الرئيسية / فقه الولاية / فقه التربية والتعليم

فقه التربية والتعليم

ب ‌ـ آداب المعلِّم مع طلبته

 

1ـ أن يؤدِّبهم على التدريج بالآداب السنيّة والشيم المرضيّة.

2ـ أن يُرغِّبهم في العلم ويُذكِّرهم بفضائله.

3ـ أن يُحبّ لهم ما يُحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه من الشرّ، ففي الخبر: “لا يؤمن أحدكم حتّى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه”1. ولا شكّ أنّ المتعلِّم أفضل الإخوان بل الأولاد، فإنّ العلم قرب روحاني وهو أجلُّ من الجسماني.

4ـ أن يزجره عن سوء الأخلاق، وارتكاب المحرّمات والمكروهات، أو ما يؤدّي إلى فساد حال أو ترك اشتغال أو إساءة أدب،أو كثرة كلام لغير فائدة، أو معاشرة من لا تليق به عشرته، أو نحو ذلك بطريق التعريض ما أمكن، لا بطريق التصريح مع الغنى عنه، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ، فإنّ التصريح يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف، ويهيج الحرص على الإصرار.

5ـ أن لا يتعاظم على المتعلِّمين، بل يلين لهم ويتواضع، قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين2. وعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:

1- منية المريد، م.س، ص190.

2- سورة الشعراء، الآية: 225.

“إنّ الله أوحى إليّ أن تواضعوا”3. وعنه صلى الله عليه و آله وسلم: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلّا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله”4. وهذا في التواضع لمطلق الناس، فكيف بهؤلاء الّذين هم معه كالأولاد، مع ما هم عليه من ملازمتهم له، واعتمادهم عليه في طلب العلم النافع، ومع ما هم عليه من حقّ الصحبة وحرمة التردُّد وشرف المحبّة وصدق التودُّد. وفي الخبر عنه صلى الله عليه و آله وسلم: “علِّموا ولا تُعنِّفوا، فإنّ المعلِّم خير من المعنِّف”5.

وعنه صلى الله عليه و آله وسلم : “لينوا لمن تعلّمون، ولمن تتعلّمون منه”6، فعلى المعلِّم تحسين خلقه مع المتعلِّمين زيادة على غيرهم، والتلطُّف بهم إذا لقيهم، والبشاشة وطلاقة الوجه وإظهار البشر وحسن المودّة وإعلام المحبّة وإظهار الشفقة، والإحسان إليهم بعلمه وجاهه حسب ما يمكن. وينبغي أن يُخاطب كلّاً منهم سيّما الفاضل المتميّز بكنيته ونحوها من أحبّ الأسماء إليه، وما فيه تعظيم له وتوقير، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يكنّي أصحابه إكراماً لهم7، فإنّ ذلك ونحوه أشرح لصدورهم، وأبسط لسؤالهم،

3- منية المريد، م.س، ص 193.

4- م. ن.

5- م. ن.

6- م. ن.

7- منية المريد، م.س، ص193.

وأجلب لمحبّتهم. ويزيد في ذلك من يرجو فلاحه ويظهر صلاحه. وبالجملة فالعالم بالنسبة إلى المتعلِّم كالطبيب للمريض، فكلّ ما يرجو به شفاءه فليفعله، فإنّ داء الجهالة النفسانية أقوى من الأدواء البدنية.

6ـ إذا غاب أحد منهم أو من ملازمي الحلقة زائداً على العادة يسأل عنه وعن أحواله وموجب انقطاعه.

7ـ أن يستعلم أسماء طلبته وحاضري مجلسه وأنسابهم وكناهم ومواطنهم وأحوالهم.

8ـ أن يكون سمحاً ببذل ما حصّله من العلم، سهلاً بإلقائه إلى مبتغيه متلطّفاً في إفادة طالبيه مع رفق ونصيحة وإرشاد إلى المهمّات، وتحريض على حفظ ما يبذله لهم من الفوائد النفيسات، ولا يدّخر عنهم من أنواع العلم شيئاً يحتاجون إليه أو يسألون إذا كان الطالب أهلاً لذلك. وليكتم عنهم ما لم يتأهّلوا له من المعارف، لأنّ ذلك ممّا يُفرّق الهمّ ويُفسد الحال، فإن سأله الطالب شيئاً من ذلك نبّهه على أنّ ذلك يضرّه، وأنّه لم يمنعه منه شحّاً بل شفقه ولطفاً، ثمّ يرغّبه بعد ذلك في الاجتهاد والتحصيل، ليتأهّل لذلك وغيره. وقد روي في تفسير “الربّاني” أنّه الّذي يربّي الناس بصغار العلم قبل كباره.

