الرئيسية / فقه الولاية / فقه الأحزان

فقه الأحزان

أعراف وأحكام

لدى الناس بعض الأعراف والعادات، فهم يسيرون عليها ولا يقصرون في الالتزام بها متى فقدوا عزيزاً، كإقامة مأتم الثالث، الأسبوع وذكرى الأربعين، فهل هذه الأمور مشروعة، وهل وردت بها روايات عن أهل البيت عليهم السلام ؟

لا شك في أن ما يجري في هذه المآتم من قراءة القرآن، وإقامة

7- المجلسيّ-بحار الأنوار- ج 2 ص 15

8- مرتضى المطهري – شهيد يتحدّث عن الشهيد- ص 49


 مجالس العزاء الحسينية، وإهداء ثواب ذلك إلى الميت، هو أمر مستحب ومحبذ، ويكفي فيه ما ورد من الحث في الروايات على صلة الميت، بل هو من أنواع البر بالميت، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله – لما سئل عن بر الوالدين بعد موتهما -: “نعم، الصلاة عليهما، والإستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما” 9.

1ـ مراسم اليوم الثالث

إن من يراجع التاريخ الإسلامي ومصادر التشريع، يلاحظ أنَّ الروايات الشريفة أكَّدت على أنَّ العزاء هو ثلاثة أيام, ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : “يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات” 10.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام : “ليس لأحدٍ أن يحد أكثر من ثلاثة أيام, إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها” 11.

ومن الروايات ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : “ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس الرداء، وأن يكون في قميص حتى يعرف، وينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام” 12.

ولذا، يذكر العلامة المجلسي صاحب بحار الأنوار: “وأما

9- الريشهري – ميزان الحكمة – ج 4 ص 3675

10- الشيخ الصدوق – من لا يحضره الفقيه – ج 1 ص 182

11- م . ن. – ج 1 ص 183

12- العلامة المجلسي – بحار الأنوار – ج 79 ص 71


 استحباب بعث الطعام ثلاثة أيام إلى صاحب المصيبة، فلا خلاف بين الأصحاب في ذلك، وفيه إيماء إلى استحباب اتخاذ المأتم ثلاثة، بل على استحباب تعاهدهم وتعزيتهم ثلاثة أيضاً، فإن الإطعام عنه يدل على اجتماع الناس للمصيبة” 13.

2ـ مراسم ذكرى الأسبوع

لم نجد في المرويات الواردة عن النبي صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام ، ما يدل على إقامة المتعارف الآن بين الناس من ذكرى الأسبوع، أو ما يدل على استحباب إقامة الأسابيع للأموات 14.

ولذا، فإنه لا بد من التأكيد على نية أهل العزاء عند إقامة الأسبوع عن المتوفى، بأن يقصدوا إقامة هذه الأسابيع بقصد تعزيتهم والمواساة لهم، وقراءة القرآن عن روح ميتهم، وذكر مصاب أهل البيت عليهم السلام وإهداء الثواب في ذلك كله لروح الميت، فإن هذا أمرٌ مطلوب في نفسه، ولا محذور فيه.

3ـ مراسم ذكرى الأربعين

ورد التعرض لمسألة الأربعين في العديد من الروايات من أبواب متعددة؛ فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال: “يا أبا ذر: إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحاً” 15.

13- م. ن. ج 79 ص 71

14- جعفر مرتضى- مختصر مفيد- ج 1 ص 226

15- الشيخ الطبرسي -مكارم الأخلاق – ص 466


 كما ورد في الروايات عن مقتل الإمام الحسين عليه السلام على لسان الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإنَّ الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام ” 16.

وورد في الرواية: “بكى آدم عليه السلام على هابيل أربعين ليلة” 17.

تدل هذه الروايات بوضوح على أن للأربعين خصوصية، ولما كان المتعارف في الأربعين الذي يقام للميت هو الدعاء له بالرحمة والمغفرة، وإهداء ما يتلى من آيات الله، ومن ذكر مصاب أهل البيت عليهم السلام ، وهي أمورٌ تعود بالنفع على الميت في آخرته وفي عالم البرزخ، كان عندها إقامة مجلس الأربعين أمراً محبذاً لا ضرر فيه بل فيه، الخير كله.

4ـ مراسم الذكرى السنوية

ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في الصحيح أنه قال:

16- جعفر بن محمّد بن قولويه -كامل الزيارات – ص 167

17- الشيخ الكليني – الكافي – ج 8 ص 114


“قال أبي الإمام الباقر عليه السلام : يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمِنى أيام مِنى ” 18.

ويذكر بعض العلماء تعليقاً على هذه الروايةلما نصه: “وقد يستفاد منه استحباب ذلك إذا كان المندوب ذا صفات تستحق النشر ليقتدى بها ” 19.

وورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: “كانت فاطمة صلوات الله عليها تزور قبر حمزة وتقوم عليه، وكانت في كل سنة، تأتي قبور الشهداء مع نسوة معها، فيدعينَ ويَسْتَغْفِرْنَ ” 20.

18- الحرّ العاملي – وسائل الشيعة «آل البيت» – ج 17 ص 125

19- الشيخ الجواهري -جواهر الكلام – ج 4 ص 366

20- القاضي النعمان المغربي -دعائم الإسلام – ج 1 ص 239


الخاتمة

إن الله تعالى أراد لنا أن نسير وفق إرادته، وهدي رسوله الكريم صلى الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام ، وهذا معنى كوننا عباداً له سبحانه تعالى. ولأجل أننا كذلك، لا بد وأن نلتزم بكل ما أمرنا به من الواجبات, ونترك كل ما نهانا عنه من المحرمات, صيانة لعاقبتنا بالدرجة الأولى, وحرصاً منا على تقديم صورة المؤمن بأبهى أشكالها, في ممتحناتِ أتراحنا. نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لحسن الالتزام بأمره والتأدب بآداب الدين, واجتناب ما يوجب سخطه، إنه سميعٌ مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين.

                                                                    مركز نون للتأليف والترجمة

شاهد أيضاً

فقه المسجد

 آداب المسجد تمهيد ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾. حينما يكون ...