الرئيسية / من / طرائف الحكم / آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

04

بحث في مقتضى سياق الآية :
لكنهم مع ذلك يحاولون توجيه هذا الرأي ، أي رأي الضحاك ،
يقولون بأنه مقتضى سياق الآية المباركة .
وقد قرأت لكم بنفسي الآيات السابقة على آية التطهير ،
والكل يعلم وأنتم تعلمون بأن الآية الآن في القرآن الكريم جاءت
في ضمن الآيات التي خاطب الله سبحانه وتعالى نساء النبي ، وقد
تعمدت قراءة الآية ، عندنا اصطلاح في علم الأصول ، يقولون : بأن
السياق قرينة في الكلام ، أي أنه متى ما أردنا أن نفهم معنى كلام أو
معنى كلمة ، نراها محفوفة بأي كلام ، وفي أي سياق ، فالألفاظ التي
تحف بهذه الكلمة ، والسياق الذي جاءت الجملة في ذلك السياق ،
يكون معينا لنا أو معينا
لنا على فهم المراد من تلك الكلمة أو
الجملة ، هذا شئ يذكرونه في علم الأصول ، وهذا أيضا أمر
صحيح في مورده ولا نقاش فيه .

إلا أن الذين يقررون هذه القاعدة ، ينصون على أن السياق إنما
يكون قرينة حيث لا يكون في مقابله نص يعارضه ، وهل من
الصحيح أن نرفع اليد عما رواه أهل السنة في صحاحهم وفي
مسانيدهم وفي سننهم وفي تفاسيرهم ، عن أم سلمة وعن عائشة
وعن غيرهما من كبار الصحابة : أن الآية مختصة بالنبي وبالأربعة
الأطهار من أهل البيت ، نرفع اليد عن جميع تلك الأحاديث
المعتبرة المعتمدة المتفق عليها بين المسلمين ، لأجل السياق
وحده ، حتى ندعي شيئا لأم سلمة أو لعائشة ، وهن ينفين هذا
الشئ الذي نريد أن ندعيه لهن ؟ !

ليس هناك دليل أو وجه لهذا المدعى ، إلا إخراج الآية
المباركة عن مدلولها ، عن معناها ، عن المراد الذي هو بحسب
الأحاديث الواردة هو مراد الله سبحانه وتعالى .
ولولا أن الآية المباركة تدل على معنى ، تدل على مقام ، تدل
على مرتبة ، تدل على شأن ، لما كانت هذه المحاولات ، لا من مثل
عكرمة الخارجي ، ولا من مثل ابن كثير الدمشقي ، الذي هو تلميذ
ابن تيمية ، فالآية المباركة لا يراد من ( أهل البيت ) فيها إلا من
دلت عليه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها ، المقبولة بين الطرفين
المتنازعين في هذه المسألة .
معنى إذهاب الرجس والإرادة
ننتقل الآن إلى النقطة الثانية في الآية المباركة ، وهي معنى
إذهاب الرجس ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا ) ، فتعين المراد من أهل البيت بقول رسول الله
وبفعل رسول الله ، فأصبحت السنة المتفق عليها مفسرة للآية
المباركة .

فما معنى إذهاب الرجس عن أهل البيت ؟
لا بد من التأمل في مفردات الآية المباركة :
كلمة ( إنما ) تدل على الحصر ، وهذا مما لا إشكال فيه ولا
خلاف من أحد .
( يريد الله ) الإرادة هنا إما إرادة تكوينية كقوله تعالى : ( إذا
أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( 1 ) ، وإما هي تشريعية كقوله
تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ( 2 ) .
فالإرادة ، تارة تكوينية ، وأخرى تشريعية ، وكلا القسمين
واردان في القرآن الكريم ، ولله سبحانه وتعالى إرادة تكوينية وإرادة
تشريعية ، ولا خلاف في هذه الناحية أيضا .
لكن المراد من الإرادة في الآية لا يمكن أن يكون إلا
الإرادة التكوينية ، لأن الإرادة التشريعية لا تختص بأهل البيت ،
سواء كان المراد من أهل البيت هم الأربعة الأطهار ، أو غيرهم
أيضا ، الإرادة التشريعية لا تختص بأحد دون أحد ، الإرادة
التشريعية يعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلف ، أو
يريد أن لا يفعله المكلف ، هذه الإرادة التشريعية ، أي الأحكام ، الأحكام
عامة تعم جميع المكلفين ، لا معنى لأن تكون الإرادة هنا
تشريعية ومختصة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائنا من كان
المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة ، إذ ليس هناك
تشريعان ، تشريع يختص بأهل البيت في هذه الآية وتشريع يكون
لسائر المسلمين المكلفين ، فالإرادة هنا تكون تكوينية لا محالة .
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) و ( الرجس ) إذا
رجعنا إلى اللغة ، فيعم الرجس ما يستقذر منه ويستقبح منه ،
ويكون المراد في هذه الآية الذنوب ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس ) ، أي إنما يريد الله بالإرادة التكوينية أن يذهب عنكم
الذنوب أهل البيت ، ويطهركم من الذنوب تطهيرا ، فهذا يكون
محصل معنى الآية المباركة .

 

إن إرادة الله التكوينية لا تتخلف ، وبعبارة أخرى : المراد
لا يتخلف عن الإرادة الإلهية ، ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن
فيكون ) ( 1 ) .
فإذا كانت الإرادة تكوينية ، والمراد إذهاب الرجس عن أهل
البيت ، فهذا معناه طهارة أهل البيت عن مطلق الذنوب ، وهذا واقع
العصمة ، فتكون الآية دالة على العصمة .
الإرادة التكوينية والجبر :
ويبقى سؤال : إذا كانت الإرادة هذه تكوينية ، فمعنى ذلك أن
نلتزم بالجبر ، وهذا لا يتناسب مع ما تذهب إليه الإمامية من أنه لا
جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، هذه الشبهة موجودة في
الكتب ، وممن تعرض لها ابن تيمية في منهاج السنة
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بما ملخصه : .

إن الله سبحانه وتعالى لما علم أن هؤلاء لا يفعلون إلا ما
يؤمرون ، وليست أفعالهم إلا مطابقة للتشريعات الإلهية من الأفعال
والتروك ، وبعبارة أخرى : جميع أفعالهم وتروكهم تكون مجسدة
للتشريعات الإلهية ، جميع ما يفعلون ويتركون ليس إلا ما يحبه الله
سبحانه وتعالى أو يبغضه ويكرهه سبحانه وتعالى ، فلما علم
سبحانه وتعالى منهم هذا المعنى لوجود تلك الحالات المعنوية في
ذواتهم المطهرة ، تلك الحالة المانعة من الاقتحام في الذنوب
والمعاصي ، جاز له سبحانه وتعالى أن ينسب إلى نفسه إرادة
إذهاب الرجس عنهم .

وهذا جواب علمي يعرفه أهله ويلتفت إليه من له مقدار من
المعرفة في مثل هذه العلوم ، والبحث لغموضه لا يمكن أن نتكلم
حوله بعبارات مبسطة أكثر مما ذكرته لكم ، لأنها اصطلاحات
علمية ، ولا بد وأن يكون السامعون على معرفة ما بتلك
المصطلحات العلمية الخاصة .
وعلى كل حال لا يبقى شئ في الاستدلال ، إلا هذه الشبهة ،
وهذه الشبهة قد أجاب عنها علماؤنا ، وبإمكانكم المراجعة إلى
الكتب المعنية في هذا البحث بالخصوص ، حتى في كتب علم
الأصول أيضا .
أتذكر أن بعضهم يتعرض لمبحث آية التطهير بمناسبة حجية
سنة الأئمة ، حجية سنة أهل البيت ، ومنهم العلامة الكبير السيد
محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن ، هناك
يطرح مبحث آية التطهير ، ويذكر هذه الشبهة ويجيب عنها بما
ذكرت لكم بعبارة مبسطة بقدر الإمكان ، وهناك أيضا موارد أخرى
يتعرضون فيها لهذه الشبهة وللإجابة عنها .

وحينئذ ، إذا كان المراد من أهل البيت خصوص النبي والأربعة
الأطهار ، وإذا كان المراد من إذهاب الرجس إذهاب الذنوب ،
والإرادة هذه إرادة تكوينية لا تتخلف ، فلا محالة ستكون الآية
المباركة دالة على عصمة الخمسة الأطهار فقط .
ومن يدعي العصمة لزوجات النبي ؟ ومن يتوهم العصمة في
حق الأزواج ، لا سيما التي خالفت قوله تعالى : ( وقرن في
بيوتكن ) ( 1 ) ، الآية المباركة الواردة في نفس السورة ، والتي تكون
تكون آية التطهير في سياق تلك الآية ، وهل يكفي أن يقال بأنها ندمت
عما فعلت وكانت تبكي ، فخروجها على إمام زمانها أمر ثابت
بالضرورة ، وبكاؤها وتوبتها أمر يروونه هم ، ولنا أن لا نصدقهم ،
ومتى كانت الرواية معارضة للدراية ؟ ومتى أمكننا رفع اليد عن
الدراية بالرواية ؟ وكيف يدعى أن تكون تلك المرأة من جملة من
أراده الله سبحانه وتعالى في آية التطهير .
نعم ، يقول به مثل عكرمة الخارجي العدو لأمير المؤمنين بل
للنبي وللإسلام .

شاهد أيضاً

آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

05 بعض التحريفات في كتب القوم ورأيت من المناسب أن أذكر لكم نقطة تتعلق بآية ...