9ـ أن يكون حريصاً على تعليمهم، باذلاً وسعه في تفهيمهم وتقريب

الفائدة إلى أفهامهم وأذهانهم، مهتمّاً بذلك مؤثراً له على حوائجه ومصالحه، ما لم يكن ضرورة إلى ما هو أرجح منه، ولا يدّخر من نصحهم شيئاً. ويُفهم كلّ واحد منهم بحسب فهمه وحفظه، ولا يُعطيه ما لا يحتمله ذهنه، ولا يبسط الكلام بسطاً لا يضبطه حفظه، ولا يقصر به عمّا يحتمله بلا مشقّة، ويخاطب كلّ واحد منهم على قدر درجته وبحسب فهمه، فيلقي للمتميّز الحاذق الّذي يفهم المسألة فهماً محقّقاً بالإشارة، ويوضح لغيره لاسيّما متوقّف الذهن، ويكرّرها لمن لا يفهمها إلّا بتكرار، ويبدأ بتصوير المسألة ثمّ يوضحها بالأمثلة إن احتيج إليه، ويذكر الأدلّة والمآخذ.

10ـ أن يذكر في تضاعيف الكلام ما يناسبه من قواعد الفنّ الكلّية الّتي لا تنخرم، أو يضبط مستثنياتها إن كانت.

11ـ أن يحرّضهم على الاشتغال في كلّ وقت، ويطالبهم في أوقات بإعادة محفوظاتهم، ويسألهم عمّا ذكره لهم من المهمّات والمباحث، فمن وجده حافظاً مراعياً أكرمه وأثنى عليه، وأشاع ذلك ما لم يخف فساد حاله بإعجاب ونحوه، ومن وجده مقصّراً عنّفه في الخلوة، وإن رأى مصلحة في الملأ فعل، فإنّه طبيب يضع الدواء حيث يحتاج إليه وينفع.

12ـ أن يُنصفهم في البحث، فيعترف بفائدة يقولها بعضهم وإن كان

صغيراً، فإنّ ذلك من بركة العلم. قال بعض السلف: من بركة العلم وآدابه الإنصاف، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهّم. فيلازمه في بحثه وخطابه، ويسمع السؤال من مورده على وجهه وإن كان صغيراً، ولا يترفّع عن سماعه فيحرم الفائدة. ولا يحسد أحداً منهم لكثرة تحصيله أو زيادته على خاصّته من ولد وغيره، فالحسد حرام فكيف بمن هو بمنزلة الولد، فإنّه مربّيه وله في تعليمه وتخريجه في الآخرة الثواب الجزيل وفي الدنيا الدعاء المستمرّ والثناء الجزيل.

13ـ أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودّة أو اعتناء مع تساويهم في الصفات من سنّ أو فضيلة أو ديانة، فإنّ ذلك ربما يوحش الصدر وينفّر القلب. فإن كان بعضهم أكثر تحصيلاً وأشدّ اجتهاداً وأحسن أدباً، فأظهر إكرامه وتفضيله وبيّن أنّ زيادة إكرامه لتلك الأسباب، فلا بأس بذلك فإنّه ينشط، ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات المرجّحة.

14ـ أن لا يسفّه سؤال أحد من طلبته ولو كان السؤال بسيطاً، وأن يُقدّم في الإجابة عن أسئلتهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق.

15ـ إذا سلك الطالب في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله أو تحمله طاقته وخاف ضجره، أوصاه بالرفق بنفسه وذكّره

بقول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم: “إنّ المنبتّ8 لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى”9.

16ـ إذا كان متكفّلاً ببعض العلوم لا غير، لا ينبغي له أن يُقبّح في نفس الطالب العلوم الّتي وراءه، كما يتّفق ذلك كثيراً لجهلة المعلِّمين، فإنّ المرء عدوّ ما جهل، كمعلِّم العربية والمعقول إذ عادته تقبيح الفقه، ومعلِّم الفقه تقبيح علم الحديث والتفسير، وأشباه ذلك.

8- المنبتّ: يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته قد انبتّ من البتّ القطع، وهو مطاوع بتّ يقال بتّه وأبتّه يريد أنّه بقي في طريقه عاجزاً عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، العلامة المجلسي، ج 8، ص109.

9- الكافي، م.س، ج 2، ص 87.


شاهد أيضاً

فقه المسجد

 آداب المسجد تمهيد ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾. حينما يكون ...