الرئيسية / فقه الولاية / فقه المسجد

فقه المسجد

المسجد وصيّة العلماء

لطالما كان المسجد في وصايا علمائنا الأعلام، وقد بالغوا في الحثّ على تفعيل دور المسجد لما في ذلك من آثار على روحيّة الإنسان المؤمن وما في ذلك من تأسيس البنيان الإيمانيّ على أعمدة قويّة.

1- المسجد في كلام الإمام الخمينيّ العظيم قدس سره

وسنذكر ما أشار له مفجّر الثورة الإسلاميّة الإمام آية الله العظمى روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره من كلمات خالدة في هذا المجال:

“لا تهجروا المساجد فإنّ ذلك هو تكليفكم”.

إلى هذه الدرجة من الأهمّيّة أن يكون الحفاظ على الحضور في المسجد تكليف المؤمنين ولا يوجد أبين في الدلالة على أهمّيّة الأمر من هذه الكلمة الموجزة.

وفي تعليقه قدس سره الشريف على رواية الإمام الصادق عليه السلام، والّتي فصّل فيها آداب المسجد يقول قدس سره: “وحيث إنّ هذا الكلام

47- الكافي، الكلينيّ، ج3، ص 371.


الشريف دستور جامع لأصحاب المعرفة وأرباب السلوك إلى الله نقلته بتمامه فلعلّه يحصل حال من التدبير فيه، ومحصّل قوله عليه السلام أنّه إذا وصلت إلى باب المسجد فانتبه إلى أيّ باب وصلت؟ وأيّ جناب قصدت؟ فاعلم أنّك وصلت إلى جناب السلطان العظيم الشأن الّذي لا يضع أحد قدمه على بساط قويّة إلّا إذا طهر وتطهّر من جميع أرجاس عالم الطبيعة والأرجاس الشيطانيّة، ولا يصدر الإذن لمجالسته إلّا للّذين يُقدمون عليه بالصدق والصفاء والخلوص من جميع أنواع الشرك الظاهر والباطن، فاجعل عظمة الموقف والهيبة والعزّة والجلال الإلهيّ نصب عينيك، ثمّ ضع قدمك إلى جناب القدس وبساط الأنس، فإنّك واقع في مخاطرة عظيمة… فإنّك وردت إلى جناب القادر المطلق، يُجري ما يشاء في مملكته، فإمّا أن يُعاملك بالعدالة ويُناقش في الحساب فيُطالب بالصدق والإخلاص، وتُحجب عن الجناب وتُردّ طاعتك وإن كثرت، وإمّا أن يعطف إليك طرفه ويَقبل بفضله ورحمته طاعاتك الّتي هي لا شيء ولا قيمة لها، ويُعطيك ثوابه العظيم.

فإذا عرفت الآن عظمة الموقف فاعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك، وإذا توجّهت إلى عبادته وقصدت المؤانسة معه ففرّغ قلبك عن الاشتغال بالغير الّذي يحجبك عن جمال الجميل، وهذا الاشتغال بالغير قذارة وشرك، ولا يقبل الحقّ تعالى إلّا القلب


الطاهر الخالص. وإذا وجدت في نفسك حلاوة مناجاة الحقّ، وذُقت حلاوة ذكر الله، وشربت من كأس رحمته وكراماته، ورأيت حسّ إقباله وإجابته في نفسك، فاعلم أنّك صرت لائقاً لخدمته المقدّسة، فادخل فإنّك مأذون ومأمون. وإذا ما وجدت في نفسك هذه الحالات فقف بباب رحمته كالمضطرّ الّذي انقطعت عنه جميع العلاجات، وبَعُد عن الآمال، وقرُب إلى أجله، فإذا عرضتَ ذلّتك ومسكنتك والتجأت إلى بابه ورأى سبحانه منك الصدق والصفاء، فينظر إليك بعين الرحمة والرأفة، ويؤيّدك ويوفّقك لتحصيل رضاه، فإنّه الذات المقدّسة، وإنّه الكريم ويحبّ الكرامة لعباده المضطرّين كما يقول تعالى:﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ 4849.

بهذا التوجيه الأخلاقيّ الجميل حبّب الإمام الخمينيّ قدس سره أهل الإيمان بالمساجد، وعرّفهم على الآداب المعنويّة للدخول إلى المسجد، وما وراء الآداب الظاهريّة له، فما أحرى بنا أن نتّجه بقلوبنا لتلبية نداء الله تعالى والحضور إليه في بيته.

وفي جانب آخر يُلفت الإمام الخمينيّ قدس سره الأنظار إلى خطورة الابتعاد عن المسجد، وخُطط أعداء الأمّة لإبعادنا عنه قائلاً: “المسجد هو خندق إسلاميّ، والمحراب هو محلّ الحرب، إنّهم يُريدون

48- سورة النمل، الآية: 62.

49- الآداب المعنوية للصلاة، الإمام الخمينيّ قدس سره، الباب الثالث, الآداب القلبيّة لمكان المصلّي، الفصل الأوّل.


أن يأخذوا هذا منكم، بل إنّ ذلك مقدّمة، وإلّا فاذهبوا وصلّوا ما شئتم، إنّهم تضرّروا من المسجد (خلال هاتين السنتين أو الثلاث الأخيرة) إذ أصبح المسجد مكاناً لتجمّع الناس، وتثوير الجماهير للانتفاضة ضدّ الظلم، إنّهم يُريدون أخذ هذا الخندق منكم”50.

2- المسجد في كلام وليّ أمر المسلمين دام ظله

وكذلك الإمام السيد علي الخامنئيّ دام ظله أكّد في كثير من كلماته وتوجيهاته على ضرورة الحضور في المساجد والحفاظ على الجماعات فيها، فمن توجيهاته حفظه الله:

“يجب‎‎ أن تكون المساجد عامـرةً، ويجـب أن‎ تقام‎ فيهـا الصلاة‎‎ جمـاعـة وقـت‎ أداء الفريضة‎، كما يجـب‎ أن‎‎ يـسمـع‎ صـوت‎ الأذان والإقامة”51.

وفي خطاب آخر يقول: “على أبناء الشعب لاسيّما الشباب أن يعرفوا قدر قلوبهم النقيّة، وأن يزيدوا من هذه النقاوة عبر إقامة الصلاة في أوّل وقتها على مدار السنة، والحضور في المساجد وتلاوة القرآن الكريم والأنس مع القرآن”52

50- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 279.

51- من خطاب له في المشـاركيـن‎ فـي‎ المؤتمر السابع‎ عشر للصلاة 2008/11/1.

52-من خطاب له بتاريخ 2/09/2009.


خاتمة

من خلال كلّ ما تقدّم، نستطيع أن نقول بأنّ موقع المسجد ومكانته في الإسلام بشكل عامّ وفي القرآن والروايات الشريفة وكلمات أهل الفضل يُبيّن مكانته الّتي لا يُمكن أن تُختصر في صفحات، بل إنّ من غير الممكن أن يُدرك الواحد منّا كلّ الأسرار الّتي من وراءها جاء هذا الكمّ الهائل من التحفيز، على أنّ ما ذُكر في الصفحات السابقة هو الشيء القليل، وما تُرك من الروايات الّتي أبرزت هذا الفضل كثير، وما سيأتي في باب آداب المسجد يصبّ في نفس الخانة أيضاً.

شاهد أيضاً

فقه المسجد

 آداب المسجد تمهيد ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾. حينما يكون ...