الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / إقامة الائمة (عليهم السلام) المأتم على الامام الحسين (عليه السلام) وحث أولياؤهم على ذلك

إقامة الائمة (عليهم السلام) المأتم على الامام الحسين (عليه السلام) وحث أولياؤهم على ذلك

إقامة الائمة (عليهم السلام) المأتم على الحسين (ع) وحث أولياؤهم على ذلك (1)
وأما أئمّة العترة الطاهرة: الذين هم كسفينة نوح، وباب حطة، وأمان أهل الارض، وأحد الثقلين اللذين لا يضلّ من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الله من صدّ عنهما.

فقد استمرت سيرتهم على الندب والعويل، وأمروا أولياءهم باقامة مآتم الحزن، جيلاً بعد جيل.
فعن الصادق (عليه السلام) ـ فيما رواه ابن قولويه في الكامل وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما ـ: أنّ علي بن الحسين (عليهما السلام) بكى على أبيه مدّة حياته، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى، ولا أتي بشراب إلاّ بكى، حتى قال له أحد مواليه: جعلت فداك يا ابن رسول الله إنّي أخاف أن تكون من الهالكين! قال (عليه السلام): “إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون”.
وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما: أنه لما كثر بكاؤه، قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال:
“ويحك، إن يعقوب (عليه السلام) كان له اثنا عشر ولداً، فغيّب الله واحداً منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه واحدودب ظهره من الغم، وابنه حيّ في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني”.
وعن الباقر (عليه السلام) قال: “كان أبي ـ علي بن الحسين صلوات الله عليه ـ يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليه السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوّأه الله تعالى في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لاذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده صرف الله عن وجهه الاذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار” (2).
وقال الرضا(3) ـ وهو الثامن من أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم ـ “إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية
يحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت فيه النار في مضاربنا، وانتهب مافيها من ثقلنا(4)، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا….
فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فانّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام”.
ثم قال (عليه السلام): “كان أبي إذا دخل شهر المحرم، لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيام، فاذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه”(5).
وقال (عليه السلام)(6): “من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا
كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”(7).
وعن الريان بن شبيب ـ فيما أخرجه الشيخ الصدوق في العيون ـ قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرم، فقال لي: “يا ابن شبيب، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم); إذ قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله….
يا ابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين (عليه السلام)، فانه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً مالهم في الارض من شبيه، ولقد بكت السموات السبع لقتله…”.
إلى أن قال: “يا ابن شبيب، إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا…”(8).
وقال (عليه السلام) ـ فيما أخرجه الصدوق في أماليه ـ: “من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والاخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرّت بنا في الجنان عينه…”(9).
وبكى صلوات الله عليه إذ أنشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته التائية السائرة التي أغمي عليه في أثنائها مرتين، كما نصّ عليه الفاضل العباسي في ترجمة دعبل من معاهد التنصيص وغيره من أهل الاخبار.
وفي البحار وغيره: أنه (عليه السلام) أمر قبل إنشادها بستر فضرب دون عقائله، فجلسن خلفه يسمعن الرثاء ويبكين على جدّهن سيد الشهداء، وأنه قال يومئذ: “يا دعبل، من بكى أو أبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله، يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا حشره الله معنا”.
وحدّث محمد بن سهل ـ كما في ترجمة الكميت من
معاهد التنصيص ـ قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في أيام التشريق، فقال له: جعلت فداك ألا أنشدك؟ قال: “إنها أيام عظام”، قال: إنها فيكم، قال: “هات”، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده ـ في رثاء الحسين (عليه السلام) ـ فكثر البكاء، حتى أتى على هذا البيت:

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم   فيا آخراً أسدى له الغي أول

قال: فرفع أبو عبد الله رحمه الله تعالى يديه فقال: “اللهم اغفر للكميت ماقدّم وما أخر وما أسرّ وما أعلن حتى يرضى”
وفي كامل الزيارات بالاسناد إلى عبد الله بن غالب، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأنشدته مرثية الحسين (عليه السلام)، فلما انتهيت إلى قولي:

لبلية تسقو حسيناً   بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر يا أبتاه(10).
وروى الصدوق في الامالي وثواب الاعمال، وابن قولويه، بأسانيد معتبرة عن أبي عمارة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): “يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين”، فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى، قال: فو الله ما زلت أنشده وهو يبكي، حتى سمعت البكاء من الدار، قال: فقال لي: “يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي (عليهما السلام)فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة”(11).
وروى الصدوق في ثواب الاعمال بالاسناد إلى هارون المكفوف قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال لي: “يا أبا هارون، أنشدني في الحسين (عليه السلام)”، فأنشدته، فقال لي: “أنشدني كما تنشدون” يعني: بالرقة، قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين   فقل لاعظمه الزكية

قال: فبكى، ثم قال: “زدني”، فأنشدته القصيدة الاخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلما فرغت، قال: “يا أبا هارون، من أنشد في الحسين فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة…”.
إلى أن قال: “ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذبابة، كان ثوابه على الله عز وجل، ولم يرض له بدون الجنة”(12).
وروى الكشي بسند معتبر عن زيد الشحام قال: كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فدخل عليه جعفر بن عثمان، فقربه وأدناه، ثم قال: “يا جعفر”، قال: لبيك جعلني الله فداك، قال: “بلغني أنك تقول الشعر في الحسين (عليه السلام) وتجيد”، فقال له: نعم جعلني الله فداك، قال: “قل”، فأنشدته، فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثم قال: “يا جعفر، والله لقد شهدت الملائكة المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام)، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر…”.
إلى أن قال: “مامن أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة، وغفر له”(13).
وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر حديثاً عن الصادق (عليه السلام) جاء فيه: “وكان جدي علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا ذكره ـ يعني الحسين (عليه السلام) ـ بكى حتى تملا عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه ـ رحمة له ـ من رآه، وأنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء، وما من باك يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة وأسعدها، ووصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدّى حقنا…”.
وفي قرب الاسناد عن بكر بن محمد الازدي قال: قال أبو عبد الله ـ الصادق ـ (عليه السلام) لفضيل بن يسار: “أتجلسون وتحدّثون؟” قال: نعم جعلت فداك، قال (عليه السلام): “إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل: من ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه”.
وفي خصال الصدوق، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: “إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الارض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أُولئك منا وإلينا”.
وفي كامل الزيارات بالاسناد إلى أبي عمارة المنشد قال: ماذكر الحسين (عليه السلام) عند أبي عبد الله ـ الصادق ـ (عليه السلام) في يوم قط فرؤي متبسماً في ذلك اليوم إلى الليل، قال: وكان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: “الحسين عبرة كل مؤمن”(14)
وفيه بالاسناد إلى الصادق (عليه السلام) قال: “قال الحسين (عليه السلام): أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر”(15).
إلى غير ذلك من صحاح الاخبار المتواترة عن أئمة الابرار (16)

[حجّية أقوال الائمة (عليهم السلام) في رجحان إقامة المأتم]
وناهيك بها حجة على رجحان هذه المآتم، واستحبابها شرعاً، فان أقوال أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم السلام) وأفعالهم
وتقريرهم حجة بالغة، لوجوب عصمتهم بحكم العقل والنقل، كما هو مقرر في مظانه من كتب المتكلمين من أصحابنا، على أنّ الاقتداء بهم في هذه المآتم وغيرها لا يتوقف عند الخصم على عصمتهم، بل يكفينا فيه ما اتفقت عليه الكلمة من إمامتهم في الفتوى، وأنّهم في أنفسهم لا يقصرون عن الفقهاء الاربعة والثوري والاوزاعي وأضرابهم علماً ولا عملاً.
وأنت تعلم أنّ هذه المآتم لو ثبتت عن أبي حنيفة أو صاحبيه أبي يوسف والشيباني مثلاً، لاستبق الخصم إليها وعكف أيام حياته عليها، فلم ينكرها علينا ويندّد بها بعد ثبوتها عن أئمة أهل البيت يا منصفون؟!
أتراه يرى في أئمة الثقلين أمراً يقتضي الاعراض عنهم، أو يجد فيهم شيئاً يستوجب الانكار على الاخذين بمذهبهم، أو أنّ هناك أدلّة خاصّة تقصر الامامة في الفتوى على أئمّة خصومنا ولا تبيح الرجوع إلى غيرهم، كلاّ إنّ واقع الامر وحقيقة الحال بالعكس.

سيرة أئمة الهدى (عليهم السلام) القطعية في إقامة المأتم
وحاصله: أنّ مآتمنا ـ بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت، والانفاق عنهم في وجوه البرّ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم، والبكاء رحمة لهم ـ سيرة قطعية قد استمرت عليها أئمة الهدى من أهل البيت، وأمروا بها أولياءهم على مرّ الليالي والايام، فورثناها منهم، وثابرنا عليها، عملاً بما هو المأثور عنهم.
فكيف والحال هذه تنكرونها علينا وتقولون فيها ما تقولون؟ والله يعلم أنها ليست كما تظنون.


1ـ المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره : للسيّدعبدالحسين شرف الدين ص 50 ـ 63.
2 ـ كامل الزيارات: 100. وراجع: تفسير القمي: 616، ثواب الاعمال: 47، بحار الانوار 44 / 281.
3 ـ فيما أخرجه الصدوق في أماليه وغير واحد من أصحابنا “المؤلّف”.
4 ـ الثقل: وزان سبب متاع المسافر، وكلّ شيء نفيس مصون “المؤلّف”.
5 ـ أمالي الصدوق: المجلس 27 الرقم 2، وراجع: بحار الانوار 44 / 283.
6ـ فيما أخرجه الصدوق في أماليه “المؤلّف”.
7 ـ أمالي الصدوق: المجلس 17 الرقم 4 ، وراجع: عيون أخبار الرضا 1 / 294، بحار الانوار 44 / 278.
8 ـ عيون أخبار الرضا 1 / 299 ، وراجع: أمالي الصدوق: المجلس 27، بحار الانوار 44 / 285.
9 ـ أمالي الصدوق: المجلس 27 الرقم 4 ، وراجع: بحار الانوار 44 / 284.
10ـ كامل الزيارات: 105.وراجع: بحار الانوار 44 / 286.
11ـ أمالي الصدوق: المجلس 29 الرقم 6، ثواب الاعمال: 47، كامل الزيارات: 105.وراجع: بحار الانوار 44 / 282.
12ـ ثواب الاعمال: 47.وراجع: كامل الزيارات: 100 و 104، بحار الانوار 44 / 288.
13 ـ رجال الكشي: 187.
14 ـ كامل الزيارات: 108، وراجع: بحار الانوار 44 / 280.
15ـ كامل الزيارات: 108، وراجع: بحار الانوار 44 / 284.
16ـ راجع: بحار الانوار 44 / 278 ـ 296 الباب 34.

 

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...