الرئيسية / القرآن الكريم / حقائق قرآنية (الإحساس الجمالي في القرآن)

حقائق قرآنية (الإحساس الجمالي في القرآن)

نظرات قرآنية
القرآن نجاة من الشك

كيف تدخل الشكوك في النفس الإنسانية؟ وكيف يستطيع ابن آدم أن يعيش حياةً بلا شكوك؟
وهل أن عقله عاجز عن استيعاب مجريات الحياة؟ وهل هو -في الواقع- فقير الى أدوات الفهم؟
لقد زوّد الله عز وجل الإنسان بالعقل وبالخيال وبالحواس وبعشرات الوسائل لاستقبال الحقائق، فلماذا الشك إذن؟!
أقول: إنما يدخل الشك والريب إلى الإنسان عبر وساوس الشيطان، وعبر الهوى والانجذاب للمادة والطبيعة، وعبر عدم التركيز والاستعجال في اتخاذ القرارات واصدار الاحكام، وعبر التأثر بأفكار الآخرين والانبهار بها دونما تفحّصٍ أو نقد، وهناك أسباب عديدة اخرى.
أما سبيل العلاج من ااشك، فهو اللجوء الى كتاب الله المجيد، فهو علاج الوساوس الشيطانية، والضعف البشري، وداء الانبهار بالفكر الآخر، كما أنه يحرر الانسان من جميع عوامل الضغط. فحينما نقرأ القرآن بعمق ونستوعب آياته الكريمة، فإننا نزكي أنفسنا ونعلمها ونصلحها، وهنالك نتجاوز حالة الشك والريب، ولذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى في سورة البقرة:«ذَلِكَ الكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ[([66]) .
لأن القرآن الذي أُنزل لمواجهة الريب، قد وضعت فيه القدرة على إزالة عوامل الريب والضعف والانبهار بالآخرين، والأفكار الدخيلة التي يتعرض لها المسلم، فيدعوه إلى التحرر من تقليد الآباء والتقوقع على تقاليدهم، كما يحرره من ضغوط الشهوات، ثم يثير عقله ويضيئه ويضع أمامه المنهج الصحيح للتفكير.
فالله جل جلاله يقول:«الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُولُواْ الاَلْبَابِ[([67]) فهو يزود الإنسان المسلم ببرنامج عظيم؛ يدعوه إلى إزالة الحجب، وضغوط الشهوة والعقد النفسية في إطار اتباع الحق.
وليُعلم إن الخلاص من الريب، يعني الوصول الى الهدى ومن ثم الوصول الى التقوى، لأن جوهر التقوى هو المعرفة بالله وبالجزاء، وهو الإيمان بالغيب وبالآخرة وبالرسل وبالحق.
وجذوة القول هي: أن اقترابنا من القرآن يعني ابتعادنا عن الشك والريب، لأن القرآن ذاته كتاب لا ريب فيه.
النقد الذاتي؛ بصيرة قرآنية
«وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُولُواْ الاَلْبَابِ»([68])
يتعرض ابن آدم لضغوط كثيرة في حياته، فقد يكون منذ طفولته عرضة للتربية الفاسدة، حيث يتلقى الثقافة الخاطئة، أو يعيش في مجتمع فاسد، فإذا شب وقوى عوده في مثل هذا المحيط، وإذا كبر وأُولج في متاهات الحياة، تكون هناك ضغوط اقتصادية -مثلاً- فيجد نفسه عاجزاً عن تأمين معاشه أو ضمان مستقبله -كما يحلو له أن يتصور- إلا بالطرق الملتوية، ومن ثم قد يعيش إعلاماً فاسداً مفسداً؛ في مثل هذه الأجواء تتصاعد وتتضاعف احتمالات انحرافه.
فإذا أغلق الإنسان باب التوبة والعودة إلى خالقه، وسدّ أبواب تصحيح المسيرة أو ما يسميه الأدب الحديث بـ النقد الذاتي ، فإنه سيكون محكوماً سلفاً بالاسترسال في الطريق الخاطئ، مرحلة بعد مرحلة.
ولكن كلا؛ فالله الرحمن الرحيم والعفوُّ الغفور ليس قد فتح أمام الإنسان باب التوبة فحسب، وإنما دعاه وعلّمه وشجعه ومنحه الوسائل الكافية للتوبة. فهذه الدعوة الإلهية ليست كدعوات الآخرين، حيث غالباً ما تكون دعوات جافةً بخيلة، بل هي دعوة حبيب رحيم غفور .
فكما أن جسمك الذي قد يتعرض للمرض أو الوسخ، له ما يعالجه من دواء للعافية وماء للنظافة والتطهير، كذلك الأمر بالنسبة لروحك وفكرك وعملك لهم ما يحييهم ويصحح مسيرتهم.
فقد يمكن للإنسان أن ينحرف -وهذا من طبيعة الخلقة- فهو خلق من ضعف وعجل ، وكان له التعرض للمشاكل والسقوط، ولكن الأهم هو أن يصلح نفسه فيما بعد.
فالقرآن الكريم يبشر التوابين ويدعو الناس -على اختلاف مشاربهم وأسباب انحرافهم- إلى العودة والنهوض والتوبة في كل وقت وحين، كما أنه يدعو المؤمنين بصورة خاصة الى عدم اليأس من رَوْحِ الله، ويخبرهم بأنه لا ييأس من رَوْحِ الله إلا القوم الكافرون، إذ اليأس يعني الموت، أو لنقل إن اليأس هو قتل متعمّد للذات وللفكر. وهذا لعمري ذنب كبير لا يضاهيه إلا الكفر، والشيطان يثير في قلب ابن آدم هذا اليأس.
أن الله تبارك اسمه حينما يامرنا باجتناب الطاغوت في سورة الزمر الكريمة، لا يلبث أن يأمرنا بالتوبة والإنابة إليه، لأن هذا الطاغوت قد ترك أثراً بليغاً وجرحاً عميقاً في روح الإنسان وطريقة تفكيره.
فما على هذا الأخير إلا التصميم على تركه وتجاوز آثاره الأليمة، وهو بهذا الاجتناب إنما يبني لنفسه حياةً جديدة قائمة على أساس التقييم والنقد، حيث يعقّب الله على قوله الأول بآيته المحكمة: لهم البشرى -المنيبون التائبون-«فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ»؛ أي أنهم يقبلون بأرواحهم على عملية النقد الذاتي الصادرة أساساً عن قول القرآن والفطرة، فيستمعونه ويتبعون أحسنه.
وهذا التحول الواقعي ليس إلا مصداقاً حقيقياً للهداية الإلهية لمن كان له قلب أو ألقى السمعَ وهو شهيد.
الصبر؛ عبور الى المستقبل
«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِاَيَاتِنَا يُوقِنُونَ»([69])
بماذا ننمي في أنفسنا صفة الصبر، وكيف نستطيع أن نصمد أمام المشاكل والتحديات؟ وما هي القواعد والأسس القرآنية التي تمنحنا هذه الصفة المثلى؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تفرض ضرورة تبيين حقيقة أن الصبر يعني تجاوز الحاضر، والنظر إلى المستقبل فكلما كان التركيز على المستقبل وتجاوز الحاضر، كان مستوى الصبر والصمود اكبر فائدة وأعظم تأثيراً.
وبين هذا وذاك، نجد أن من صفات الفرد المؤمن أنه لا يتجاوز الوضع الراهن الذي يعيشه بآلامه ومشاكله، وينظر إلى المستقبل الذي يصنعه بنفسه ويوفقه الله إليه فحسب، وإنما نراه يعيش أُفق المستقبل الغيبي؛ أي أنه يكرس اهتمامه بمستقبله في الدار الآخرة، ولذلك فإنه يرجو من الله مالا يرجوه غيره.
وهو إذا ما أُصيب بمصيبة قال:«قإِنَّا لِلّهِ وإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»([70]) لأنه يعلم بأنه سيرجع إلى ربه، وأن كل ما يملك إنما هو بتخويل من المالك الأول، وهو الله عز وجل. فهو مطمئن إلى عودته إلى الله، وإلى أن خالقه يهيمن عليه، وهذا العلم وهذا الأطمئنان يمنحان الفرد المؤمن بصيرة ربانية تجعله ينظر إلى المستقبل على أساس الصبر والاستقامة والتحدي، باعتبار أن إيمانه بعظمة ما أعدّ له في الدار الآخرة لا يمكن أن يقاس بتفاهة المشاكل والصعوبات، فتراه يتلقاها برحابة صدر بالغة.
ألا ترى الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام حينما نزلت به المصيبة الكبرى ووجد ابنه الرضيع مذبوحاً بين يديه ، فقد أخذ دم رضيعه الشهيد ونثره إلى السماء قائلاً قولته المقدّسة: هوّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله ([71]) فهو على اعتقاد راسخ بأن الله يرى ويكتب ويحفظ شرف وقدسية دم هذا الشهيد الصغير ، مما يهوّن عليه الخطب الأليم.
إذن؛ فالله الذي أمر بالصبر قد مهد الطريق لاحبائه بالالتزام به؛ فبيّن لهم في قرآنه المجيد أن جزاء الصابرين النصر في الدنيا، والشرف في الحياة، وعظيم الجزاء والثواب في الآخرة ، حيث الرضوان والجنان والنعيم المقيم، بما فيه القصور والحور والسعادة المطلقة، الأمر الذي من شأنه تخفيف الآلام وتجاوز العقبات.
فكم من مؤمنة ومؤمن كانوا يعانون الأمرين من العوز والاضطهاد والملاحقة والتعذيب في سجون الطغاة ، ولكن مجرد تذكرهم الدار الآخرة والجنان الخالدة، ومجرد تذكرهم لعذاب الهون الذي ينتظر أعداءهم كانت آلامهم ومصائبهم تخفف عنهم. وقدوتهم في ذلك الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، حيث كان الطاغية هارون العباسي يدعوه لاعلان طلب العفو حتى يطلق سراحه من غياهب السجون التي مر على وجوده فيها حوالي أربعة عشر سنة بآلامها وفضاعتها، إلا أنه لم يستجب له، وكله أيمان وصمود وتحدي. لأنه يرى بقائه في السجن يقرّبه الى الله تعالى، وهو في ذات الوقت يقرّب هارون العباسي في النار؛ لذا لم يقل السجن عزيمته، ولم ينقص من همته.
ان هذا هو الصبر، وهذه هي حالة تجاوز الزمن الراهن والعبور إلى الزمن المستقبل الأفضل، إذ المسقبل ليس حكراً على الدنيا فقط، بل إن المستقبل الحقيقي هو في الآخرة، وما الدنيا -بما فيها- إلا محطة عبور.

_______________________________
([66] ) البقرة/ 2.
([67]) الزمر/ 18.
([68]) الزمر/ 17-18.
([69]) السجدة/ 24.
([70]) البقرة/ 156.
([71]) بحار الانوار، ج45، ص46.

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...