الرئيسية / تقاريـــر / مسؤوليات البرلمان العراقي الجديد – علي الفواز

مسؤوليات البرلمان العراقي الجديد – علي الفواز

بعد انتهاء الايام الانتخابية التشريعية، بات الافق مفتوحا لترسيم حدود اجرائية للعملية السياسية، ولتحديد ملامح المرحلة المقبلة، وآليات اختيار الحكومة المقبلة، وتوزيع الادوار والوظائف بين الكتل السياسية، اذ سيكون الحكم في هذا الامر قائما على اساس حسابات الحجوم الانتخابية، وعلى المصالح التي تربط هذه الحجوم بالواقع وبالخيارات السياسية، وربما يخضعها البعض للتعاطي مع طبيعة الاجندات الخارجية دوليا واقليميا.
ان الحديث عن مواقف استباقية عن الخارطة الحكومية الجديدة خارج الاستحقاقات الانتخابية سيكون نوعا من المغامرة، او نزوعا قد يعتمده البعض باتجاه صناعة (الاقوياء الضعفاء) الذين قد يتفقون على هدف واحد، مقابل الاختلاف على اهداف عدة، وهذا الهدف الموحد سرعان ماسيكون مصدرا للتشظي وللفرقة، وربما عنصرا في إحداث الفرقة السياسية، لا سيما وان (حكومة) توافقية بهذا المواصفات ستكون غــير قـــادرة على تحقيــق اي برنامـــج وطــنــي.
ومن هنا يأخذ التعاطي العقلاني مع(التأسيس الحكومي) مجالا اكثر حذرا، واكثر موضوعية ايضا، حتى لاتنفرط عقدة بعض الكتل الكبرى، وتبدأ المصالح تلعب دورها في سحب واغواء الكتل الصغيرة، او حتى القلقين من الكتل الكبرى الى (كابينة طرف معين) مقابل الوعود بالحصول على امتيازات وزارية او على مصالح محددة، وطبعا هذا يحدث على حساب بناء حكومة قوية، وقادرة على المواجهة والتنفيذ.افق التشكيل الحكومي غير واضح الملامح، اذ هو مفتوح على خيارات عدة، واذ هو تعبير عن حجم القلق السياسي للفرقاء السياسيين، وعن معطى ما يمكن ان يحمله المستقبل من حسابات ومن معطيات قد تضر هذا الطرف او ذاك، لان من الصعب الحديث عن تشكيل حكومة لاتحظى بالقبول الوطني، ولاتجد شرعنة لاي مفهوم للاغلبية خارج ذلك القبول، فالشارع العراقي يعيش هاجس الخوف من التصورات الغائمة لمفهومي الاغلبية والتوافقية في آن معا، لاسيما وان حكم التوافق خلال اكثر من دورة حكومية لم يحقق شيئا على مستوى التنمية الامنية والوطنية بشكل عام وعلى بناء الدولة القوية الحامية لمصالح شعبها وسيادتها، ولم ينجح في اقرار القوانين الستراتيجية التي تحكم مسار بناء الدولة، مثل قانون الاحزاب، وقانون النفط والغاز، والبنى التحتية وغيرها، فضلا عن الشروع بمعالجة الكثير من الملفات المعلقة، كما ان حكومة الاغلبية ستكون مدعاة للحذر عند البعض الآخر لحساسيتهم من الاثرة، ومن عدم اعطاء مجال لقوى سياسية معينة من المشاركة في السلطة التنفيذية، والقبول بدور المعارضة في مجلس النواب، اذ ان مفهوم المعارضة لم يتحول في واقعنا السياسي الى ثقافة، والى ممارسة مثلما هو موجود في الدول الديمقراطية، والتي تمارس فيها هذه المعارضة وظيفة المراقبة، والحكومة الظل.
هذا النظرة الشوهاء للمعارضة، هي ما يجعل الجميع يتصارعون من اجل المشاركة في “السستم” الحكومي، تغليبا للمصالح، وللحسابات السياسية، وربما خضوعا لاجندات معينة، لاتسمح بوجود حكومة اغلبية تمارس وظيفتها السيادية والدستورية، وتعطي لرئيس مجلس الوزراء مجالا لترتيب امور وبرامج حكومته ووزرائه، واختيارهم حسب الاهلية والكفاءة وليس حسب المحاصصة الطائفية.

مجلس النواب واللحظة الوطنية

الحديث عن ملامح حقيقية للبناء الوطني، يرتبط بوجود الآليات الساندة لهذا البناء، وان من المسؤولية بمكان ان نتحدث بموضوعية وعقلانية عن تلك الآليات، وخصوصيتها في التعبير عن لحظة وطنية حقيقية وجامعة، تتجسد فيها الارادة العراقية الفاعلة، وتبرز فيها الرؤية الواضحة والواقعية للاشياء، اذ بعد ان هدأت اصوات التزاحم والتنافس الانتخابي، وبات الجميع امام ضرورة تأسيس مشهد وطني جديد، ينبغي ان يجد الجميع انفسهم امام المسؤوليات التي يواجهون من خلالها التحديات المقبلة، بدءا من التحدي القائم على انضاج مسار العملية السياسية الديمقراطية ودعم مؤسساتها وخياراتها، وانتهاءً بالتعاطي المسؤول مع مواصلة بناء الدولة المدنية، ومواجهة تحديات الارهاب والتكفير والجماعات الظلامية، وكل القوى التي تصنع الحروب الصغيرة التي تعوّق مسار بناء هذه الدولة الجديدة.
بقطع النظر عن من سيفوز، او عن من لم يحصل على فرصة الترشيح او الفوز، لا بد من القول بان هذا هو ديدن الديمقراطية في العالم، لكن هذا لايعني سوى المزيد من انضاج المسؤوليات، والمزيد من الوعي لمواجهة مايجري، والعمل مع الاخرين باتجاه انضاج عمليات التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والعمل على ترصين الوحدة الوطنية، عبر تأصيل قيم الوحدة المجتمعية، والتعاطي مع الحقائق الجديدة بشفافية وعقلانية، لان ثقافة التخوين والتشكيك التي يمارسها البعض تعني اثارة المزيد من المشاكل، والمزيد من الصراعات، واعطاء المجال لقوى الظلام وللتدخلات الخارجية من تمارس وظيفتها في تعويق مسار الجمع الوطني، وهو ماينبغي ان يدركه الجميع من اصحاب الاجندات والايديولوجيات، لاسيما وان هناك الكثير من الملفات العالقة والمعطلة لمشاريع التنمية والتحول الديمقراطي والانساني، والتي ارتبطت للاسف بسوء مواجهة من قبل العديد من السياسيين، منعا لاي استحقاق يتطلبه العمل لمعالجة هذه الملفات، والعمل بالمقابل على وفق نوايا او بحسابات معينة على تعطيل العديد من جلسات مجلس النواب في دورته السابقة، حدّ ان المجلس تحول الى خنادق مفتوحة للصراع والفرقة، وتعويق اية مواجهة حقيقية جامعة للكثير من التحديات بما فيها تحديات الارهاب.
ان رسم الافق السياسي الجديد على مستوى اختيار الرئاسات الثلاث، يعني اولا تكريس مظاهر واسس العملية الديمقراطية الدستورية، بعيدا عن أية اطروحات تنافض الشرعة الدستورية، فضلا عن حيازة الشروط الوطنية لتعزيز المسار الحقيقي للحظة العراقية، ولإثرائها وإنضاج مساراتها، بما يعكس وعيا حقيقيا ومسؤولية وطنية بما جرى، وبما يجري، والاصرار على مواجهة كل المعوقات والتحديات، وبالاتجاه الذي يمنح الجميع ثقة بالعملية السياسية وبالديمقراطية، لان هذه الثقة هي المنطلق نحو البناء، ونحو العمل المشترك، ونحو مواجهة جامعة للتحديات الامنية..
فاذا كانت الدورة البرلمانية السابقة قد شهدت الكثير من الصراعات، والكثير من التجاذبات التي عطلّت اقرار بعض القوانين الستراتيجية، فاننا يجب ان نحفز البرلمانيين الجدد لان يجعلوا من هذه الدورة (دورة للبناء الوطني) ولتجاوز كل مايثبط العزائم، ويثير المزيد من الصراعات، والعنف والغلو، حتى لايذكرهم الناس بما لايليق، وبما لايلبي طموح الجمهور الذي انتخبهم، اذ نأمل ان يكونوا بمستوى المسؤولية، في تحقيق البرامج الانتخابية الوطنية، وفي تحقيق الدور الايجابي لمواجهة الازمات ومظاهر الهشاشة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية، وان يجدوا في المجال المؤسسي واقعا جديدا لمواجهة الارهاب والفساد، وتعزيز الدور الرقابي المؤسسي والقانوني والرقابي لتحسين الاداء الحكومي، وليس لتعويقه، او تعطيله من خلال تعطيل تشريع القوانين الضرورية، واخرها قانون الموازنة العامة الذي عطل الكثير من مشاريع الاستثمار والبناء.
النظر الى هذه الحقائق، ينبغي ان يرتبط بالنظر الى معطياتها، لان النجاح في العمل ولود دائما، والفشل عقيم، وهو مانأمله من مجلس النواب المقبل في ان يكون بمستوى المسؤولية، في مواجهة الواقع الصراعي والعنفي، وفي مواجهة استحقاقات الدولة ومؤسساتها، وان يكون في السياق الصحيح الذي يعزز ثقة الناس به، وبقدرته على اسناد بناء الدولة العراقية الجديدة.

شاهد أيضاً

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

قال المولى جل وعلا في الآية (١٨٥)من سورة البقرة ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان ...