الرئيسية / بحوث اسلامية / دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

ج ـ حفظ الشريعة الاسلامية من التحريف

 لقد كان هدف حفظ الشريعة الاسلامية من أهم الاهداف التي استهدفها الائمة من بناء الجماعة الصحالحة; حيث كان أئمة أهل البيت(عليهم السلام) يسعون إلى تحقيق هذا الهدف في زمن حضورهم لكي لا تبتلى الشريعة بعد غياب الائمة(عليهم السلام)بالتحريف والضياع، بسبب الاوضاع السياسية والاهواء والعوامل الاخرى التي كانت السبب في تحريف الديانات الاخرى وضياعها، الامر الذي يفرض ضرورة وجود الجماعة الصالحة التي لابد لها أن تتحمل هذه المسؤولية، خصوصاً وأن الرسالة الاسلامية هي الرسالة الخاتمة التي يجب أن تحفظ من الضياع، ليس بمنطق المحافظة على المصالح البشرية وتطورها ورقيها الذي يتحقق بالالتزام بالحدود الواقعية للرسالة فحسب، بل بمنطق ضرورة إقامة الحجة من قبل الله تعالى على الامة في كل العصور والازمنة (لِئلاّ يكون للناس على الله حجّةٌ بعد الرسلِ)([1][15]).

ومن أجل أن يتضح الدور الذي قام به أتباع أهل البيت في حفظ الشريعة الاسلامية والخط الاسلامي الاصيل نشير ـ باختصار ـ إلى المعالم التالية في الجماعة الصالحة المتمثلة بأتباع أهل البيت(عليهم السلام):

1 ـ مبدأ المقاومة:

الاول: الالتزام العقائدي والفكري بالمبدأ السياسي في مقاومة الظالمين ومواجهتهم الذي كان يتصف به اتباع أهل البيت(عليهم السلام)، حيث تعرض هذا الاصل الاسلامي إلى محاولات الطمس والاخماد، إما بطريقة القمع والمطاردة، أو بطريقة التضليل والتحريف. حيث كانت النصوص والاحاديث توضع على لسان النبي لتبرير الاستسلام للظالمين والقبول بحكمهم وسلطانهم، بحيث تأثرت بذلك الاوساط العامة للمسلمين، وبقيت الجماعة الصالحة من أتباع أهل البيت تلتزم بهذا الخط السياسي، ونقلته لنا عبر الاجيال المتعاقبة لا على مستوى الشعار والنظرية فحسب، بل على مستوى التطبيق والموقف السياسي الفعلي.

بالاضافة إلى أن هذا الموقف السياسي كان يتعالى بمدرسة أهل البيت والجماعة الصالحة عن أن تجعل عملية استنباط الحكم الشرعي والافتاء به خاضعة للتأثّر بأهواء الظالمين ومتبنّياتهم، بحيث تجسد عنصر الاستقلال في موقف الجماعة الصالحة من الحاكمين على المستويين العملي والنظري، وفصل قضية الاجتهاد عن الاوضاع السياسية الحاكمة المنحرفة، وهذا مما يتميز به أتباع أهل البيت(عليهم السلام).

2 ـ الاجتهاد في إطار الكتاب والسنة:

الثاني: بقاء باب الاجتهاد والاستنباط مفتوحاً ولكن ضمن الاسس والضوابط التي تعتمد أساسياً على المصادر الصحيحة التي أهمها (الكتاب والسنة)، في حين أن الجماعات الاسلامية الاخرى التي اعتمدت مصادر أخرى ـ لاسباب عديدة ـ كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وقول الصحابي وغيرها، اضطرّت بعد ذلك إلى إغلاق باب الاجتهاد للاضرار البالغة التي لحقت بالشريعة وعملية الاستنباط وتطبيق الحكم الشرعي على موارده ومصاديقه المتجددة، الامر الذي وضع الشريعة في خطر التحريف الكبير. وهذا الاغلاق أو الحد من عملية الاجتهاد كانت له آثار سلبية كبيرة على عملية الاستنباط، وقدرة الشريعة الاسلامية على معالجة التطورات الجديدة التي واجهت المجتمع الانساني، وأصبح الفقه في الاوساط العامة يعيش حالة من الجدب والعسر، الامر الذي جعل الكثير من العلماء في مختلف العصور يطمحون إلى فتح باب الاجتهاد خصوصاً في هذا العصر.

وهذا بخلاف المزيّة التي تفرّدت بها الجماعة الصالحة من أتباع أهل البيت في إثراء عملية الاستنباط مع ضبطها، بحيث أصبحت مواكبة باستمرار للتطورات دون وجود خطر الانحراف أو الوقوع تحت تأثيرات الافكار والحضارة المادية، وبقيت معطاءً مع الاحتفاظ بالاصالة في مصادرها وينابيعها الصافية، وقادرة بذلك على المحافظة على الشريعة والتراث الاسلاميين.

3 ـ الحرية الفكرية:

الثالث: القدرة على حرية التفكير والتأمل والتدبر والفحص لمختلف القضايا الفلسفية والكلامية والسياسية بعيداً عن الاطر الجامدة أو القيود الفكرية المفروضة سياسياً أو مذهبياً. الامر الذي جعل هذه الكتلة قادرة على نقد التاريخ الاسلامي، والابداع والتطور في فهم القضايا الفلسفية والكلامية والتصدي لمواجهة التيارات الفكرية والفلسفية في مختلف العصور.

وبالرغم من وجود محاولات مهمة بهذا الاتجاه في التاريخ الاسلامي، مثل محاولة المعتزلة وإخوان الصفا، إلاّ أنها باءت بالفشل، بسبب انفصالها عن الجذر الفكري الاصيل.

4 ـ التقوى والعدالة:

الرابع: إعطاء التقوى والعدالة والوثاقة في الشخصية الانسانية وفي الممارسة الاجتماعية دوراً كبيراً ومهمّاً وأساسياً يتسم بالواقعية والاخلاق، فلا تقبل شهادة غير العادل، وهي شرط في إمام الجماعة، وفي شهود الطلاق والقضاء وفي القاضي، ولابدّ في الراوي من الوثاقة، مع قطع النظر عن انتمائه السياسي، فتقبل رواية المخالف في المذهب والعقيدة إذا كان ثقة، وترفض رواية الكاذب والضعيف مهما كان متعصباً في ولائه لاهل البيت(عليهم السلام)، ولا يقبل الحديث إلاّ إذا كان عن ثقة أو كانت هناك وثاقة بصدوره.

وقد كان لذلك دور مهم في حفظ النصوص وتميّزها، ولذا أصبح جميع ما ورد من الحديث خاضعاً للنقد والتمييز والتدقيق على مستوى السند والمتن معاً.

ولا نجد كتاباً من كتب الحديث مقبولاً مطلقاً لدى الجماعة الصالحة([2][16])، على خلاف الاوساط الاسلامية الاخرى التي تلتزم بمجموعة من الكتب على أساس أنها صحيحة مطلقاً، بالرغم من وجود رواة معروفين بالانحراف والكذب في أسناد أحاديثها.

كما أن هناك أحاديث كثيرة لم تتناولها كتب الحديث، لمجرد أنّ رواتها لهم انتماء مذهبي مخالف، بحيث أصبحت القضية السياسية هي الاساس في القبول.

5 ـ التدوين والحفظ:

الخامس: الاهتمام بالتدوين والحفظ والضبط للاحاديث والنصوص بحيث تمكّنت هذه الجماعة أن تحفظ ثروة كبيرة من الاحاديث في مختلف الموضوعات الشرعية والحيوية وكذلك في التفسير والادعية والوصايا والخطب والتاريخ، بالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمر بها في مختلف العصور، وبالرغم من قلّة الامكانات والفرص المواتية، بحيث أن ما يملكه ابناء الجماعة الصالحة من هذا التراث الاسلامي أوسع وأشمل من مجموع ما تملكه المجموعات الاسلامية الاخرى، الامر الذي يسّر المحافظة على الشريعة والخط الاسلامي الاصيل بعيداً عن الاهواء والتحريف أو خدمة الحاكمين.

([1][15]) النساء: 165.

([2][16]) هناك اتجاه بين أتباع أهل البيت يلتزم بصحة بعض الكتب الحديثية مطلقاً معروف بـ (الاخباريين) ولكنه ظهر مدة من الزمن ثم تضاءل وجوده إلى حد كبير.

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين ...