رضوان الله عليه حيث قال : ” كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته بقدر ما يمكن الصلاة فيه ليكون أجمع للهمّ ” ولكن من المعلوم أن هذا لا يرفع المانع ولا يقلع المادة لان العمدة هي تصرّف الخيال فإن الخيال يعمل عمله بحصول منشأ جزئي له بل ربما يكون تصرف الخيال والواهمة في البيت المظلم والصغير

وفي حال الوحدة أكثر ، ويتمسكان لاجل الدعابة واللهو بمبادئ اخرى فيتوقف حينئذ قلع المادة بالكلية على اصلاح الخيال والوهم ونحن نشير بعد ذلك إليه . نعم هذا النحو من العلاج ربما لا يكون في بعض النفوس بلا تأثير وخاليا من الاعانة ولكننا بصدد العلاج القطعي ونتطلب السبب الحقيقي للقلع وهو لا يحصل بما ذكر.

وربما يكون تشتت الخاطر والمانع عن حضور القلب من الامور الباطنية وعمدة المنشأ له على نحو كلّي أمران اليهما ترجع عمدة الامور الأخر .

الأول : ان طائر الخيال هو بنفسه فرّار يتعلق دائما كطائر من غصن إلى غصن ويطير من افريز إلى افريز وهذا ليس مرتبطا   بحب الدنيا والتوجه بأمور دنيّة ومال دنيوي بل كون الخيال فرّارا مصيبة يبتلي بها الناس حتى التاركين للدنيا . وتحصيل سكون الخاطر وطمأنينة النفس وتوقف

الخيال من الامور المهمة التي بإصلاحها يحصل العلاج القطعي ، ونحن نشير إليه بعد ذلك .

الامر الثاني الموجب لتشتّت الخاطر هو حب الدنيا وتعلق الخاطر بالحيثيات الدنيوية التي هي رأس الخطايا وام الامراض الباطنية 

شاهد أيضاً

محاولات هدم قبور الصالحين في التاريخ

‏‪ *محاولة نبش قبر امنة بنت وهب (رضوان الله تعالى عليها)*  *قال الحافظ ابن عقيل ...