الرئيسية / الاسلام والحياة / سلسلة الدروس الأخلاقية – أغنى الناس

سلسلة الدروس الأخلاقية – أغنى الناس

الدرس الثاني  – الآخرة

 

عن الإمام علي عليه السلام: “من أصبح والآخرة همه، استغنى بغير مال، واستأنس بغير أهل، وعز بغير عشيرة”1.

 

ضرورة الاعتقاد بالآخرة

 

إن وجهة نظر الإنسان نحو الموت وما بعده مهمة جداً في حياته، فكلما كانت نظرته واقعية وموضوعية وصحيحة، كلّما كانت حياته سعيدة ونشطة ومتحركة ومتفائلة، والعكس صحيح أيضاً.

 

فتركيبة الإنسان النفسية ومن ثم سلوكه وأخلاقه تتأثر جداً من خلال نظرته إلى الموت وما بعده.

 

فليس التفكير في الموت وما بعده أو بالأحرى ليس الاعتقاد بوجهة نظر معينة تجاه الموت وما بعده فكرة عابرة تمر بالخيال وترحل، ولو حاول الإنسان أن يخرجها من خياله وشعوره، فإنها ستنزل رغماً عنه إلى لا شعوره وعقله الباطني وكيانه النفسي وتطبعه بطابع معين إما سلباً أو إيجاباً.

 

فعلى هذا ليس التفكير في الموت وما بعده موتاً بل حياة، أي له دخالة في حياة الإنسان وبنائه الروحي والنفسي والعقلي.

 

وأنتم إذا دقَّقتم جيداً ستعرفون أن الإنسان إذا كانت نظرته إلى الموت على أنه فناء ستكون تركيبته النفسية معقّدة خائفة متشائمة مضطربة مستهترة متحلِّلة، أما إذا كانت نظرته على النقيض من ذلك واعتقد بأن الموت ليس انحلالاً تاماً ولا فناء محضاً، إنما حياة ثانية لها نكهتها الخاصة، فستكون حياته النفسية وتركيبته الروحية متفائلة مطمئنة ملتزمة.

1- الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج 7، ص‏297.


التفكير بالحياة بعد الموت هاجس إنساني‏

 

إن التفكير بما بعد الموت هاجس إنساني، ليس له طائفة أو دين خاص، فكل الناس إلى أي دين انتموا، حتى الملحد منهم، لا بد وأن يأتيه تساءل، ماذا بعد الموت؟

 

وإذا استقرأتم التاريخ ترون أن هذا التساءل، لا يخلو من أمَّة، أو من شخص. ولكن الناس يحاولون أن ينسوا هاجس ما بعد الموت، ليبعدوا الخوف عن أنفسهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

 

يقول أحد علماء النفس: إن الخوف من الموت يقود الإنسان إلى طرح الأسئلة التالية: لمَ، وإلى أين؟ ومعنى ذلك أن فكر الإنسان أكثر ما يشغله المصير النهائي للحياة البشرية2.

 

ولقد اخترع الناس الكثير لنسيان الموت، يقول بعض المفكرين: “إن الناس قد اخترعوا شتّى ضروب اللهو أو التسلية حتى يتجنّبوا الخوف من الوحدة أو العزلة”.

 

ويقول أيضاً: “إنه لمّا كان الناس لم يهتدوا إلى علاج للموت والشقاء والجهل، فقد وجدوا أن خير الطرق للتنعم بالسعادة هي ألا يفكروا في هذه الأمور على الإطلاق”3.

 

وفي الحقيقة إن نسيان الناس لمصيرهم النهائي، أو بالأحرى تناسيه، ما هو إلا كما تفعل النعامة، حيث تطمر رأسها في التراب، وتحسب أن الذئب الآتي لن يأكلها!

 

اكتشاف ما بعد الموت يحيي أمماً وأفراداً

 

يقول بعض المفكرين: “إن اكتشاف الموت هو الذي ينقل بالشعوب والأفراد إلى مرحلة النضج العقلي أو البلوغ الروحي”4.

 

فعلاً إن قول هذا المفكر صحيح وتؤيده الوقائع التاريخية، للتدليل على هذه الفكرة نعطيكم مثالاً واحداً.

2-تغلب على الخوف، مصطفى غالب، ص‏73.

3-القول للفيلسوف باسكال نقلاً عن: ن.م، ص‏13.

4-القول للفيلسوف الإسباني أونامونو: ن.م، ص‏74.


الأمة العربية قبل الإسلام أكثرها كان منكراً للحياة ما بعد الموت، يقول تعالى: “وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ”5.

 

“أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ”6.

 

فكيف كانت حياتهم؟ كانت حياتهم حياة جهلٍ وتخلّف وتبعيّة، ولكن عندما جاء الإسلام، وغيّر نظرتهم إلى الموت وما بعده، تغيَّر العرب تغيّراً جذرياً، فانطلقوا في الدّنيا بكل انشراح وقوّة وغيّروا مجرى التاريخ بعد أن كانوا هملاً لا يخافهم أحد.

 

القرآن والموت وما بعده‏

 

لقد اهتم القران الكريم بموضوع الحياة بعد الموت اهتماماً لافتاً، مما يشير إلى أهميّة هذا الموضوع على حياة الأمم والأفراد، حتى أن القران الكريم قد قرن كثيراً بين الإيمان باللَّه واليوم الاخر، مما يشير إلى أن الإيمان باللَّه لا يكفي الإنسان الفرد والأمة في كماله الروحي وسكينته النفسية وصلاحه الأخلاقي والسلوكي، إن لم يكن مؤمناً باليوم الاخر.

 

يقول تعالى: “ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ…”7.

“يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ…”8.

 

إلى كثير من الآيات التي تقرن الإيمان باللَّه مع اليوم الأخر.

وهنا نماذج من الآيات المتعلقة بالآخرة:

 

  • التفكير في الدنيا والآخرة:

“يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ”9.

 

  • الدار الآخرة خير للمتقين:

“وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ”10.

5-الجاثية: 24

6- الصافات:17-16

7-البقرة:232

8- ال عمران:114

9-البقرة:220

10-الأنعام:32


  • اللَّه يريد الآخرة:

“تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ”11.

 

  • الموعظة تنفع المؤمن بالآخرة:

“ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”12.

 

  • الأعمى في الدنيا أعمى في الآخرة:

“وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً”13.

 

  • الحياة البرزخيّة:

“حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”14.

“وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”15.

 

الأحاديث وما بعد الموت:

 

يحدثنا التاريخ أنه لما انهزم أصحاب الجمل ركب الإمام علي عليه السلام بغلة رسول اللَّه الشهباء وسار في القتلى يستعرضهم فمرَّ بكعب بن سور قاضي البصرة وهو قتيل، فقال: أجلسوه، فأُجلس، فقال عليه السلام: “ويلُمِّك يا كعب بن سور، لقد كان علم لو نفعك… ولكن الشيطان أضلَّك فأزلّك فعجلّك إلى النار”16.

 

وفي نهج البلاغة أنه لما بلغ الإمام عليه السلام مقبرة كانت خلف سور الكوفة، فخاطب الموتى، فقال كلاماً في تقلُّب الدّنيا، ثم قال: “هذا ما عندنا فما خبر ما عندكم”، ثم أضاف عليه السلام: “أما لوا أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى”17.

 

  • مخلوقون للآخرة:

عن الإمام علي عليه السلام: “إنك مخلوق للآخرة فاعمل لها، إنك لم تخلق للدنيا فازهد فيها”18.

11- الأنفال:67

12- الطلاق:2

13-الإسراء:72

14-المؤمنون9-9100

15-آل عمران:169

16- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ص‏248.

17- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 130.

18- ميزان الحكمة، الري شهري، مج 1، ص‏37، ح 126.


  • بين العمل للدنيا والعمل للآخرة:

 

عن الإمام علي عليه السلام: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً”19.

 

  • ثمرات ذكر الآخرة:

عن الإمام علي عليه السلام: “ذكر الآخرة دواء وشفاء، وذكر الدنيا أدوء الأدواء”20.

وعنه عليه السلام: “من أكثر ذكر الآخرة قلَّت معصيته”21.

 

خاتمة:

 

أيُّها الأخوة، في نهاية المطاف، لا بد لنا أن نكون متوازنين بين الدنيا والآخرة، وأن يكون همُّنا الأساس هو النجاة في اليوم الأخر، في يوم القيامة، لأن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، فاعملوا وجدّوا واجتهدوا، ليومٍ لا ينفع فيه إلا العمل، وليس كل عمل، بل العمل الخالص للَّه تعالى.

19- ن.م، ص‏37، ح 129.

20-ن.م، ص‏36، ح‏120.

21-ن.م، ص‏37، ح‏121.


من فقه الاسلام

 

س: في الوقت الحاضر يتولى أشخاص أُجَراء أو مسؤولون عن شؤون المقابر أمور تكفين ودفن الموتى، سواء كان رجلاً أو امرأة، فهل هناك إشكال في مسألة الدفن مع العلم بأن أولئك المباشرين لأمر التكفين والدفن ليسوا من محارم الميّت؟

ج: تشترط المماثلة في تغسيل الميّت، ومع التمكن من تغسيل الميت بواسطة المماثل لا يصح مباشرة غير المماثل لتغسيله، ويكون تغسيله باطلاً، وأما التكفين والدفن فلا يشترط فيهما المماثلة.

 

س: شخص توفي في حادث اصطدام أو سقوط من ارتفاع شاهق، فما هو التكليف في حالة بقاء نزف الدم لدى المتوفى؟ وهل يجب عليهم الانتظار حتى يتوقف تلقائياً، أو بواسطة الوسائل الطبية أم أنهم يبادرون إلى دفنه بالرغم من حالة النزف الموجودة؟

ج: يجب مع الإمكان تطهير بدن الميت قبل الغسل، وإذا أمكن الانتظار من أجل توقف النزف، أو المنع منه وجب ذلك.

 

س: عظم لميت دفن قبل 40 أو 50 سنة، وقد اندرست مقبرته وتحولت إلى ساحة عامة، وقد شقّوا في تلك الساحة جدولاً فظهرت فيه عظام الموتى، فهل هناك إشكال في لمس تلك العظام من أجل النظر إليها؟ وهل العظام نجسة أم لا؟

ج: عظم الميت المسلم الذي تمّ تغسيله ليس بنجس، ولكن يجب دفنه تحت التراب22.

 

22- أجوبة الاستفتاءات، القائد الخامنئي، العبادات ج‏1، ص‏68 67، ط1999 3، الدار الإسلامية.


خلاصة الدرس

 

أ- الاعتقاد بالآخرة ضروري لتكامل الإنسان، الروحي والعقلي والسلوكي، وليس أمراً بسيطاً لا أثر له على حياته. والفرق يظهر واضحاً بين إنسان يؤمن بالآخرة وإنسان لا يؤمن بها.

ب- التفكير بالحياة بعد الموت هاجس إنساني، لا يخلو منه إنسان، حتى الملحد الكافر. والناس اخترعوا الكثير من الوسائل لتناسي الموت وما بعده، إلا أنّهم كالنعامة التي ضرب المثل بها على الحماقة.

ج- اكتشاف ما بعد الموت يحيي أمماً وأفراداً، وصدق بعض المفكرين حينا قال: “إن اكتشاف الموت هو الذي ينقل بالشعوب والأفراد إلى مرحلة النضج العقلي أو البلوغ الروحي”، ومثال ذلك المجتمع العربي.

د- لقد اهتم القرآن الكريم بموضوع الحياة بعد الموت، وقرن كثيراً بين الإيمان باللَّه واليوم الآخر، مما يشير إلى أن الإيمان بالخالق لا يكفي لتكامل الإنسان، دون الإيمان بالثواب والعقاب في يوم القيامة.

و-القرآن الكريم دعا إلى التفكير في الآخرة ولم ينسى التفكير في الدنيا، ولكن اللَّه يريد الآخرة. وتحدث عن حياة البرزخ التي تعني الحياة بعد الموت.

هـ- الأحاديث الشريفة تحدثت أيضاً عن البرزخ، وأكدت أننا مخلوقون للآخرة، ووازنت بين العمل للدنيا والآخرة، وذكرت ثمرات للإيمان بالآخرة وذكرها، منها قلَّة المعاصي، وشفاء الروح.

 

 


أسئلة حول الدرس

 

1- هل الاعتقاد بالآخرة أمر بسيط لا أهمية له؟

2-هل المؤمن فقط يفكر بالحياة بعد الموت؟

3-ما هي ثمرات اكتشاف ما بعد الموت؟

4- اذكر بعض الآيات، في الآخرة، وعنونها؟

5- اذكر بعض الأحاديث، في الآخرة، وعنونها؟

 

للحفظ

 

قال تعالى: “تريدون عرض الدنيا واللَّه يريد الآخرة”.

عن الإمام علي عليه السلام:”من أكثر ذكر الآخرة قلّت معصيته”.

 

 


للمطالعة

 

كراهة الموت‏

 

لا بد أن نعرف بأن كراهتنا للموت، وخوفنا منه نحن الناقصين، لأجل… أن الإنسان حسب فطرته التي فطرها اللَّه سبحانه، وجبلّته الأصيلة، يحب البقاء والحياة، ويتنفر من الفناء والممات، وهذا يرتبط بالبقاء المطلق والحياة الدائمية السرمدية، أي البقاء الذي لا فناء فيه والحياة التي لا زوال فيها. إن بعض الكبار قد أثبتوا المعاد يوم القيامة مع هذه الفطرة التي تحب الحياة والبقاء.

 

وحيث أن في فطرة الإنسان هذا الحب وذاك التنفر، فإنه يحب ويعشق ما يرى فيه البقاء، ويحب ويعشق العالم الذي يرى فيه الحياة الخالدة، ويهرب من العالم الذي يقابله. وحيث إننا لا نؤمن بعالم الآخرة، ولا تطمئن قلوبنا نحو الحياة الأزلية، والبقاء السرمدي لذلك العالم، نحب هذا العالم، ونهرب من الموت حسب تلك الفطرة والجبلَّة.

 

أن الإدراك العقلي يختلف عن الإيمان والاطمئنان القلبي. نحن ندرك عقلاً أو نصدق أحاديث الأنبياء تعبداً بأن الموت… حق، ولكن قلوبنا لا تحظى بشي‏ء من هذه المعرفة، ولا علم لها عن ذلك، بل إن قلوبنا قد أخلدت إلى أرض الطبيعة… ونعتبر الحياة في هذه الحياة، ولا نرى بقاء وحياة للعالم الثاني، عالم الاخرة23.

 23-الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ص‏329، ط 1991، دار التعارف.

 

 0


شاهد أيضاً

فيديو: المقاومة الإسلامية تستهدف دبابة “ميركافا” في محيط موقع المطلة

فيديو: المقاومة الإسلامية تستهدف دبابة “ميركافا” في محيط موقع المطلة نشر الإعلام الحربي في المقاومة ...