الرئيسية / فقه الولاية / فقه الأحزان

فقه الأحزان

الضوابط الشرعيَّة في العزاء

لقد حرص الإسلام على صيانة شخصية الإنسان المؤمن من الأعمال التي لا تليق، وتتناسب مع الإيمان بالله تعالى، والانضباط الخُلقي, كما ذكرنا سابقاً 29, ولذا فقد شَرَّع له الكثير من الأحكام التي تحفظ شخصيَّته، بما يتناسب مع التوجه الخلقي العامِ الذي أراده لعباده. ومن هنا كان لمجلس العزاء ضوابط شرعيَّة قد تصل في بعض الأحيان إلى درجة الإلزام, وبعضها الآخر من المستحبات. وسنطلُّ بشكلٍ عامٍ على أهمِّ الضوابطِ التي ينبغي أن تُراعى في أهل العزاء أنفسهم, وفي المعزِّين الذين يأتون لمواساتهم في مصابهم.

ومن الأمور التي ينبغي الابتعاد عنها:

1 – اليأس والقنوط:

واليأس من رَوْحِ الله تعالى، هو عبارة عن الجزع الشديد الذي يصيب الإنسان مترافقاً مع كراهية المُصاب, واعتبار أن

28- السيد البروجردي – جامع أحاديث الشيعة – ج3ص526

29- في تمهيد الكتاب


رحمة الله تعالى انقطعت عنه, واليأس من رحمة الله ورَوْحِه مِن الكبائر 30, يقول الله سبحانه وتعالى:﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ 31.

وقد ورد في الحديث عن صفوان الجمال قال: شهدت الإمام الصادق عليه السلام و قد استقبل القبلة قبل التكبير وقال: “اللَّهم لا تؤيسني من رَوحك ولا تُقْنِطْني من رَحمتك ولا تُؤمني مكرك فإنه لا يأمن مكرَ الله إلا القوم الخاسرون”، قلت: جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك، فقال: إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوطُ من رحمة الله والأمن من مكر الله” 32.

وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : “الفاجر الراجي لرحمة الله تعالى أقرب منها من العابد المُقنط” 33.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام – في صفة المنافقين -: “حَسَدَةُ الرخاء، و مولِدو البلاء، ومُقْنِطو الرجاء” 34.

2 – التصرفات المؤذية للبدن:

يقوم بعضُ الناس، وبدون قصد السوء، ببعض التصرفات

30- الإمام الخميني – تحرير الوسيلة – ج 1 ص 274

31- يوسف: 87

32- الشيخ الكليني-الكافي-ج 2 ص 544

33- الريشهري – ميزان الحكمة – ج 3 ص 2632

34- م . ن. ج 4 ص 3704


التي حرمها الشرع في المصائب، كنتف المرأة لشعرها، أو خدشها لوجهها، أو شقِّ الرجل لقميصه. فإن هذه التصرفات من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها, بل وجعل عليها كفارة. وسنبين هذه التصرفات، وما يترتب عليها من الكفارات في الجدول التالي 35:

التصرف الفاعل السبب الكفارة

شق الثوب الرجل وفاة الزوجة والولد إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.

التصرف

الفاعل

السبب

الكفارة

شق الثوب

الرجل

وفاة الزوجة والولد

إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.

شق الثوب

الرجل

وفاة غير الزوجة والولد

لا شيء

خدش الوجه

الرجل

الزوجة والولد وغيرهما

لا شيء

نتف الشعر

المرأة

الزوجة والولد وغيرهما

إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.

خدش الوجه

المرأة

الزوجة والولد وغيرهما

إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيراً بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.

35- الإمام الخميني – تحرير الوسيلة -ج 2 ص 125 – 126


ملاحظة: المقصود بالخدش للوجه الذي تجب فيه الكفارة, هو الخدش الذي يحصل بسببه خروج الدم من الوجه لا مجرد الخدشة العادية 36.

وقد جاء عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلامفي خصوص التصرفات المؤذية للبدن، وأمثالها: ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أنه قال في مرضه الذي قُبض فيه لفاطمة عليها السلام وهي تبكي وتقول “واكرباه لكربك يا أبتاه”: “لا تشقي عَلَيَّ الجيب، ولا تخمشي عليَّ الوجه، ولا تدعي عَلَيَّ بالويل” 37.

وذكر الشهيد الثاني في مسكن الفؤاد عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور.

وعن علي بن الحسين عليها السلام أنه قال: “إن الحسين بن علي عليها السلام قال لأخته زينب عليها السلام يا أختاه إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيباً، ولا تخمشي علي وجهاً، ولا تدْعي علَيَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت” 38.

3ـ الصراخ والعويل

في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “لا ينبغي الصياح على الميت ولا شق الثياب” 39.

36- راجع الإمام الخميني – تحرير الوسيلة -ج 2 ص 126

37- الميرزا النوري- مستدرك الوسائل – ج2 ص452

38- السيد البروجردي – جامع أحاديث الشيعة – ج3 ص485-486

39- م .ن . ج 3 ص 483


بل إن بعض الروايات، وصفت الصراخ والدعاء بالويل وغيرها من التصرفات، بأنه هو الجزع المُحبِط للأجر، الذي وعد الله تعالى به الصابرين على المصيبة, فعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قلت له ما الجزع قال عليه السلام: “أشدُّ الجزع الصراخُ بالويل والعويل، ولطمُ الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصي ومن أقام النواحة، فقد ترك الصبر، وأخذ في غير طريقه، ومن صبر واسترجع وحمِد الله عزَّ وجلَّ فقد رضيَ بما صنع الله، ووقع أجره على الله، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبَط الله تعالى أجره” 40.

ويظهر من الروايات، كراهة البكاء والنواح فعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: “كل الجزع والبكاء مكروه، ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام” 41.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : “ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال الناس فيها حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعنُ في الأنساب والنياحة على الموتى” 42.

40- السيد البروجردي – جامع أحاديث الشيعة – ج 3 ص 483

41- م . ن . ج3، ص 479

42- م . ن . ج3، ص 488

شاهد أيضاً

فقه المسجد

 آداب المسجد تمهيد ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾. حينما يكون ...